أطفال سورية بين الحقوق والواقع.. عن بعض مواد قانون حقوق الطفل رقم 21
حقوق الطفل

إيمان احمد ونوس/alnnour- ما بين انضمام سورية إلى اتفاقية حقوق الطفل عام 1993 ومصادقتها عليها، وصدور قانون الطفل رقم 21 لعام 2021 ما يقارب 29 عاماً تخلّلها بعض الإرهاصات بما يخص واقع الطفولة وحقوقها المتناثرة هنا وهناك في ثنايا القوانين والتشريعات المتعددة، كقانون العقوبات والعمل والجنسية والأحوال الشخصية. كذلك تخلّلها بعض الفعّاليات الساعية إلى حماية الشريحة الأضعف في المجتمع من العنف والإهمال الذي يفرضه الكبار عليهم وبضمنهم المقرّبون من الأهل. فقد انعقد في دمشق عام 2004 المؤتمر الوطني لحماية الطفولة، تبعه في العام ذاته ملتقى حماية الطفولة، وقد خرجا باقتراح إعداد مشروع خطة وطنية لحماية الأطفال من العنف والاستغلال بكل أشكاله.

في ذلك الحين كان قد مضى ما يُقارب عاماً واحداً على تأسيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة في عام 2003 كهيئة مستقلة، وقد كُلِّفَتْ هذه الهيئة، التي حلّت محل اللجنة العليا للطفولة، بالإشراف على مجمل عملية إعداد الخطة الوطنية لحماية الأطفال وتنفيذ كل مراحلها، بحكم ما تحظى به من كوادر بشرية متميّزة ومتخصّصة، وقد أقرّت الحكومة هذه الخطة في عام 2005 بعد أن تم تخصيص الميزانية المالية اللازمة لها. ومنذ ذلك التاريخ ومشروع القانون رغم استكماله كل الخطوات ليصبح قانوناً بقي قابعاً في الدهاليز المظلمة لأسباب مجهولة.

وبعد انتظار طال كثيراً صدر مؤخّراً قانون حقوق الطفل رقم 21، الذي لا يمكننا التنكّر لأهميته في الوقت الراهن والظروف المأسوية التي يعيشها الشعب السوري في الداخل أو في مخيمات اللجوء في الخارج، بسبب حرب ممتد لهيبها منذ ما ينوف عن السنوات العشر، كان الأطفال خلالها دافع الضرائب الأكبر من حيث التشرّد والنزوح أو اللجوء الذي فرض على تلك الشريحة الأضعف وضعاً مأساوياً غير مسبوق، فقد انتُهكت حقوقهم وبراءتهم بأفظع أشكال التسوّل والعمالة المُحرّمة دولياً، وتعرّض بعضهم للاتجار بهم تلبية للعديد من الأهداف التي تنشط زمن الحروب كتجارة الأعضاء البشرية والرقيق، إذ نشطت شبكات الدعارة في العديد من الدول ضحاياها طفلات ومراهقات سوريات، ولا نُغالي إن أدرجنا زواج الطفلات في هذا المضمار، فقد ارتفعت نسبة زواجهن في مخيمات اللجوء إلى أرقام مرعبة يُقابلها النسب ذاتها للطلاق أو حرمان أطفالهن من النسب بسبب هرب الأب وعدم وجود سجلات قيود رسمية. كما ارتفعت نسب الأمية والتسرّب المدرسي بين أولئك الأطفال بسبب لجوئهم للتسوّل أو العمل مبكراً لإعالة أسرهم التي حُرمت الكثير من مقومات العيش الطبيعي، وقد استغلَّ العديد من تُجّار الحروب والأزمات هذه الظروف في تشغيل الأطفال كنبّاشين في حاويات القمامة حتى بات المنظر مألوفاً في شوارع العاصمة والمدن الكبرى ليس فقط للأطفال وإنما لكبار أجبرتهم الظروف على هذا العمل لتأمين قوتهم اليومي. ولم ينجُ الأطفال من شباك المخدرات كمروّجين أو مستهلكين.

