كفاح زعتري/ ayyamsyria- يكتسب الزواج العُرفي صفةً قانونية شريطة أن يتم تثبيته في الدوائر القضائية المختصة، وهذا يتوقّف على إقرار الزوج بالعقد وبالحقوق المُدَّعى بها، أما بحال الإنكار، فهذا يعني إنكارٌ لكامل آثار الزواج، كالدخول، والمهر، والحمل، أو النسب.
يُعتبر الزواج المبكّر حالة شائعة في المجتمع السوري، حيث تزدحم المحاكم الشرعية بدعاوى تثبيت الزواج والنسب، بسبب لجوء البعض إلى الزواج العُرفي الذي يتم ببساطة ودون ثبوتيات ودون إجراءات قانونية. وربما هذا هو السبب الأهم للتخلّص من بعض الشروط كـ (موافقة شعبة التجنيد، الزواج الثاني، عدم تحقق شرط السن المحدّد قانوناً للزواج، قلّة الوعي، عدم موافقة الولي.. وغيرها). ومحاولة تجاوز هذه الشروط، هو ما يجعل بعض الأسر تكتفي بعقد عُرفي يتم بمعرفة إثنين من الشهود، لتخطّي الإجراءات الرسمية للزواج.
تعريف الزواج
يعرّف الزواج شرعاً: بأنه عقدٌ يفيد حل استمتاع رجل بامرأة لم يمنع من العقد عليها مانع شرعي. ويكون شفهياً أو خطياً.
بينما قانوناً، فهو عقدٌ بين رجل وامرأة تحلُّ له شرعاً، غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل، ويشترط مجموعة من الأوراق وطريقة محدّدة له (معاملة زواج، شهادة المختار، قيد مدني، …..) يُنظّم بمعرفة القاضي الشرعي وموافقته.
عقد الزواج العُرفي
كان الزواج العُرفي سائداً قبل إحداث سجلات الأحوال المدنية، وتسميته بالعُرفي طارئة لتمييزه عن الرسمي المستحدث للتوثيق وحفظ حقوق الزوجين وعدم ضياع النسب.
تدل التسمية على أن هذا العقد اكتسب مسماه من كونه عُرفاً اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم منذ عهد الرسول عليه السلام وصحابته الكرام، وما بعد ذلك من مراحل متعاقبة، فلم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يكن ذلك يعني بالنسبة إليهم أي حرج، بل اطمأنت نفوسهم إليه. فصار عُرفاً عُرِف بالشرع، وأقرّهم عليه، ولم يردَّه في أي وقتٍ من الأوقات.
يُعتبر هذا الزواج شرعياً، ومنتجاً لآثار قانونية، بمعنى يثبُت به النسب وحقّ الزوجة بالمهر والنفقة، وتترتب العدّة بحالة الطلاق أو الوفاة.
أهم محاذيره
يكتسب الزواج العُرفي صفة قانونية شريطة أن يتم تثبيته بالدوائر القضائية المختصة، وهذا يتوقّف على إقرار الزوج بالعقد وبالحقوق المدَّعى بها، أما بحال الإنكار أو غياب الزوج أو فقدان العقد، أو وفاة الشهود أو فقد الاتصال معهم، فيجب الإثبات، والإثبات لا يكون إلا بالشهادة أو اليمين حسب الحالة المعروضة.
وكما هو معلوم إنكار الزواج، يعني إنكارٌ لكامل آثاره كالدخول، والمهر، والحمل، والنسب.
توثيق الزواج
توثيق عقد الزواج لدى مأذون شرعي وتدوين العقد بسجلات خاصة، نظامٌ فرضته القوانين حفظاً للحقوق. وهو إجراءٌ لابدّ منه بوقتٍ تباعدت المسافات واتسعت المدن واختلفت طبائع البشر، فهو أحد سمات الدول الحديثة. إن تغييبه أو تجاوزه يشكّل العودة إلى الحياة البدائية، وتلك النظم لم تعد صالحةً بالوقت الراهن.
الحال السورية وعقود الزواج
إن بساطة العقد العُرفي لإجراء الزواج، شجّع الكثير من الآباء على تزويج بناتهم الصغيرات، هرباً من الفقر أو من ظروف النزوح أو الخوف من التحرّش أو…، أسبابٌ عدة نشأت بظل ظروفٍ قاسية تعيشها العائلة السورية التي هربت من الموت لتلتقي ظروفاً أحياناً هي أمرُّ من الموت.
وبظلّ الظروف الراهنة، من انقسام البلد بين مناطق تحت سلطة المعارضة وأخرى تحت سلطة النظام، وثالثة تحت سلطة منظمات جهادية، ورابعة تحت سلطة الإدارة الذاتية، وبظلّ اللجوء والنزوح داخل البلد وخارجه… وحيث أنّ النساء والأطفال في مثل هذه الظروف، يكونان الطرف الأضعف، لذا تزداد المشاكل التي تتعرّض لها المرأة، وخاصةً حين يتم الزواج بعقد عُرفي، وبأحسن الأحوال يُكتَب على ورقة عادية.
