الحراك النسوي والمعارك الجانبية
الأردن: من نقد العنف إلى نقد النسوية

أمل الحارثي/ tanweerjo- كعادتنا عند كلّ جريمة ننفعل ونُشارك الحدث، نُشعل الهاشتاغات، وننتقد المنظومة التي لا تقدِّم دعمًا ومساندة حقيقيّة للمرأة، لكنّا سرعان ما ننسى بعد أيّام مِن عودة الهدوء النسبيّ حتّى يصفعنا خبرُ جريمة جديدة أكثر ألمًا، فنصحو من غيبوبتنا مُجدّدًا لننشر المقاطع، ونتحدّث عن القوانين التي لا تردع والتي يجب تغييرها، ولا بأس في هذه الرحلة أنْ نسيء للنسويّات اللواتي لا نراهنَّ يجتهدْنَ كفاية لإيجاد حلول، وننسى أنّنا في أيّام السنة الأخرى نضع كلّ امرأة تدافع عن حقوق المرأة تحت المجهر، ونجلس لمحاسبتها على الكلمة، فهي التي تجلب لنا الأجندات الخارجيّة، وتستهدف سلامة مجتمعنا الفاضل الذي لا يُعاني من شيء، اللهمّ إلّا من حالات فرديّة هنا وهناك.

تتعرّض كل مدافعة عن حقوق المرأة لشيطنة مُنَظَّمة، تبدأ من أي وقفة تُشارك فيها مع ناشطين وناشطات، حيث يتم تصيّد بعض اللافتات وتفسيرها بشكل خاطئ لا يمتّ لمعناها الحقيقي بصلة، ثم يتعمّد المُشَيطِنون إظهار من في الوقفة وكأنهم من فئة واحدة في أزيائها وتوجّهاتها، يتم عن عمد تجنّب إظهار مئات الوجوه الأخرى التي تعكس كلّ أطياف المجتمع، ليرى الناس أن التجمّع لا يشبه الأغلبية، وهذا تماماً ما يريده المُشَيطِنون الذين يعرفون نقاط ضعف المجتمع جيّداً، الأجندات الغربية، سيداو، المجتمع الفاضل، فيركّز على نقاط الاختلاف ويستخدمها شمّاعة لرفض الحركة كلّها.

جدرانٌ كثيرة يصطدم فيها كلّ مَن يُطالب بتغييرات تجعل المرأة أقوى في مواجهة العنف، أحد هذه الجدران هي النقاشات العقيمة، كأن تُهاجَم بمَن يُخبرك أنّ العنف موجود في كلّ مكان، ويُحضر لك بيانات العنف في أوروبا لتعرف أنّنا لسنا بأسوأ حالاً، ثمّ يصمّ أذنيه عن جوابك عندما تُفسّر له أنّ العنف موجود في كلّ مكان لكنَّ قوانين الحماية تختلف، مَن تتعرّض للعنف في ألمانيا مثلًا وتُبلِّغ؛ لا يمكن أنْ تحصل على تعهّد وتعود مع معنّفها للبيت نفسه لتتكرّر المأساة، بل تحصل على سكنٍ آمِن ويتمّ تأمين احتياجاتها مع أبنائها لحين اعتمادها على نفسها، طبعاً لن يُجبك فهو موجود لمهاجمتك فقط، ولا يريد أن يسمع منك أساساً.

وعندما تخبره بأنّ زواج القاصرات يُساهم في زيادة العنف ضدّ النساء، لأنّه يقدّم الفتاة كفريسة سهلة بلا عمل ولا علم ولا أسلحة تواجه فيه معنِّفها، وأنّ على المجتمع الذي لا يجد حلولاً إنسانيّة لحماية هذه المرأة سواء عُنِّفَت أو طُلِّقَت أو ترمّلت أن يرفع سن الزواج، يصيح بوجهك ويتّهمك بترويج بضائع أجنبيّة تهدف لنشر الفساد ومنع الستر. وطبعاً لا يمكن أنْ ينسى بأنْ يذكّرك بأنّ هذا الأمر يُخالف الدين أيضاً، ما يجعلك تُواجه اتّهاماً مزدوجاً وخطيراً.