بالتأكيد إن هذا الواقع الذي يعيشه أطفالنا اليوم لم يكن فقط وليد الحرب وتبعاتها المُدمّرة، بل كان قبل الحرب نتاجاً (طبيعياً) للسياسات الحكومية التي انتهجت ما سُمّيَ باقتصاد السوق الاجتماعي، فارتفعت نسب البطالة لمستويات قياسية مترافقة مع غلاء فاحش تحالف مع الجفاف الذي ضرب الجزيرة السورية، ما دفع بسكانها للهرب إلى المدن الكبرى بحثاً عن عمل بعد هجر حقولهم ومزارعهم، ما ترك العديد من الأطفال خارج أسوار المدارس لالتحاقهم بالعديد من الأعمال التي لا تتناسب وبنيتهم الجسدية والنفسية. وبالطبع كل هذا لم يدفع بالمعنيين بشأن الطفولة في سورية لتفادي المآسي التي يعيشها الأطفال وحمايتهم من كل أشكال الإهمال والعنف المولّدة بلا أدنى شكّ للعديد من الجرائم والأمراض الجسدية والنفسية التي فتكت وما زالت تفتك بنفسية الأطفال وشوّهتها بما يكفي لافتقاد المجتمع أحد أهم أركانه، أطفال اليوم ورجال المستقبل الذين يُفترض أنهم بناة الأوطان والحياة.

لكل هذا، واستناداً لما نصّت عليه اتفاقية حقوق الطفل في مادتها الثانية على ضمان الدولة لحقوق الأطفال تحت ولايتها دون أي تمييز على أساس الدين أو الجنس أو المكانة الاجتماعية… الخ. كما نصّت المادة الثالثة منها على أن يولى الاعتبار لمصالح الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء على مستوى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو المحاكم أو الهيئات التشريعية. وجاءت المادة الرابعة لتؤكّد ضرورة التزام الدول باتخاذ كل التدابير التشريعية والإدارية لإعمال حقوق الطفل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تقدم الحكومات أقصى المتاح من مواردها لأجل هذه الأغراض. من هنا كانت أهمية وجود قانون خاص بالطفل بدل تلك المواد المُتناثرة في مختلف القوانين والتشريعات السورية، ومن هنا تنبع أهمية صدور القانون 21 الذي طال انتظاره. وإذا ما ألقينا نظرة على بعض مواده سنجد أننا أمام قانون لا شكّ إيجابي في العديد من المواد التي تولي المصلحة الفضلى للطفل أهمية خاصة في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة به، أيّاً كانت الجهة التي تصدرها أو تقوم بها كما نصت المادة 2 منه. وتعني هذه المصلحة اتخاذ أصلح الحلول للطفل بهدف حمايته وبقائه ونموه وتربيته وتعليمه ورعايته، بما يحقق الأنسب له على المستوى البدني والنفسي والاجتماعي والاقتصادي. وكذلك هناك العديد من المواد المُتعلّقة بحق الحياة والنسب والجنسية والتعليم والحق في التعبير عن الرأي في القضايا التي تخصه وغيرها الكثير من المواد الأخرى التي تؤكّد على مختلف حقوق الطفل المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، لكن مع الاحتفاظ بالخصوصية المحلية والمجتمعية والشرعية، فقد لفت انتباهي بعض المواد المُرفقة بعبارة (وفق قانون الأحوال الشخصية) وهي التالية:

المادة 20_ لكل طفل حق الرضاع على والدته المتمتعة بالأهلية الصحية، وفق قوانين الأحوال الشخصية.

المادة 44_ الفقرة 4: الحفاظ على نسب الطفل وفق الحقوق الشرعية.

لكن ما تركني في حالة تساؤل هو الفقرة 5 من هذه المادة، التي تنص على أن تُراعى المَحرمية عند اختيار أحد أشكال الرعاية البديلة. وهنا نحن أمام معضلة جديدة توضع أثناء اختيار الرعاية البديلة لأطفال فقدوا أسرهم بسبب تبعات الحرب أو سواها. وعليه لا يمكن وفق هذه الفقرة أن يقوم بتلك الرعاية من هم خارج المحارم الذين حدَّدهم قانون الأحوال الشخصية، وفي هذا حرمان للطفل من رعاية غير محرمية يمكن أن توفر له كل أسباب الرعاية والحماية والحياة الطبيعية في زمن ابتعد الكثير من الأجداد والأعمام أو الأخوال عن أحفادهم إمّا لضيق ذات اليد، أو لخلافات بين أفراد العائلة المطلوب منها رعاية أولئك الأطفال، ووالدة الطفل التي ربما ارتأت الزواج ثانية أو لعدم قدرتها على تلبية احتياجات أطفالها في زمن فاحش الغلاء وانعدام فرص العمل.

بالمقابل تنص المادة 15 على:

‌أ- لكل من الجنين وأمه حقُّ الحصول على الرعاية الصحية والتغذية الملائمة.

‌ب- لكل طفل حق العيش في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة.

‌ج- لكل طفل الحق في تعويض عائلي وفق القوانين.

‌د- لكل طفل حق على الوالدين والمجتمع والدولة في الحضانة والحماية والتربية والرعاية.

