التجربة النرويجية «الثورية».. النساء في الجيش 50/50
مجندة في الجيش النرويجي

فورين أفيرز- رصدت «إليزابيث برو»، في مقال نشرته بمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، ما وصفته بالتجربة «الثورية» للنرويج في توظيف النساء في القوات المسلحة، وعرضت تجربة 50/500 التي اعتمدتها القوات المسلحة النرويجية في إحدى وحداتها القتالية، بحيث كان الذكور والإناث يتشاركون المهام العسكرية واللوجستية في كتيبة الدفاع الجوي والصاروخي.

وقالت الكاتبة في بداية المقال: «قبل عامين، عينت ماري جليبو البالغة من العمر 19 عامًا للعمل جندية في وسط النرويج. بعيدًا عن كونها أقلية في كتيبة الدفاع الجوي التي التحقت بها، فقد التحقت بالوحدة التي كانت فيها الإناث يمثلن 50%. كانت المجندات يعاملن تمامًا مثل زملائهن الرجال حتى إنهن كن يشاركن الرجال في أماكن النوم».

وفقًا للكاتبة، لم تمانع «جليبو» في النوم في غرف مختلطة بين الجنسين. مثل معظم الأطفال النرويجيين، فقد نشأت في بيئة تربوية مختلطة بين الجنسين: اللعب في فرق رياضية مختلطة وتعلم النجارة والاقتصاد المنزلي في المدرسة الثانوية جنبًا إلى جنب مع كل من البنين والبنات.

حصة 50/50

نقلت الكاتبة عن «جليبو» قولها: «لكني كنت متشككة جدًا حيال قسمة 50/50. أنا لا أحب أن تعطى النساء حصصًا. يجب أن تعطى المرأة مناصب على أساس القدرة، وليس على أساس الجنس».

أضافت الكاتبة أن كتيبة «جليبو»، وهي كتيبة الدفاع الجوي والصاروخي النرويجية من الجناح الجوي رقم 138 في المحطة الجوية الرئيسية أورلاند، هي التجربة التي تأتي بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لزيادة حصة الجنود والضباط الإناث في الجيش النرويجي.

جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، كانت النرويج أول دولة تقضي نهائيًا على الحواجز بين الجنسين في القوات المسلحة، وتفتح جميع المواقع القتالية للنساء في عام 1988. ومنذ ذلك الحين شنت القوات المسلحة معركة باسلة لجذب النساء، وليس فقط استهدافهن في حملات التوظيف ولكن أيضًا إطلاق حملة اليوم المفتوح في عطلة نهاية الأسبوع لأولئك الذين لديهم شغف بشأن الحياة العسكرية. وباتت الضابطات يترقين في المناصب إلى أعلى مستوى: قبل ثلاث سنوات، أصبحت اللواء «كريستين لوند» من الجيش النرويجي أول قائد من الإناث لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وحتى مع ذلك، بعد ما يقرب من 30 عامًا، فإن 10% فقط من الجنود والضباط النرويجيين هن من النساء. وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة Forsvarets Forskningsinstitutt (مؤسسة بحوث الدفاع النرويجية التي تديرها الحكومة)، فإن أكثر من 12% من الجنود الإناث بين 20 و 24 عامًا يغادرن القوات المسلحة، في حين أن النسبة بين القوات الذكور أقل من 8%.

تجربة ثورية

ذكرت الكاتبة أنه في عام 2014، أصر النرويجيون على تبني تجربة ثورية، وهي تحويل كتيبة الدفاع الجوي والصاروخي إلى وحدة بها 50% من الذكور و50% من الإناث، حيث يقوم الرجال والنساء بنفس الواجبات وترتيبات المعيشة، بما في ذلك غرف نوم مشتركة.

