جريدة (الشرق الأوسط)- لن يكون صعود أول امرأة لرئاسة بلدية تونس مضموناً دون حصول توافق بين القوائم الفائزة في الانتخابات البلدية. وبحسب النتائج الرسمية التي أعلنتها هيئة الانتخابات، ليل الأربعاء، جاء حزب حركة النهضة الإسلامية في المركز الأول في بلدية تونس وحصد 21 مقعداً من بين 60 مقعداً، بينما حلّ حزب حركة «نداء تونس» العلماني في المركز الثاني بـ17 مقعداً. وتوزّعت باقي المقاعد بين الأحزاب المنافسة والمستقلين.
وبدأ التنافس يحتدم على رئاسة بلدية تونس العاصمة قبل إعلان النتائج الأولية للانتخابات التي جرت الأحد. ولن تتيح الأغلبية النسبية التي حازتها النهضة اعتلاء مرشحتها سعاد عبد الرحيم تلقائياً لرئاسة المجلس البلدي وهو منصبٌ يخضع لانتخاب الأعضاء، وبالتالي سيكون من الضروري الحصول على الأغلبية عبر التصويت وتحالفات داخل المجلس.
وتأمل حركة النهضة أن تحظى عبد الرحيم (53 عاماً) بشرف تمثيل المرأة للمرة الأولى في رئاسة بلدية تونس.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عنها قولها: آمل أن أنال شرف أن أكون أول امرأة تحظى بلقب «شيخ مدينة تونس». وهذا لن يكون إلا بعد أول جلسة للمجلس لانتخاب رئيس البلدية.
لكن حزب حركة «نداء تونس»، الذي لطالما قدّم نفسه مدافعاً عن حقوق المرأة، قدّم مرشحه كمال إيدير رئيس قائمته، للفوز بلقب شيخ مدينة تونس، وهو اللقب الذي تداوله رؤساء بلدية تونس منذ تأسيسها في منتصف القرن التاسع عشر.
ورغم أن الحزبين شريكان في التحالف الحكومي منذ عام 2014. فإنهما يتنافسان على المنصب الذي يحظى برمزيةٍ كونه يرتبط بأقدم بلديةٍ في البلاد.
وأمام 7212 مُستشاراً بلديّاً تمّ انتخابهم الأحد مهلة حتى يوليو (تموز) (المقبل) لانتخاب رؤساء 350 بلدية. وسيتولى رؤساء الأحزاب فضّ الخلافات والإبقاء على التوافق والتحالف الحاصل بين حزبي «النداء» و«النهضة» في البلاد منذ انتخابات 2014.
وقد تصبح عبد الرحيم أول امرأة تترأس بلدية تونس. وأكّدت سعاد عبد الرحيم (53 عاماً) عضو المكتب السياسي لحركة النهضة في تصريحٍ إذاعي الثلاثاء أن «الشعب انتخب امرأةً». وقالت: «أعتقد أن التوافقات (بين النهضة والنداء) لن تكون خارج دائرة إرادة الشعب».
من جهته يُدرّس كمال ايدير (66 عاما) الصيدلة في الجامعة التونسية وكان ترأس جمعية «النادي الأفريقي» أهم الأندية التونسية، كما أنه خبير دولي لدى البنك الدولي ولاعب كرة يد سابق وشغل منصب رئيس بلدية منطقة المنزه بالعاصمة تونس.
وعبّر عدد من المسؤولين في حزب «نداء تونس» عن رفضهم لتولي سعاد عبد الرحيم منصب رئيسة بلدية ومنهم فؤاد بوسلامة، الذي أقر بأنّ المرأة لا يمكن أن تكون رئيسة بلدية «لأننا لنا عاداتنا الإسلامية»، وهو ما رفضه حزب نداء تونس الذي قال في بيان الأربعاء إنّ تصريحات بوسلامة «لا تلزم سوى شخصه ولا تمثل الحزب».
وثلث الفائزين في المقاعد هم شبابٌ لا تتجاوز أعمارهم 35 عاما. كما أن النساء يُشكّلن 47.7 في المائة من العدد الإجمالي للفائزين. وشهدت الانتخابات البلدية إحجاماً عن الاقتراع خصوصاً من فئة الشباب.
وكانت الهيئة العليا للانتخابات أعلنت أن نسبة المشاركة النهائية بلغت 35.6 في المائة فقط من مجموع 5.3 مليون مُسجّل للانتخابات. وستضع الانتخابات البلدية التوافق السياسي الحاصل بين الحزبين على المحك، حيث إنهما مطالبان بتجسيد هذا التوافق على المستوى المحلي للحفاظ على التحالف الذي أُقِرَّ منذ 2014.
وكانت هيئة الانتخابات أعلنت النتائج الرسمية لأول انتخابات بلدية تشهدها تونس منذ سقوط حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وحصل فيها المستقلون على نسبة الأصوات الأعلى بـ9.32 في المائة بينما جاءت النهضة ثانية بـ6.29 في المائة، وبعدها حزب نداء تونس بـ17.22 في المائة.
وفي كامل البلاد، تحصّلت القوائم المستقلة على 32.9 في المائة (2367 مقعداً) من مجموع المقاعد، يليها حزب «النهضة» بـ29.6 في المائة (2135 مقعداً) ثم حزب نداء تونس بـ22.17 في المائة (1595 مقعداً).
كذلك، تقدّم «النهضة» في كل من محافظات صفاقس (جنوب) وهي القطب الاقتصادي الأول للبلاد، وفي بنزرت (شمال) وقفصة (وسط غرب) وقابس (جنوب) والقيروان (وسط)، من دون جمع غالبيةٍ مريحة.
ويقول المُحلّل السياسي ورئيس جمعية «بوصلة» (منظمة غير حكومية متخصصة في مراقبة الحياة السياسية في تونس) سليم خراط لوكالة الصحافة الفرنسية: «تكشف النتائج عن بروزٍ واضح للقائمات المستقلة كلاعبٍ جديد سيعيد توزيع أوراق اللعبة على الساحة السياسية».
وتنافست في هذه الانتخابات 2074 قائمة، 1055 منها حزبية و860 مستقلة و159 ائتلافية.
وأعلنت بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي الثلاثاء أن الانتخابات البلدية التونسية اتصفت بـ«الصدقية»، لكنها أسفت لـ«ثغرات تقنية» ونسبة إحجامٍ كبيرة عن الاقتراع خصوصاً لدى الشباب. وقال رئيس البعثة لمراقبة الانتخابات في تونس ونائب رئيس البرلمان الأوروبي فابيو ماسيمو كاستالدو «تمكّن الناخبون التونسيون يوم 6 مايو (أيار) 2018 من التعبير عن خيارهم بكلّ حرية عبر انتخاباتٍ ذات صدقية».
من شأن هذه الانتخابات أن تكرّس مبدأ لا مركزية السلطة التي نصّ عليها الدستور التونسي وهي من مطالب الثورة التي انطلقت من المناطق المُهمّشة في البلاد. وخلال حكم الحزب الواحد، كانت قرارات البلديات تخضع لإدارة مركزية غالباً ما تكون موالية للحزب الحاكم.
وصادق البرلمان نهاية أبريل (نيسان) الفائت على قانون الجماعات المحلية الذي سيمنح البلديات للمرة الأولى امتيازات مجالس مستقلة تُدار بحرية وتتمتع بصلاحيات واسعة.
ويؤمل بأن تفرز هذه الانتخابات جيلاً جديداً من السياسيين قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المُقرّرة في 2019.