فإذا ما نظرنا إلى واقع غالبية الأُسر السورية اليوم انطلاقاً من الواقع القائم مادياً واقتصادياً واجتماعياً، نجد أن الحصول على الرعاية الصحية والتغذية الملائمة بات حلماً عصيّ المنال على غالبية هذه الأُسر بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية من جهة، وبسبب الإنجاب المستمر وبلا ضوابط بما لا يدع إمكانية لتلك الرعاية والتغذية من جهة ثانية. كذلك حق الطفل العيش في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة بات عسيراً اليوم في ظلّ تبعات الحرب المجنونة. لكن الأكثر دهشة من كل هذا هو حق الطفل في تعويض عائلي وفق القوانين المعمول بها، تعويض لا يمكنه اليوم شراء قطعة بسكويت واحدة لطفل، فكيف سيكون الأمر مع واقع مرير يفرض نفسه بجبروت على الأسرة السورية في ظلّ الرواتب والأجور التي لم تعد تكفي لأيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. وهنا هل من قيمة تُذكر لهذا التعويض المنصوص عنه مهما بلغت قيمته؟ وهل حقيقة يقوم الوالدان والمجتمع والدولة على حضانة هذا الطفل وتربيته ورعايته في ظلّ هذا الواقع على أكمل وجه؟ أسئلة نضعها برسم المعنيين بتطبيق القانون الجديد.

لكن أسئلتنا لم تنتهِ بعد، فقد لفت انتباهي أيضاً وحين التركيز على الرضاعة الطبيعية في هذا القانون هو المادة 21 التي تنص على: تعمل الدولة على توعية الأمهات وتشجيعهن على الرضاعة الطبيعية، وعلى استخدام الأغذية الطبيعية لتغذية الطفل، واتباع الطرق السليمة لهذه التغذية.

أما المادة 22 فتنص على: يحظر الترويج والإعلان بأشكاله كافة عن حليب الطفل وأغذيته الاصطناعية كبديل أفضل عن الرضاعة الطبيعية.

في هاتين المادتين أيضاً تجاهل تام للواقع المعيشي والتجاري، فلا الأم بقادرة على تأمين غذائها الضروري لإنتاج حليب طبيعي للطفل، ولا تأمين تغذية طبيعية له وفق الأسعار المحلّقة أبداً.. أما بما يخص حظر الترويج والإعلان عن حليب الأطفال، فإن وسائل إعلامنا بكل أنواعها تحفل بالكثير من تلك الإعلانات عن حليب الأطفال بمختلف أنواعه وأصنافه. ولم نلمس يوماً أيّ حظر على تلك الإعلانات.

أما المواد المتعلقة بعمل وعمالة الأطفال التي تحظر تشغيل الأطفال ما دون الخامسة عشرة من العمر في حين أننا ويومياً نرى أطفالاً بعمر الورود يقومون بالعديد من الأعمال التي لا تتناسب وبنيتهم النفسية والجسدية وعلى مرأى من الجميع دون حسيب أو رقيب، وبعيداً جداً عن كل ما جاء في فصل عمل الأطفال من حيث الحماية الصحية والقانونية وسواها.

كذلك تلك المتعلقة بالتعليم وضرورة توفيره بكل السبل والإمكانات المتاحة، إضافة إلى ضرورة تقيّد الجهات العامة والأسرة بإلزامية التعليم حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، في الوقت الذي ترتفع فيه نسب الأمية بين الأطفال مثلما ترتفع نسب التسرّب المدرسي وأيضاً بلا حسيب أو رقيب إلاّ فيما عملت عليه اليونيسيف مع وزارة التربية من حيث تشميل المتسربين بالفئة/ب/ والتي شعارها (عامين بعام)، لكنها لليوم وبعد مرور أكثر من خمس سنوات لم تتمكّن من خفض نسب التسرّب المدرسي.

وتساؤل أخير برسم المسؤولين ومشرّعي القانون عمّا جاء في المادة 62 التي تنص على:

تؤول الغرامات الناجمة عن تطبيق أحكام هذا القانون إلى الخزينة العامة للدولة. لماذا لا تؤول هذه الغرامات إلى دور رعاية الأيتام أو إلى الإصلاحيات التي تفتقد لأدنى مقومات الرعاية الجيدة للأحداث الذين يودعون فيها؟

إن قانون حقوق الطفل الصادر حديثاً، لم يُشر للكثير من القضايا والإشكاليات الناجمة عن الحرب والتي كان الأطفال ضحيتها كعدم إثبات النسب أو التسجيل في السجلات العامة، أو حق الأم في الوصاية على الطفل بغياب الأب الذي اغتالته الحرب أو الهجرة والنزوح، وغيره الكثير من المسائل التي كان من الواجب التطرّق أو العمل عليها لها بعد طول الانتظار لمثل هذا القانون.

حقوق الطفل

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015