وعزت القوات المسلحة ذلك إلى أن الإعداد الذي لم تَعُد فيه النساء أقلية صغيرة غيَّرَ الطريقة التي تعمل بها الوحدة القتالية. حصة الإناث هي عادة ما تكون أعلى بكثير بين وظائف الدعم مثل الممرضات، ولكن يبدو أن هذا نتيجة للعادة أكثر من القدرة. ولأن هناك عددًا قليلًا جدًا من النساء في الوحدات القتالية، فإن ذلك يغذي فكرة أن الإناث لسن جيدات في القتال. النساء اللاتي تم اختيارهن لكتيبة الدفاع الجوي والصاروخي كان عليهن أن يمتلكن نفس المعايير التي تطبق على الرجال.

من المدافعين عن التجربة كان المقدم «شتاين ماوت»، قائد كتيبة الدفاع الجوي والصاروخي، الذي قال: «الشباب اليوم اعتادوا على أن يكونوا معًا في المدرسة ويشتركوا في هواياتهم قبل أن يأتوا إلينا. فقط نحن من في القوات المسلحة هو من ينظر إلى هذا الأمر باعتباره أمرًا جديدًا».

وقالت الكاتبة: «بالنسبة لهم، فإن التجرية هي حقًا جديدة تمامًا. عام 1988، رفعت النرويج الحظر المفروض على النساء في الأدوار القتالية. قبل ذلك، كانت أدوار المجندات محصورة في الأدوار الداعمة، مثل التمريض، والتي عادة ما تبقيهن بعيدًا عن الجنود الذكور. رفعت إسرائيل الحظر الخاص بها في نفس العام. فعلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ذلك العام الماضي فقط. على الرغم من أن معظم البلدان تسمح الآن للمرأة بالقتال، إلا أن الاندماج الكامل بين الجنسين لا يزال بعيد المنال. الجنود الذكور والإناث ينامون عادة في غرف نوم منفصلة ويستخدمون غرف استحمام منفصلة».

مخاوف المتشككين

على جانب آخر، فإن الحجة الرئيسية ضد الاندماج الكامل هو أنه يجلب مخاطر التشابكات الرومانسية والتحرش الجنسي ويقوض الفعالية. وفقًا لدراسة مؤسسة «راند» في عام 2014، فإن 4.9% من الجنود الأمريكيين الإناث قلن إنهن تعرضن للتحرش الجنسي. وأظهر مسح القوات المسلحة النرويجية لعام 2015 أن 18% من الإناث و2% من أعضاء الخدمة من الذكور تعرضوا للتحرش الجنسي. بالنسبة للمعنيين بالتحرش الجنسي، فإن التكامل التام بين الجنسين يكون وصفة لمزيد من المتاعب. في جامعة هارفارد، التي لديها مساكن مختلطة للطلاب الجامعيين، أظهر مسح لعام 2015 أن 31.2٪ من النساء تعرضن للتحرش الجنسي.

لكن الكاتبة ردت على ذلك بقولها إن توفير مرافق منفصلة يتطلب أيضًا جهدًا ونفقات إضافية ويعزل المجندات، بحسب ما ذكرت القوات المسلحة النرويجية.

ونقلت الكاتبة عن المقدم «ماوت» قوله إن «حقيقة أن الأولاد والبنات يتشاركون الغرف، ويتدربون معًا، يأكلون معًا، ويعملون معًا، تؤدي إلى مضايقات أقل ومزيد من التماسك بين الجنسين». فقط عدد قليل من المجندات تعرضن للتحرش الجنسي، وحتى في تلك الحالات لم يتجاوز الأمر النكات الحساسة.

بحسب الكاتبة، كانت النقطة الأهم من الاندماج الكامل هي في جعل الذكور والمجندات يفكرون في بعضهم البعض كجنود فقط.

«نينا هليوم»، إحدى علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية في المؤسسة النرويجية Forsvarets Forskningsinstitutt قالت: «ما أدهشني هو أن الجنس لا يبدو أنه موجود في الوحدة، كان موجودًا. ولكنه لا يكاد يلعب أي دور على الإطلاق».

