arabthought- تتسابقُ الأمَّهاتُ مع الوقتِ للإهتمامِ بمتطلِّباتِ المنزل والعمل، ولإنجازِ مهمّاتهنَّ مع الأولاد ولتكاد تكون الأمومةُ- حرفيّاً- وظيفةَ عملٍ بدوامٍ كاملٍ يصلُ أحياناً إلى أربعٍ وعشرين ساعة، لا ترتاحُ فيها الأمُّ من تلبيةِ طلباتِ أولادِها وزوجِها، ومن الاهتمامِ بأصغرِ التفاصيلِ لدرجةِ إهمالِ صحَّتِها الشخصيّة.
فلماذا على الأمّهاتِ تخصيصُ وقتٍ لأنفسهنَّ، وهل يُعتبر ذلك أنانيّة؟ هل فعلاً تستطيعُ الأمّهاتُ إيجادَ هذا الوقت، أم أنَّ الأمرَ شبهُ مستحيلٍ ويندرجُ في إطارِ النظريّاتِ البعيدةِ عن الواقع؟
1.لماذا يجبُ تخصيصُ وقتٍ خاصٍّ للأمَّهات؟
قد تبدو الاحتياجاتُ الأساسيّةُ للإنسان كتناولِ الطعامِ، احتساءِ القهوة، النوم، الترفيه، التسوُّق، ممارسة الرياضة أموراً بسيطة، لكنّها بالنسبةِ إلى الأمِّ حُلُم، خصوصاً بوجودِ مولودٍ جديد، حيثُ تضعُ الأمُّ احتياجاتِ أطفالِها على قائمةِ أولويّاتها، وهي تضحيةٌ يصعُبُ على أيّ واحدٍ غيرها القيام بها، لأنّ الفعل الذي تقومُ به لا ينبعُ من الواجب إنّما من غريزتها في حمايةِ أولادِها وتقديمِ الأفضلِ لهم ولو على حسابِ صحَّتها، ولكنَّ هذا الأمرَ لا يجبُ أن يكونَ القاعدةَ في كلِّ الأوقات، فالتضحيةُ بالصحَّةِ والسّلامةِ النفسيّةِ والعلاقاتِ الاجتماعيّةِ طوالَ الوقت، يضعُنا على حافّةِ الانهيارِ في وقتٍ ما، فلا يوجدُ إنسانٌ يستطيعُ الاستمرارَ بالتنازلِ والتضحيةِ من دونِ رعايةِ نفسِه، وإذا حدثَ هذا، فإنّ الانفجارَ في أيّ لحظةٍ يكونُ متوقَّعاً.
كثيراتٌ لإ من الأمَّهاتِ يعتقدنَ أنّ وضعَ أنفسهنَّ في المرتبةِ الأخيرة يصنعُ منهنَّ “الأمّهات المثاليّات”، إلّا أنّ هذا الاعتقادَ ثبتَ عكسُهُ تماماً، فالأمُّ الجيِّدةُ يجب أن تُعطي نفسَها القدرَ الكافي من الاهتمام، كما يجب ألّا تبقى احتياجاتُها مخفيَّةً دائِماً عن الأنظار.
*هل العنايةُ الذاتيّة عملٌ أنانِيّ؟
لا تُعدُّ الرعايةُ الذاتيّةُ عملاً خاصّاً بالأمَّهات، فإذا كانت الأمُّ تريدُ أن ينامَ أطفالُها جيِّداً، وأن يعتنوا بأنفسهم، وأن يأكلوا جيِّداً ويُمارسوا هِواياتهم المُفضَّلة، عليها أن تكون خيرَ مثالٍ لهم، وأن تفعلَ أمامَهُم الأشياءَ نفسها، وإذا تصرّفت عكسَ ذلك، فتتعرّضُ للإرهاقِ الجسديّ والعاطفيّ والعقليّ.
