صادق برلمان تونس على قانون يجرّم العنف ضد المرأة، بعد جلسات صاخبة وجدل بين الاطياف السياسية ومنظمات المجتمع المدني. ويمنع القانون التونسي تعدد الزوجات ويمنح المرأة حق تطليق زوجها والمساواة في العمل وفي المجال السياسي.
تونس/وكالات- أقر البرلمان التونسي مشروع قانون لمكافحة العنف ضد المرأة، مساء الأربعاء، بإجماع النواب الحاضرين وعددهم 146 نائبا من أصل 217، لما لهذا القانون من أثر على تعزيز حماية الضحايا من النساء واجتثاث أحكام اعتبرت رجعية. ونشرت صفحة البرلمان الرسمية على فيسبوك أن إقرار القانون جاء دون أي أصوات رافضة أو متحفظة.
ورحبت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة التونسية نزهة العبيدي بالتشريع الجديد، وقالت: “هذه لحظة مؤثرة جداً، ونحن في تونس فخورون بأننا استطعنا الالتفاف حول مشروع تاريخي “.
واعتبرت أن القانون الجديد يعد “مكسبا للمرأة التونسية، وفيه ثورة كبيرة في مختلف أبعاده”. وأضافت على هامش المصادقة على القانون أن “المجتمع (التونسي) يرفض جميع أشكال العنف الجسدي والمالي والمعنوي والسياسي ضد المرأة”.
ووفق الوزيرة التونسية فإن بلادها “تسجل يوميا 3 حالات اغتصاب، دون احتساب الحالات غير المعلنة”، كما لفتت إلى أن “المجتمع التونسي عانى في السنوات الـ7 الماضية من اهتزاز للمبادئ والقيم”. وخلصت العبيدي إلى ضرورة “إعادة النظر في ترسيخ مبادئ وقيم الاحترام” بالمجتمع التونسي.
ومن العقوبات الواردة بالقانون المكون من 43 بندًا أنه في حال اغتصاب شخص لعنصر من أفراد عائلته، أو فتاة صغيرة أو كبيرة، فإنه يعاقب بالسجن لمدة تصل “مدى الحياة”.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 227 جديد قد أثار جدلا بين النواب وبين الجمعيات النسوية الحاضرة أمس في البرلمان بخصوص علاقته بالأهلية الجنسية للفتاة بما عطّل عملية المصادقة سويعات إلى حين تحقيق التوافق. حيث تمّ في القانون الجديد تعديل الفصل 227 مكرر من القانون الجزائي بإلغائه بنداً مثيراً للجدل يسقط التعقبات عن “كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاما كاملة” في حال تزوجها.
وتضمن الفصل المذكور المصادق عليه في جلسة الاثنين في صيغته الأصلية عقوبة بـ20 سنة سجنا لمرتكب جريمة الاغتصاب، وأردفها بعبارة ” يعتبر الرضا مفقودا إذ كان سن الضحية دون 13 سنة”، وفق لصحيفة “الشروق” التونسية.
واهتدى النواب إلى أنهم قد أتوا سهوا عن عدم تعديل الأهلية الجنسية نظرا لعدم توزيع التعديلات مكتوبة على النواب يوم المصادقة و طالبوا برفعها إلى سن 16 سنة سيما وأن الفصل الثالث من مجلة حقوق الطفل يحدد سن الثامنة عشر كحد أقصى لتعريف الطفولة.
وتقرر في نهاية المطاف إقرار الأهلية الجنسية في عمر السادسة عشرة سنة بعد توافق بين الكتل النيابية واستنادا إلى الفصل 123 من النظام الداخلي الذي يتيح لجهة المبادرة العودة على الفصل المصادق عليه لتعديله قبل التصويت النهائي.
وبخصوص “العنف الزوجي”، تضمن القانون تشديدا في العقوبات على مرتكبيه. ففي حال تنازلت الزوجة المعنّفة عن الشكوى القضائية ضد زوجها، فإن “النائب العام يحتفظ بإمكانية تتبع الزوج المعتدي، وللقاضي اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا في الغرض”.
ووفق بيانات لوزارة المرأة التونسية، صدرت في نوفمبر فإن 47.6% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاما، تعرضن للعنف ولو مرة في حياتهن. كما تشير البيانات نفسها إلى أن العنف المادي والجسدي هو الأكثر شيوعًا في البلاد بنسبة 31.7%، يليه العنف المعنوي بـ28.9%، ثم الجنسي بـ15.7%.
ويشار إلى أن القانون يدخل حيز النفاذ بعد 6 أشهر من نشره بالجرائد الرسمية كما ورد في الفصل 43 منه، ويرمي القانون إلى “القضاء على كل اشكال العنف ضد النساء”.وينص القانون على منح الضحايا مساعدة قضائية ونفسية ويفرض برامج محددة من اجل زرع “مبادي القوانين الانسانية والمساواة بين الجنسين” في المناهج التعليمية.
بدورها رحبت النائبة بشرى بلحاج حميدة باقرار مشروع القانون، مؤكدة في تصريح لفرانس برس ان التشريع الجديد يرسي الاعتراف بكل اشكال العنف الجسدي والمعنوي والجنسي. ما يستنتج من روحية القانون ان اعمال العنف لم تعد مسألة خاصة. انها مسألة باتت تهم الدولة والدليل هو ان سحب الدعوى لم يعد يوقف التعقبات”.
وقد أبدت أحزاب محافظة ومنظمات دينية اعتراضات على القانون منذ بداية طرحه بحجة أنه قد يضع الأسرة أمام خطر التفكك فضلا عن كونه يمنح حقوقا وحريات أوسع فيما يرتبط بالعلاقات الجنسية.
وتعتبر تونس رائدة بين الدول العربية في مجال حقوق المرأة، وقد نص الدستور الجديد الذي أقر في 2014 على أن “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات”. ومنذ 1956 يمنع القانون التونسي تعدد الزوجات ويمنح المرأة حق تطليق زوجها والمساواة في العمل وفي المجال السياسي، لكن لا تزال هناك بعض الثغرات التمييزية.