وحدة الرصد والمتابعة في مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا”- ساهمت المرأة السورية إعلامياً بفاعلية كبيرة مع اندلاع الانتفاضة وفي مراحلها السلمية برز دورها بشكل أكبر ولكن انتقال الانتفاضة إلى العمل المسلح أدى إلى غياب المرأة عن الساحة الإعلامية بعض الشيء واقتصر دورها في البداية على بعض النشاط الإعلامي البسيط ليعود أكثر فاعلية مع انتشار الوسائل الإعلامية المحلية واتساع رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، من ثم استطاعت المرأة أن تسجّل حضوراً واضحاً في المؤسسات الإعلامية معظمها، وعملت في الأماكن كلها، من مراسلة صحافية على أرض الميدان إلى محرّرة ومقدّمة ومعدّة، وفي مجالات العمل الإعلامي كافة الأمر الذي هيأ في ما بعد لعددٍ من النساء والناشطات الإعلاميات نيل الجوائز المحلية والعالمية في الصحافة والإعلام.
1- الوجود النسائي في الإعلام قبل الأزمة وبعدها
كانت المرأة السورية حاضرة في المشهد الإعلامي قبل الانتفاضة وذلك في المؤسسات الإعلامية معظمها، وكان لوجودها أثر واضح في المشهد الإعلامي في سوريا في عهد النظام على الرغم من المعوقات الكثيرة التي كانت دائماً تقف حائلاً بينها وبين ظهورها إعلامية متخصصة وقادرة على نقل الواقع النسائي وتطويره إعلامياً بوتيرة جيدة وعلى الرغم من ذلك برز عدد من الإعلاميات السوريات.
خالد خليل وهو صحافي سوري يعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية المحسوبة على المعارضة، بعد تركه لعمله السابق بوصفه رئيس تحرير أخبار في الفضائية السورية، تحدّث عن واقع المرأة إعلامياً في ظل الأزمة السورية والدور البارز الذي أدّته المرأة في المشهد الإعلامي لا سيما في المرحلة السلمية في مجال الإعلام المحلي أو ما يُعرَفُ بـ “المواطن الصحفي”.
ويقول خالد:” إن حضور المرأة في الإعلام السوري قبل الانتفاضة كان حضوراً تناسب مع طبيعة الإعلام لذا كان وجوداً شكلياً، خالياً من التأثير درجة التلاشي ثم مع انطلاق الانتفاضة وانفتاح فضاءات أوسع، أخذت المرأة السورية دورها في ميادين عدة، وبزر نشاطها الإعلامي، في أوضاع خطرة أثناء تصوير التظاهرات التي كان النظام يقمعها بالرصاص الحي، علاوةً على التواصل والظهور على الشاشات لنقل الأحداث، الأمر الذي يدل على إحساسٍ عالٍ بالمسؤولية والانتماء إلى جوهر هذه المهنة الصعبة. والمتابع اليوم لوسائل الإعلام المناهض للنظام يرى بوضوح حجم دور المرأة في صناعة محتوى هذا الإعلام، وهناك عشرات من الصحافيات في غرف الأخبار ومراسلات من أرض الميدان في ظل عدم وجود إحصاءاتٍ دقيقة، بين نسبة وجود المرأة في الإعلام قبل الأزمة وبعدها، من جهة ونسبتها في إعلام النظام أو إعلام المعارضة من جهة أخرى، إلا أن وجود المرأة الإعلامية خارج الوسائل الإعلامية التي يموّلها النظام كان وجوداً نوعياً، أحدث فرقاً إيجابياً، وأضفى واقعيةً أكثر بوصفه إعلاماً يتحدّث باسم الناس قريباً منهم.”
2- تغيّر الصورة النمطية لعمل المرأة في الإعلام
يستطيع الإعلام أن يمارس دوراً إيجابياً في تحسين صورة المجتمع وإعطاء دور للمرأة من خلال مشاركتها المباشرة وتعبيرها عن واقعها النسائي بوصفها جزءاً من المجتمع، ويفسح المجال أمام تثبيت الصورة الإيجابية وتجسيدها -وذلك من خلال إفراز نماذج من النساء يُقتدى بهنّ- صورةً مختلفة عن الصورة التي كانت راسخة عن المرأة في الإعلام التي تهتم فقط ببرامج الفن والموضة والطبخ.
وعلى الرغم من تفوّق المرأة على الرجل في طرح قضايا ذات طابع إنساني، فهناك عددٌ من السلبيات التي ما زالت تواجهها مثل الظنّ الراسخ بأن المرأة تهدف من خلال الإعلام إلى إبراز مفاتنها، إضافةً إلى تكريس صورة المرأة الضحية أكثر من التركيز على قدرتها على تحقيق إنجازات.
ويرى إبراهيم إسماعيل، وهو إعلامي وناشط مدني، بأنّ المرأة السورية استطاعت إثبات وجودها في الوسط الإعلامي في الأزمة من خلال مشاركتها في توثيق التظاهرات والجرائم المرتكبة بحقّ المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، واستطاعت أن تكون واجهةً لبعض المحطات الإعلامية وتُبرز نشاطاتها وتنقل أهم الأحداث التي كانت تجري في محيطها الاجتماعي.