كما أنّ العبرةَ تكونُ دائماً في الاعتدال، لا إفراطاً ولا تفريطاً، فالأمُّ الّتي تتمتّعُ بصحَّةٍ جسديَّةٍ ونفسيَّةٍ جيِّدة، تكونُ أكثرَ إيجابيّةً، وأكثرَ صبراً ولطفاً مع أطفالِها، والإهمالُ الذي تقترفُهُ الأمَّهاتُ في حقِّ أنفسِهنَّ لا يعودُ بالضررِ فقط عليهنَّ، بل من الممكنِ أن يُؤثِّرَ في نظرةِ الأطفالِ المستقبليّةِ إلى الحياة، فضلاً عن نظرةِ الأبناءِ الذين سيعتقدون أنّ الأمهاتِ موجوداتٌ فقط للخدمة، وأنَّهنّ يأتينَ دائِماَ بالمرتبةِ الأخيرة.
*الإحساسُ بالذنب
للأسف، كثيراتٌ من الأمهاتِ يُدركنَ تماماً أهميّةَ الاعتناءِ بصحتِهِنَّ الذاتيّة، إلّا أنّهنّ يرفضنَ القيامَ بذلك، لأنَّهنَّ يشعُرْنَ بالذنبِ أو بِتأنيبِ الضمير عند أخذِ قسطٍ من الرّاحة.
وقد اقترحَ علماءُ النفسِ على الأمَّهات أن يُخصِّصنَ وقتاً ولو قصيراً يوميّاً للقيامِ بنشاطٍ مريحٍ أو بِالاهتمامِ بالذّات، كالعنايةِ بالبشرةِ أو الشعرِ أو الأظافرِ، كما نُصحَت الأمَّهاتُ بالبدءِ بعاداتٍ جديدةٍ لتطويرِ التسامحِ مع الذات وإعطائها الأولويّة في الحياة.
والجديرُ بالذكرِ هنا، أنَّ بعضَ الأمَّهاتِ وصلنَ إلى حدِّ تجاهلِ احتياجاتِ أجسادهنّ الطبيعيّة، كأنْ تدَّعي إحداهنّ أنّها لا تجوع، أو أنّها لا تشعرُ بالعطشِ أو بِالإرهاقِ، وهو ما يُؤثِّرُ سلباً على صحتهنَّ النفسيّة والعقليّة والجسديّة، لذلك فالقليلُ من المرحِ يوميّاً يُساعدُ في الخروجِ من دوّامةِ القلقِ والحَيْرةِ تجاهَ أعباءِ الحياة.
2.كيف تجدين وقتكِ الخاصّ؟
بعضُهُم يَعتبر أنّ إيجادَ وقتٍ خاصٍّ للأمّ هو أمرٌ مستحيلٌ، والكلام عليه لا يعدو كونه نظريّات، إلّا أنّ بعضَ الخطواتِ قد تُساعِد في تحويل هذا الحلمِ إلى واقع.
قولي لا: على الأمَّهات أن يعرفنَ أنَّهنَّ غيرُ قادراتٍ على القيامِ بكلِّ المُهمّات الموكلة إليهِنّ، لذا يجب عليهنَّ معرفة متى يجب أن يرفضنَ ما يُطلب منهنّ، ويقلِّلنَ من مُهِمّاتهنَّ واستبدالها بأوقاتٍ خاصّة بعنايتِهِنّ الذاتيّة.
علِّمي طفلكِ الاستقلال: دَعي طفلكِ يقومُ ببعضِ الأشياءِ من دون مساعدتكِ، حتّى وإن بدا ذلك صعباً، فتربيةُ طفلٍ مستقلٍ ومسؤولٍ ستجعلهُ فخوراً بإنجازاتِه، وتُزيلُ عنكِ عبءَ مراقبتِه طوالَ الوقت.
مساندةُ الزوج: اُطلبي من زوجكِ المساعدةَ في العملِ المنزليّ والاعتناء بالأولادِ كما ساعديه على تخصيصِ وقتٍ لنفسِه أيضاً لأنّ العنايةَ الذاتيّة للأب لا تقلُّ أهميّةً عن عنايةِ المرأةِ بنفسِها.
اُطلبي المساعدة: اُطلبي من أحدِ أفرادِ الأسرة أو الصديقات مجالسة الطفلِ ساعةً أو ساعتين لقضاءِ حاجاتِك الخاصّة، فالمساعدةُ ليست عيباً خصوصاً إذا كانت ضروريّةً.
