الأردن – ما زال فعل القتل يترك أثراً نفسيا مخيفاً لمجرد سماعه، وفي الأشهر الأولى من هذا العام ضجّت الصحف ووسائل الإعلام الأردنية المختلفة بالعديد من جرائم قتل النساء المتتابعة، باسم “الشرف” في مناطق متعددة.
المؤسسات المدنية تطالب بشكل دائم بإعادة دراسة قانون العقوبات ومواده التي يلجأ لها الجاني للتخفيف من عقوبته، في ظل تزايد المخاوف من أن يصبح القتل “باسم الشرف” ظاهرة. فالإحصاءات غير مبشرة وتمنح مؤشرات يجب دراستها من قبل المختصين. فهل الخلل يكمن في تطبيق القانون أم أن هنالك مدخلات مجتمعية جديدة أدت الى ازدياد هذا النوع من القتل.
تعتقد المهندسة علا نصر أن الخلل يكمن في تطبيق القانون، وأنه لو كانت هناك عقوبات رادعة للجاني الذي قتل أخته أو زوجته أو أي امرأة أخرى، لتوقف الجاني قليلاً ليفكر مرتين قبل أن يقدم على هذا الفعل. فعقوبة الإعدام هي الأنسب لأي شخص يقوم بفعل القتل. تقول نصر: “أصبحنا نسمع كثيراً بجرائم قتل الشرف، وكلنا نعرف أن الجاني لا يأخذ العقوبة المناسبة ولهذا فإن عدد الجناة سيزداد، وعند المحاكم يتم إسقاط الحق الشخصي ويتم تخفيف العقوبة بدون شك”.
أما هالة داودية، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة، فتجد أن القيام بقتل المرأة لمجرد الشك فيها، هو الظلم بعينه، متسائلة: “كيف يقتلون دون أن يخافوا من الله عز وجل أو من القانون؟.. معظم الجناة هم من الأهل، خاصة الأخ إذا شك بأخته يقتلها بدم بارد دون أن يسألها ويستفسر منها. وفي كل شهر نجد جريمة جديدة ولن تتوقف هذه الجرائم إلا إذا تغير القانون الذي يحمي الجناة”.
أدوات مختلفة
ويبين المدير التنفيذي لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، منير إدعيبس من خلال متابعة الجمعية لوسائل الإعلام المختلفة، أن الأردن شهدت خلال الثلث الأول من عام 2016، وقوع 12 جريمة قتل بحق نساء وفتيات، حيث شهد شهر يناير/ كانون ثاني أربع جرائم قتل، وشهر فبراير/ شباط ثلاث جرائم قتل، ولم يشهد شهر مارس/ آذار أية جريمة قتل، فيما شهد شهر أبريل/ نيسان خمس جرائم قتل وشروع بجريمة قتل.
ويضيف إدعيبس لـ”العين”: “بعد دراسة هذه الجرائم تبين أن خمسا من هذه الجرائم قد ترتكبت رمياً بالرصاص، و4 طعناً بآداة حادة، و2 بالحرق وواحدة بالضرب الشديد المفضي للموت. وفيما يتعلق بجنسية المجني عليهن كانت هنالك عاملة وافدة أسيوية وسورية واحدة وعشر أردنيات. وفي الوقت الذي لم تحدد فيه هوية الجناة لخمس جرائم. فقد تبين بأن الأزواج ارتكبوا ثلاث جرائم والأقارب ارتكبوا جريمتين، فيما ارتكب الأخ والعم جريمة لكل منهما.
ويردف قائلاً: “فينبغي للتشريعات أن تعرّف بصورة موسعة ما يسمى بجرائم “الشرف” بما يشمل المجموعة الكاملة لأشكال التمييز والعنف المرتكبة بذريعة “الشرف” ضد النساء والفتيات للسيطرة على خياراتهن في الحياة وتحركاتهن، وأن تكثف الجهات الحكومية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني وصانعي القرار ورجال الدين ووجهاء العشائر جهودها المبذولة لمنع ارتكاب جرائم “الشرف” بشكل خاص وجرائم قتل النساء والفتيات والطفلات بشكل عام. وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب باتخاذ إجراءات إدارية وقانونية وتعديلات تشريعية عند الضرورة، والعمل على زيادة الوعي المجتمعي وتغيير الصور والسلوكيات النمطية حول النساء.
أسباب القتل
الاستشاري النفسي والتربوي، الدكتور موسى مطارنة، يجد أن وقوع 12 جريمة قتل باسم الشرف خلال الثلث الأول من عام 2016، مؤشر خطير وينمّ عن تدهور البنية المجتمعية والأخلاقية للمجتمع الأردني، مؤكدا أن القتل فعل مرفوض دينياً واجتماعياً، ويقول: “وصولنا لهذا الرقم يحتاج الى وقفة من جميع مؤسسات المجتمع حتى لا ينتشر الأمر ويصبح ظاهرة، فقد تغير المجتمع ودخلت عليه مجموعة من العوامل أثرت بشكل كبير على الضابط الذاتي للأفراد، ومن أهمها وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري يحملون ثقافات متنوعة ومختلفة نوعا ما عن الشعب الأردني، أيضاً لا يمكن تجاهل عامل العولمة والتكنولوجيا وثقافة الدراما التي اجتاحت منازلنا دون استئذان”.