كما أنّ مِن طرق الهجوم أنْ يطلب أحدهم عدم التركيز على قضيّة لصالح قضيّة أُخرى، من باب الأولويّة، والحقيقة أنّه لا يمكن فصل قضايا المرأة عن بعضها، بل إنّها مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً من منح المرأة الحقّ في إعطاء جنسيّتها لأبنائها، مروراً بقوانين الأحوال الشخصيّة كلّها، ولا يمكن أنْ يتمّ التعامل بعدالة معَ المرأة قبل إقرار حقّ أبنائها في الجنسيّة؛ لأنّ في هذا إقراراً بأنّها مواطن كامل.

ممّا لفت انتباهي في تداعيات جريمة قتل أحلام الأخيرة، جهل قطاع كبير من الناس بالمنظومة التشريعيّة في الأردن، ومِن أكثر الأسئلة التي قرأتها وأثارت تعجّبي، لماذا لم تستطِع المنظّمات النّسْويّة تغيير القوانين المتعلّقة بالمرأة حتى الآن؟!

وكأنّ المنظّمات تقف أمام زرّ تغيير القوانين ولكنّها تتقاعس، وفي هذا عدم إدراك للواقع يصل حدَّ الجهل التام.

إنّ تعديل أيّ قانون في الأردن يتطلّب موافقة مجلس النوّاب عليه، مناقشات طويلة تنتهي بالتصويت غالباً ليس كما تتمنّى المرأة المُطالِبة بحقوقها، أو لنكُنْ أكثرَ إنصافاً تُعطيها مِن الجملِ أُذُنه… حملاتٌ كثيرة كانت تهدف للدفع بتغيير قوانين تتعلّق بزواج القاصرات والعنف الأسريّ، انتهت بالحصول على تقدّم بسيط بعد جهد وعناء.

أمّا التحجّج بالمؤسّسات النِّسْويّة ومؤسسات المجتمع المدني، فهي حجّة مَن لا يملك حجّة، فأنت تستطيع المطالبة بحقوق الآخرين دون أنْ تتّفق معَ المؤسّسات هذه أو تدعمها، وتلك المؤسّسات، وبالمناسبة، لا يمكن وضعها في سلّة واحدة، وقد تعاملتُ معَ بعضها، ووجدتُ في الكثير منها حقوقيّات وحقوقيين من أكثر الناس كفاءةً وإيماناً بنُبل الأهداف التي يعملون من أجلها، وهناك استثناءاتٌ حالها حال أي مؤسسة، كما أنّي أُدرك تماماً مِن خِبرة سابقة مُشابهة، التحدّيات التي تُفرَض على بعض تلك المؤسّسات، وتجعل العمل يسير في أُطُر معيّنة دون أخرى، ومنها مثلاً التركيز على  تمكين المرأة اقتصاديّاً.

مِن الجيّد أنْ يعرف الجميع كيف تُدار الأمور، الوعي بمن يملكون مفاتيح التغيير الحقيقيّ يجعلنا نأخذ الانتخابات على محمل الجدّ، المرأة اليوم إذا كانت تُريد إنصافاً فعليها أنْ تُدرك أنّ طريقها يمرّ عبر مجلس النوّاب، يجب أنْ تُتابِع جلسات سابقة لتعرف مَن يقف في صفّ المرأة ومَن لا يفعل، وألّا تُخدع بالكلام المعسول الذي يتغيّر عند موعد التصويت.

القضايا الحقوقيّة كلّها مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً، لا يُمكن أنْ تقبل ما يتوافق معَ مصلحتك وترفض القضايا الأخرى لإنها لا تعجبك وتتعارض مع أيديولوجياتك، إن شيطنة الناشطين أو الناشطات في أي مجال حقوقي ليس من مصلحة أحد، فمن تُشيطنه اليوم لن تجد سواه غداً للدفاع عن حقوقك، وقبل أنْ تصل إلى مرحلةٍ مِن الإيمان بحقّ الجميع، لن تحصل على حقّك، وسنظلّ جميعاً  نركض في دائرة مقفلة.

الأردن: من نقد العنف إلى نقد النسوية

الأردن: من نقد العنف إلى نقد النسوية 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015