علي جبر/مجلة “طلعنا عالحرية” – تعمل غالبيّة المنظمات النسوية على أهداف عدّة غايتها زيادة الوعي، وتمكين المرأة سياسياً واقتصادياً، خاصة في ظروف اللجوء والتهجير التي تعاني منها النساء السوريات حالياً. ممّا يضع المرأة أمام واقع يحمل الكثير من التحدّيات والعقبات. فقد فرض الواقع الجديد على النساء تحمّل أعباء كثيرة جداً، وقد تكون كامل أعباء الأسرة التي أصبحت هي الوحيدة المسؤولة عن إعالتها وتدبّر شؤونها. وضع أخضع المرأة لشروط معيشيّة لم تعتدها من قبل، إذ أنّ غالبيّة النساء في المجتمع السوري كانت خارج قوة العمل الرسمية بحكم العادات والتقاليد التي تحكم أعظميّة المجتمع، وبالتالي غالبيّة النساء لا يملكن من المهارات ما يؤهّلهن لدخول سوق العمل. أمّا القسم الذي يعمل فهو إمّا يعمل كقوة عمل غير ماهرة ورخيصة، أو يعمل في قطاعات العمل الحكومي المحكوم بالبيروقراطية، والذي لايحتاج إلى مهارة وبنفس الوقت لا ينجز الموظفون فيه عملاً حقيقاً مقارنة بالعمل في قطاعات أخرى كالقطاع الخاص، الذي يندر أن يوظف نساء في مجالات تتطلّب الكثير من المهارات إن وجدت من تمتلكها.
وهكذا وجدت المرأة نفسها مضطّرة لقبول العمل في أعمال لا تتطلب مهارة عالية، وفي نفس الوقت لا تقدّم المقابل المكافئ لقيمة عملها الذي غالباً ما يكون عضلياً وبأجر رمزي، وخاصة في قطاع الزراعة.
في المقابل تعمل الكثير من المنظمات السورية النسويّة على تمكين النساء في مختلف القطاعات، من السياسي إلى الاقتصادي مروراً بالقانوني، ويشكّل التمكين الاقتصادي حجر الزاوية في أي عمليّة تمكين، وأساساً للبناء عليه في تغيير وضع المرأة في مجتمعات دول العالم الثالث عامّة الذي لا يشكل وضع المرأة السورية والعربية فيها حالة خاصة أو استثناءً يذكر.
لكن المنطلق للتمكين الاقتصادي للمرأة دائماً ما ينطلق من الإمكانات والمهارات المتوفرة، وغالباً في إطار نمطيّ لايتجاوز حدود المتعارف عليه لجهة القطاعات التي تعمل بها المرأة، ممّا يشكل تكريساً بالدرجة الأولى وتثبيتاً لموقع المرأة في البنية البطريركية الذكوريّة للمجتمع، من حيث التركيز على المهارات التقليدية الأمر الذي لايقدم جديداً للمرأة.
الإشكال الثاني الذي تعاني منه مشاريع التمكين أنّها غالباً ما تكون محكومة بسياسات وأجندات الجهات المُموّلة التي تستهدف تحقيق برامج لمدة قصيرة لا تتجاوز في حدّها الأقصى سنة واحدة، الأمر الذي يُضيّق الفرص بزيادة قدرات المرأة ورفع سويّة مهاراتها. يُضاف أيضاً سعي بعض المنظمات المُموّلة لتحقيق السبق الإعلامي دون النظر إلى تحقيق تمكين مُستدام في قدرات المرأة، يُحقّق هدف تحسين المستوى الحالي، ويضمن المساهمة في استمرار تحسّن وضع المراة التي خضعت للبرنامج المُموَّل دون أن تخسر من مهاراتها التي تكون قد اكتسبتها عند انتهاء الرعاية من قبل البرنامج الذي ساعدها على رفع مؤهلاتها.
إذ إنّ التنميّة المُستدامة كفيلة بتأهيل كادر نسائي مؤثّر، ليس فقط على المدى القصير بل على المدى الطويل أيضاً، سواء طالت حالة اللجوء أو انتهى الأمر بالعودة إلى سوريا، كادر نسائي قادر على المساهمة في صناعة المستقبل في سوريا في المرحلة الانتقالية وفي مرحلة إعادة البناء التي ستحتاج إلى الكثير من القوّة المُؤهّلة، خاصة مع الفقد الكبير في الطاقات البشرية الذي أصبحت سوريا تعاني منه نتيجة عمليات الهروب والهجرة، أو بسبب الفقدان الجسدي الكلي أو الجزئي نتيجة العمليات العسكرية التي استهلكت الكثير من الطاقات الشابة من الذكور خاصة ومن النساء بالدرجة الثانية.
لذلك فإنّ المعايير التي تعمل بموجبها مشاريع التمكين الاقتصادي التي تنفذها معظم المنظمات النسويّة ومنظمات التنّمية التي تنشط في مناطق الحروب والصراعات، التي لا تشكل الحالة في لبنان أو تركيا بالنسبة للآجئات السوريات إستثناءً يذكر، يجب على هذه المعايير أن تتطوّر بحيث يصبح تركيزها بالدرجة الأولى على بناء المهارات وزيادة القدرات لدى النساء على ما يحتاجه ذلك من استمراريّة وتخطيط طويل المدى يمّكن من تحقيق تمكين مُستدام. استدامة تمكّن النساء المعنيّات من المنافسة في سوق العمل الحالي، وتسمح لهنّ بالاحتفاظ بالمهارات التي اكتسبنها، ممّا يتيح لهنّ العمل بأجر مكافئ لمهارتهن في الظروف الحالية، ويمكنهنّ من اكتساب خبرة نتيجة عملهن هذا دون الاضطرار إلى بيع قوة عملهن بأجر بخس لا يساوي الجهد المبذول، ولا يسد رمق الأفواه الجائعة التي تنتظر من يطعمها، أو ليمكنهنّ من العمل على مشاريعهن الخاصة التي يستطعن الاستمرار في إدارتها بنجاح سواء من خلال العمل مع حواضن مشاريع تسمح للمشاريع بالتقدم في خطواتها الأولى، أو من خلال تقديم استشارات مستقلة للحيلولة دون أن يفعل الإحباط فعله فيها.
علماً أنّ التمكين السياسي والقانوني لا ينفصل بحال من الأحوال عن التمكين الاقتصادي، لكنه يكون تالياً للتمكين الاقتصادي؛ إذ لا تستطيع النساء اللواتي لا يتمتعن بالاستقلال الاقتصادي المشاركة بحريّة كاملة في نشاطات منظمات المجتمع المدني، والمنظمات أو الأحزاب السياسية. ولا تتغيّر المعايير التي تحقّق التمكين الاقتصادي المستدام عنها في حالة التمكين القانوني والسياسي إذا ما أردنا بناء مجتمع مُتقدّم، وبناء أفراد قادرين على المساهمة بالحد الأعلى المُمكن في صناعة وبناء المستقبل الذي ننشده.