حالة التهجير واللجوء إلى دول الجوار والإقامة بمخيمات اللجوء وما يرافق ذلك من فقرٍ وفاقة ويُتم واحتياجات على كل الأصعدة، ساهمت بانتشار مسألة زواج الصغيرات وتعدّد الزوجات، دون مراعاة للطفولة والحقوق والكفاءة.
بات الزواج هو المنقذ دون رؤية ما ينتج من تبعات، فالمحسن العطوف يتزوّج لأسابيع أو لبضعة أيام، ويتخلّى عن (الزوجة) بكل بساطة، بكلمةٍ يتحرّر من التزامه الإنساني والأخلاقي والشرعي والقانوني، لتبقى مسألة الأنساب دون ضابط وتبقى المرأة الصغيرة تلك بحالة التشرّد والضياع من جديد، لتدخل سوق نخاسة بإطارٍ شرعي أو غير شرعي هذه المرة.
الآثار القانونية للزواج العُرفي
بلا شك العقد العُرفي بحال حقّق الشروط الشرعية (إيجاب وقبول وشاهدا عدل، مع اتفاق على المهر) يُعتبر عقداً شرعياً وتترتب عليه جميع الحقوق الشرعية من مهر ونفقة ونسب …إلخ.
إلا أن الواقع مختلف، لم نعد نعيش بمدينة صغيرة، رقعة جغرافية محدودة يقطنها بضع آلاف من البشر أو أقل، تغيّرت الأخلاقيات الناظمة لسلوك البشر وتدنّت القيم، كما تباعدت المسافات وسهل التواصل، وتشعّبت العلاقات إلى الحد الذي أصبحت تلك الورقة التي تُسمى عقد عُرفي ضعيفة الأثر وضعيفة القيمة.
حيث اضطررنا للإقامة بدولٍ مختلفة من حيث الأنظمة والقوانين بالوقت الذي لا تزال ارتباطاتنا القانونية ببلدنا (أملاك منقولة وغير منقولة، رواتب، عائلة..). أصبح من الصعوبة بمكان الحفاظ على الحقوق الناشئة عن عقد الزواج المؤيَّد فقط بشاهدين، بدولة بعيدة، وربما من جنسيات مختلفة.
هذا يعرّض المرأة لعدة مشاكل.. إثبات نسب الطفل الناتج عن هكذا زواج، المولود في تركيا مثلاً لا يوجد مرجع سوري معتَرَف به، سوى سجلات القنصلية السورية في استانبول. والطفل المولود لأب سوري ولم يسجّل بسجلات الأحوال المدنية السورية، لن يكون مواطناً سورياً، يحمل الجنسية والهوية السورية.
وأما لإثبات النسب فلا بد من دعوى قضائية تقدّم أمام المحاكم السورية بموضوع تثبيت زواج ونسب، وهذه تحتاج للإثبات، ليبقى العقد العُرفي دون أي قيمة قانونية بذاته.
ويتعقّد الوضع بحال إتلاف العقد أو طلاق الزوجة وإنكار الزواج، وإن كنّا نواجه تلك الحالات بمحاكمنا الشرعية بالمرحلة السابقة، إلا أنّ الوضع الآن بات حالة شائعة وتُنذر بأزمة هوية وأزمة أخلاقية وإنسانية.
ولعل الأفضل بالوضع الراهن لحفظ الحقوق، أن تنظّم عقود الزواج بالدوائر المختصة بالبلد المُضيف وفق أنظمة تلك الدولة، بهذه الحالة تطبّق قوانين بلد العقد، تكون المحاكم المختصة بحال الخلاف هي محكمة بلد العقد. هذا الإجراء يكفل، عند تغيّر الظروف، تثبيت نسب الأطفال بالدولة السورية وحصولهم على الهوية السورية بصفتهم مواطنين سوريين.
دور المنظمات النسوية
إنّ المنظمات النسوية بعيدةٌ نوعاً ما عن العمل الميداني، مما يُضعف فاعليتها، وحيث يقتصر عملها بالغالب على نشاطات فيسبوكية، أو حملة مناصرة أو اعتصام. وإن كانت هذه النشاطات مهمّة، إلا أن حاجة المرأة السورية في هذه الظروف أكبر من هذه الأنشطة، فالمرأة بحاجة لعمل ميداني بالتنسيق والتعاون مع منظمات المجتمع المدني الحقوقية منها والإغاثية، كذا مع منظمات المجتمع المدني في البلد المُضيف؛ لتعرّف مواطنيها بما يُرتكب على أرضها من انتهاكات لحقوق الإنسان.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.