ويضيف: “ازداد العنف بشكل ملحوظ بجميع أشكاله، وبسبب خوف المرأة من الشكوى ومعرفتها أن القانون لا يحميها ولا يؤمّن لها الرعاية فإنها تفضل الصمت، ونتيجة عدم تفعيل القانون تطور العنف إلى القتل. إذ لا يوجد عقوبات رادعة وبجرائم القتل فإن الجاني بالغالب يتهرب من العقوبة بحجة الغضب، ويلجأ للمادة (98) من قانون العقوبات التي تنص على: “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد، ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”. ومعظم حالات القتل في جرائم الشرف تحدث كردة فعل لحوادث الاغتصاب والحمل غير الشرعي، والحرمان من الميراث، والتغيب عن المنزل، والاختلاط بالرجال الغرباء”.
إعادة مراجعة قانون العقوبات
المحامي إياس حداد، يجد أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تطبيق عقوبة رادعة ضد من يقوم بفعل القتل، لافتا إلى أن معظم الجناة يلجؤون للمادة 98 وأيضاً المادة 99 التي من خلالها يتم إسقاط الحق الشخصي، وبالتالي التخفيف من العقوبة. فإذا كان الجاني يستحق عقوبة الإعدام تندرج عقوبته تحت السجن لعدة سنوات. وطالب بوضع معايير محددة فيما يخص صورة الغضب. ويقول: “من هنا أجد أن من المهم إعادة دراسة هاتين المادتين للمحافظة على المجتمع وبنيته. وهناك مطالبات من قبل مؤسسات المجتمع المدني بشكل مستمر لإعادة مراجعة هذه المواد. فقد أظهرت دراسة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة أن (إسقاط الحق الشخصي) يبقى العامل الأكثر تأثيرا في تخفيف العقوبات في جرائم الشرف، حيث إن 70% من الجناة في جرائم الشرف لم يستفيدوا من العذر المخفف المدرج في المادة 98 من قانون العقوبات، لكن 78% استفادوا من إسقاط الحق الشخصي”.
وتبين الدراسة أن 69% من جرائم “الشرف” كانت ترتكب على يد الشقيق، وأن 70% من الجناة لم يستفيدوا من العذر المخفف، و56% من الضحايا ضمن الفئة العمرية 18-28، وهي الفئة العمرية نفسها التي ينتمي إليها 45% من الجناة.
وبالنسبة للحالة الاجتماعية للضحايا، أوضحت النتائج أن 42% منهن عازبات، و42% متزوجات، بينما توزعت البقية ما بين أرامل ومطلقات، في حين أن 56% من الجناة كانوا متزوجين، و56% منهم عمال، ما يشير إلى انخفاض مستواهم التعليمي. وتمثلت أدوات ارتكابهم للجريمة تمثلت باستخدام الأسلحة النارية أو الأدوات الحادّة.
مقتل 12 امرأة وفتاة منذ بداية 2016
وقد رصدت جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” وقوع 12 جريمة قتل بحق نساء وفتيات خلال الثلث الأول من عام 2016، حيث شهد شهر كانون ثاني أربع جرائم قتل، وشهر شباط ثلاث جرائم قتل، فيما شهد شهر نيسان خمس جرائم قتل وشروع بجريمة قتل.
وأشارت “تضامن” بحسب بيان لها عبر صفحتها بـ”فيسبوك”الى أن خمس جرائم أرتكبت رمياً بالرصاص، و4 طعناً بآداة حادة، و2 بالحرق وواحدة بالضرب الشديد المفضي للموت.
وفيما يتعلق بجنسية المجني عليهن كانت هنالك عاملة وافدة أسيوية وسورية واحدة وعشر أردنيات. وفي الوقت الذي لم تحدد فيه هوية الجناة لخمس جرائم، فقد تبين بأن الأزواج إرتكبوا ثلاثة جرائم والأقارب إرتكبوا جريمتان، فيما إرتكب الأخ والعم جريمة لكل منهما.
فخلال شهر كانون ثاني تم العثور على جثة عاملة وافدة محترقة بإحدى شوارع منطقة سحاب، وأن الجثة مصابة بحروق تفحمية في الجزء العلوي.
كما تم العثور على جثة سيدة ستينية في منطقة أم البساتين تعرضت للطعن أربع مرات في منطقة الرأس، وتبين بأن الجاني هو حدث من أحد أقربائها من الدرجة الثانية. وتم العثور على جثة فتاة متفحمة في منطقة وادي شعيب بمحافظة السلط ملقاة على جانب أحد ينابيع المياة الواقعة في المنطقة. وفي منطقة الغويرية بمحافظة الزرقاء قتلت سيدة ثلاثينية رمياً بالرصاص داخل منزلها حيث وجدتها إبنتها جثة هامدة لدى عودتها من المدرسة.