نظرة إيجابية

البعض الآخر ينظرون بشكل إيجابي على نحو مماثل للتجربة. استغرق الأمر بعض الوقت للاعتياد على تقاسم غرف نوم مع الرجال، كما ذكرت «جاليبو»، ولكنها أضافت أن القوات كلًّا من الذكور والإناث يعتقدون أن الأمر بدا منطقيًا حيث يقضون الكثير من الوقت في العمل معًا على أي حال.

وفيما يتعلق بالتحرش الجنسي، قالت إنه من المؤكد أن بعض الفتيات قد طالتهن نظرات من الجنود، غير أنها قللت من الأمر الذي اعتبرته أقل مما قد يحدث في الحياة المدنية.

أضافت «هليوم»: «الحياة العسكرية ليست رومانسية جدًا. فأنت تعمل بجد كل يوم، ويرى الطرفان بعضهما البعض في حالات غير جذابة للغاية». يمكن للنوم المختلط أن يساعد المجندات على الشعور بأنهن جزء من المجموعة ويساعد الجنود الذكور على القبول بهن على هذا النحو.

اختتمت «هليوم» بقولها إن التعرض المستمر للجنس الآخر يتحدى الصور النمطية، ورجحت أن زيادة القوات من الإناث يمكن أن يقلل من «السلوكيات الذكورية غير المرغوب فيها» في القوات المسلحة.

هذا أمر مهم خصوصًا أن العام الماضي أصبحت النرويج أول دولة في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) تقدم التجنيد المحايد بين الجنسين. تجربة 50/50 انتهت الآن، بطبيعة الحال، ولكن نصيب الإناث من الجنود في الكتيبة ما زال مرتفعًا بنسبة 45%، بحسب ما ذكرت الكاتبة.

هناك بطبيعة الحال وحدات عسكرية قد لا تحقق المساواة بين الجنسين، ونعني بها القوات الخاصة أو المشاة، والتي تتطلب قوة بدنية هائلة. لكن تجربة كتيبة الدفاع الجوي والصاروخي يمكن أن تغير بعمق التخطيط العسكري. لم يعد يتعين على القوات المسلحة توفير أماكن نوم منفصلة للنساء، وهو ما يضيف الوقت والنفقات للتخطيط اللوجستي.

ولكن هل يمكن تصدير التجربة إلى بلدان أخرى؟

للإجابة على هذا السؤال نقلت الكاتبة عن عقيدة في الجيش الفرنسي قولها إنه في فرنسا لن يستقيم الأمر. عقيدة الجيش الفرنسي قالت: «الغرف غير المختلطة أفضل، حيث إن الصباح والمساء هي اللحظات التي يمكن الحصول فيها على بعض الخصوصية». إلى جانب ذلك، أضافت أن فرنسا ليس لديها مشكلة في توظيف النساء.

استطردت الكاتبة بقولها إنه بالنسبة للبلدان التي تحتاج لتعزيز حصتها من المقاتلين الإناث، فإن تجربة 50/50 في الوحدات والتكامل التام بين الجنسين هي أفضل السبل للمضي قدمًا، كما قال البروفيسور «روبرت أنجل»، رئيس قسم الأمن والاستراتيجية والقيادة في جامعة الدفاع السويدية.

ثمة إشكالية تتعلق بكيفية التعامل مع الجنود الذين، لأسباب دينية، لا يريدون أن ينامون في غرفة نوم مختلطة بين الجنسين. في السويد، حيث يشكل المسلمون نحو 5% من السكان، تبنت بعض مجالس المدن ترتيبات خاصة للطلبة المسلمين، على سبيل المثال منحهم خيار عدم قضاء الليل أثناء الرحلات المدرسية، وكذلك الحق في استخدام وحدة استحمام فردية بعد الدروس الرياضية.

مجندة في الجيش النرويجي

مجندة في الجيش النرويجي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015