ومن أكثر الأمثلة في وسطنا الإعلامي كانت الناشطة سمارة القوتلي مراسلة قناة الجزيرة الإخبارية التي استطاعت أن تثبت وجودها ومهاراتها في العمل بجدٍ في نقل الواقع السوري في الغوطة الشرقية على الرغم من الأوضاع والتحدّيات العصيبة التي كانت تمرّ بها، وانتقلت بعدها إلى الدوحة في قطر لتكمل مسيرتها الإعلامية في قناة الجزيرة مراسلةً ميدانية، وأصدرت كتاباً تحدّثت فيه عن تجربتها الصحافية في سوريا.
وهو ما يعتبره إبراهيم إنجازاً كبيراً للمرأة بعد أن أعطيت مساحة من حرية التعبير بعد عقودٍ من الدكتاتورية في سوريا، وقد استفادت المرأة السورية من هذا الانفتاح وأخذت دورها في الإعلام البديل، وساهم هذا الواقع في إبراز قضايا المرأة وإعطائها جانباً مهماً ومساحة كبيرة في الصحف السورية الجديدة التي ولدت مع الانتفاضة. فكانت المرأة السورية وحقوقها وتجاربها ودورها ومعاناتها موضع المناقشة في عددٍ كبير من المقالات والتقارير الصحافية، ومن أبرز المجلات والجرائد المختصة بالشأن النسائي، مجلة ياسمين سوريا وسيدة سوريا ومزايا.
3- إعلاميات سوريات يحصدن جوائز عالمية
تعدّى إبداع الإعلاميات السوريات الوسط المحلي السوري ليأخذ انتشاراً واسعاً لما كان لهذه التجربة الإعلامية الحرة التي خاضتها المرأة السورية من أهمية وتميّز، فكانت النتيجة جوائز عالمية حصدتها السوريات كـ(زينة ارحيّم) التي حصلت على جائزتين عالميتين خلال عام 2015، تقديرًا لعملها الصحافي وشجاعتها في تدريب كوادر شابة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وعلى أساس سلوكها وشجاعتها وقدرتها على التركيز على البعد الإنساني في الحرب، مع أن المناطق التي مارست فيها نشاطها كانت من أكثر المناطق صعوبةً للعمل بالنسبة إلى الصحافيين، وتمكّنت من تدريب قرابة 100 مواطن صحافي داخل سوريا، ثلثهم من النساء، على أساسيات الصحافة المكتوبة والمرئية، وساعدت في تأسيس صحفٍ ومجلات مستقلة في الشمال السوري.
ونالت الكاتبة والناشطة الإعلامية سمر يزبك جائزة توخولسكي لعام 2012، ومنحها نادي القلم السوري. وجاء في بيانٍ صحفي أصدره النادي أنّ الكاتبة تنتمي إلى الفئة التي وضعت الحقيقة قبل السلامة الشخصية، وقد مُنِحت الجائزة لقاء تقاريرها عن الانتفاضة السورية، ونصوصها الممتلئة بالشجاعة والمعاناة دفاعًا عن كرامة المواطنين العالقين في خضم الأزمة. وفي تشرين الثاني 2012، فازت يزبك بجائزة بنتر الدولية للشجاعة الأدبية للكتاب التي يمنحها نادي القلم الدولي سنوياً.
وهناك كثيرٌ من الناشطات والإعلاميات السوريات اللواتي تمكّنّ من نيل جوائز محلية ودولية، مكافئةً على الجهد الكبير والإبداعات المميّزة التي استطعن أن يحقّقنها على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تحيط بواقعهنّ المعيش في سوريا وفي بلدان اللجوء.
خاتمة
ما زالت المرأة السورية حاضرة في المشهد الإعلامي بقوة ولا سيما في المؤسسات الإعلامية المعارضة، وتمكّنت عبر نشاطها المتواصل في السنوات الأخيرة من تحقيق تقدّم وتطوّر ملحوظ على صعيد العمل الشخصي، في حين أن كثيراً من النساء والناشطات الإعلاميات يعانين أوضاعاً صعبة سواء في الداخل حيث متغيّرات الحرب والاضطهاد والمعوقات الكثيرة التي تواجه العاملين في المجال الإعلامي عموماً والمرأة خصوصاً، أو في بلدان اللجوء. وما زالت المرأة بحاجةٍ كبيرة وماسّة إلى سبك تجربتها الإعلامية وإعطائها الفرصة الكبرى ومنحها متسعاً من الوقت وتوجيه الجهد نحو تهيئة البيئة الملائمة للناشطات الإعلاميات وتلبية حاجاتهنّ من أجل تحقيق المشاركة النسائية المطلوبة والمبنية على أسسٍ من المهنية والخبرة، ويجب على المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني أن تولي المرأة والناشطة الإعلامية مزيداً من الرعاية من خلال تأمين متطلبات العمل الإعلامي وتأمين فرص العمل الملائمة وإقامة دورات إعلامية مستمرة من أجل تهيئة الناشطات الإعلاميات وإعدادهنّ بما يفي متطلبات العمل الإعلامي في المجالات كافة.