وخلال شهر شباط أقدم زوج ستيني على قتل زوجته الخمسينية بالرصاص ومن ثم إنتحر داخل منزلهما بمنطقة حي نزال بالعاصمة عمان، حيث كان الزوج يعاني من إضطرابات نفسية وزوجته مصابة بمرض السرطان. وتوفيت فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً إثر تعرضها لرصاصة في الصدر بمنطقة الرمثا شمال الأردن. وفي منطقة رجم الشامي بالقرب من سحاب أقدم زوج خمسيني على قتل زوجته الأربعينية رمياً بالرصاص وإصابة أولاده الثلاثة ومن ثم إنتحر.
وخلال شهر نيسان، قتلت طعناً بآداة حادة سيدة ستينية على يد أحد أقاربها بمنطقة الدوار السابع في العاصمة عمان. وفي منطقة الرويشد بالبادية الشمالية تم العثور على جثة شابة مصابة بعيار ناري. وتعرضت فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً لضرب شديد أدى الى وفاتها على يد شقيقها بمنطقة بيت راس شمال مدينة إربد. فيما أقدم زوج سوري في الأربعينيات من عمره على قتل زوجته السورية طعناً بسكين داخل منزلهما بمنطقة الرصيفة في محافظة الزرقاء، والزوجة في العقد الثالث من عمرها. وقتلت طالبة جامعية عمرها 19 عاماً طعناً على يد عمها البالغ 23 عاماً داخل حرم جامعة العلوم والتكنولوجيا في إربد.
وتشير ‘تضامن’ الى أن بعض هذه الجرائم قد تعود لأسباب لها علاقة بما يسمى ‘جرائم الشرف’ حيث أن التحقيقات لا زالت في بدايتها، وليس بالإمكان التأكد من نتيجتها وتكييفها القانوني. وتشكل قلة البيانات المتعلقة بالجرائم المرتكبة بذريعة ‘الشرف’ عائقاً جدياً أمام القائمين على وضع السياسات والتشريعات والإتفاقيات على الصعيدين المحلي والدولي ، كما يشكل عدم القدرة على الوصول و / أو إتاحة المعلومات والبيانات من السجلات الرسمية خاصة الجنائية منها عائقاً آخراً يضع جهود الحد من هذه الجرائم في مهب الريح.
من جهة ثانية تؤكد ‘تضامن’ على أهمية إتساع نطاق تغطية القوانين ليشمل الجرائم المرتكبة بذريعة ‘الشرف’ والجرائم المرتبطة بها ، فينبغي للتشريعات أن تعّرف بصورة موسعة ما يسمى بجرائم ‘الشرف’ بما يشمل المجموعة الكاملة لأشكال التمييز والعنف المرتكبة بذريعة ‘الشرف’ ضد النساء والفتيات للسيطرة على خياراتهن في الحياة وتحركاتهن.
أما الجرائم المرتبطة بما يسمى بجرائم ‘الشرف’ فينبغي للتشريعات أن تضع تعريفاً محدداً ومنفصلاً للجرائم التالية : إرتكاب وتسهيل ما يسمى بجرائم ‘الشرف’ والمساعدة على إرتكابها أو التغاضي عنها ، وتحريض القاصرين على إرتكاب ما يسمى جرائم ‘الشرف’ ، وتحريض النساء والفتيات على الإنتحار أو على إحراق أنفسهن بذريعة ‘الشرف’ ، والجرائم التي ترتكب بذريعة ‘الشرف’ وتصور على أنها حوادث.
وتضيف ‘تضامن’ بأن مجرد الشك بسلوك النساء والذي ثبت في الكثير من الحالات عدم صحته ، كافياً لإرتكاب جرائم القتل بحقهن.
هذا وقد شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة التاسعة والخمسين والتي عقدت بتاريخ 15أكتوبر 2004 وبالبند 98 تحديداً والذي جاء تحت عنوان “العمل من أجل القضاء على الجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات بذريعة ‘الشرف” ، على الحاجة لمعاملة جميع أشكال العنف المرتكب ضد النساء والفتيات بما فيها الجرائم المرتكبة بإسم الشرف بوصفها أعمالاً إجرامية يعاقب عليها القانون.
وتكرر ‘تضامن’ مطالبتها الجهات الحكومية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني وصانعي القرار ورجال الدين ووجهاء العشائر ، بتكثيف الجهود المبذولة لمنع إرتكاب جرائم ‘الشرف’ بشكل خاص وجرائم قتل النساء والفتيات والطفلات بشكل عام ، وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب بإتخاذ أجراءات إدارية وقانونية وتعديلات تشريعية عند الضرورة ، والعمل على زيادة الوعي المجتمعي وتغيير الصور والسلوكيات النمطية حول النساء ، ودعوة وسائل الإعلام المختلفة للقيام بتسليط الضوء على هكذا جرائم وعلى رفض المجتمع لها ، وإجراء دراسات وأبحاث معمقة تحدد أسباب ودوافع ونتائج إرتكاب جرائم ‘الشرف’ ، وتوفير الدعم النفسي والإجتماعي والمأوى للناجيات والضحايا المحتملات ، والتركيز على جمع المعلومات والإحصائيات لتحديد حجم المشكلة وضمان وضع الحلول المناسبة.