3.خططٌ واقعيّةٌ للرعاية الذاتيّة
بعد إيجادِ الوقتِ لنفسِكِ، لا بدَّ من استثمارهِ بالطريقةِ الأصلح، إليكِ بعضُ الخططِ الواقعيّة:
– على الرّغمِ من أنّ الوقتَ ليسَ دائماً لمصلحتِكِ، لكنْ حاولي ألّا تهملي فطورَك، وعندما تُعِدّينَ فطوراَ لذيذاً لأطفالكِ قبل ذهابهم إلى المدرسة ولزوجك قبل ذهابِه إلى العمل، أعدّي لنفسكِ فطوراً شهيّاً وصحيّاً مماثِلاً بدلاً من الأطعمة المحفوظة والساندويشات السريعة.
– قرِّري في صباحِ كلّ يوم ما هي أهمّ ثلاثةِ أشياءَ للقيامِ بها في اليوم، واشطبي ثلاثة أشياءَ لن تقومي بها، وسيساعدُكِ ذلك على استعادةِ التحكُّمِ في يومكِ، واقتناصِ بعضِ الأوقات لنفسك.
– عشرُ دقائق فقط يوميّاً من الهدوءِ والاسترخاءِ والتأمُّلِ ستزيدُ جرعةً لا بأسَ بها من الطاقةِ والنشاطِ إلى يومكِ، حاولي في هذا الوقت الاستماعَ إلى موسيقى تحبّينها وتناولي القهوة مع إفطارٍ لذيذ.
– اِبتعدي عن الأشخاصِ والأصدقاءِ السلبيّين في حياتكِ، واتَّصلي بصديقتِكِ الّتي تجعلكِ تضحكينَ حتى تنهمرَ الدُّموعُ من عينيْكِ، واتَّفِقا على موعدٍ للقاءٍ في حديقةٍ للأطفال، لتركِ الصغار يلعبون بينما تتناولان القهوة، وحاولي مَدَّ أحاديث لا تتعلّقُ فقط بمشكلاتِ الأطفال وهمومهم.
– الاهتمامُ بالبشرةِ والأظافرِ والشعرِ ووضعُ الماكياج وارتداءُ الملابسِ الجميلة والتسوّق ليست رفاهيّةً للأمَّهات بل هي حاجةٌ أساسيّةٌ، فلا تهملينها وحاولي دائِماً الاعتناءَ بجمالكِ الخاصّ حتّى تشعَّ نضارةُ بشرتِكِ جمالاً على مَن حولك.
– يعرف المديرون الأكثرُ نجاحاً أنّ عدمَ القيامِ بشيءٍ لبعضِ الوقت قد يُساعِدُ على أداءِ المهمّاتِ المطلوبة بشكلٍ أسرع وأكثرَ كفاءةً لاحقاً. فلا مانعَ ألّا تكوني “منتجة” لبعض الوقت، أو أن تُلغِيَ بعضَ المهمّات الّتي يُمكِنُ تأجيلُها إلى يومٍ آخر، والاسترخاء لبعضِ الوقت، لاستعادةِ نشاطك.
-“الفيسبوك” ليسَ مساحةً لقضاءِ وقت “الرِّعاية الذاتيّة”، فبتصفُّحِك لمواقع التواصل الاجتماعي تمارسين ضغطاً إضافيّاً على نفسك، فالنّساءُ والأمَّهاتُ لا ينشرنَ لحظاتهنَّ المُرهَقة مع أطفالهنَّ على السوشيال ميديا.
في الختام، تذكَّري دائِماً، أنّكِ أنتِ ضابطةُ إيقاعِ منزلكِ، وعليكِ يتّكلُ جميعُ أفرادِ الأسرة في تنظيمِ وقتهم وأعمالِهم، ولكنّ إهمالَ وقتكِ وحياتكِ يجعلكِ تفقدينَ التوازنَ، ما سيؤثِّرُ بالتّالي وبشكلٍ أوتوماتيكِيٍّ على حياةِ أسرتكِ. لذلك لا تفقدي التوازنَ والإيقاع واستمرّي بتدليلِ نفسِكِ والاهتمام بصحَّتِكِ النفسيّةِ والعقليّةِ والجسديّة حتّى تتمكّني من الاستمرارِ في القيامِ بمهامِّكِ.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.