الحركة السياسية النسوية السورية في ميزان المنصات
الحركة السياسية النسوية السورية

حذام زهور عدي/ الفيحاء نت- حسناً فعلت الحركة السياسية النسوية السورية حين أعلنت ( في مؤتمرها التأسيسي الذي عُقد في باريس بين 22- 24/ 10) أنها ليست حزباً سياسياً جديداً، ولن تكون إحدى المنصات التي تتكاثر كالفطر في هذه الأيام بُغية إرباك المفاوضات وتشتيت الجهد المبذول من أجلها، وجميل أيضاً إعلانها عن دعوة نساء سوريات مارسن النضال السياسي أو الاجتماعي سابقاً انطلاقاً من خلفيات فكرية مختلفة وانتماءات اثنية ودينية متنوعة تُغطي النسيج الاجتماعي السوري في مختلف مناطقه، والحركة سبقت بهذا الإعلان والتشكيل رجال الثورة الذين لم يستطيعوا إلى اليوم تشكيل تجمع يضمهم جميعاً تحت قيادة واحدة كسوريين متنوعي المشارب لكنهم متفقون على العمل من أجل هدف رئيس واحد: هو تحرير سورية وضمان الحياة الديموقراطية فيها وإزالة نظام التوحش والبربرية، برموزه كلها وأولها رئيسه….

من خلال مخرجات مؤتمرها التأسيسي ذاك عَرَفت المجموعة  نفسها  ضمن بند (من نحن)بأنهن سياسيات سوريات ناضلن ضد نظام الاستبداد…..وبأن حركتهن هي حركة جامعة لسوريات بمختلف الخبرات والتجارب …..مؤمنات بمبادئ الديموقراطية والتعددية والمواطنة والمساواة الجندرية وتمكين المرأة ومشاركتها في جميع مناحي الحياة وجهات صنع القرار…واعتبرت أن تجمعها هذا هو مؤتمر تأسيسي للحركة التي ستستمر وفق خطة العمل المقترحة والتي نالت توافقاً ممن حضر( وهن ثمان وعشرون سيدة) عبر رؤية ومبادئ ومراحل، أما التوجه العام للحركة، فهو ينص على الالتزام:

– بالتغيير الجذري لبنية النظام الاستبدادي….

-بالحل السياسي السلمي ….

– برفع تمثيل النساء إلى 30% في جميع مراكز صنع القرار.

– بأهمية حماية المدنيين والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين قسرياً وفك الحصار عن المناطق المحاصرة وضمان عودة طوعية كريمة للمهجرين.

– بأهمية المسألة الكردية.

من خلال ذلك تتلخص الرؤية بالعمل على بناء دولة ديموقراطية تعددية قائمة على أسس المواطنة المتساوية دون تمييز.

كما تنص المخرجات على التزام المفاوضات بمرجعية جنيف الأولى والقرارات الأممية ذات الصلة، كذلك الالتزام بمحاسبة مجرمي الحرب والوالغين بدماء الشعب السوري، وترى الحركة بأن أولويات الملفات في عملها هي للملفات الإنسانية التي هي غير قابلة للتفاوض.

وقد عرضت المخرجات آلية العمل عبر مراحل ثلاث:

الأولى: المرحلة الحالية، حيث تنشط من أجل تواجد حقيقي على الأرض في الداخل وفي دول اللجوء والشتات، مع توسيع عدد أعضائها بدعوة الشابات المستقلات”!!!” وناشطات من المجتمع المدني وشخصيات من المنظمات النسوية والقيام بحملات إعلامية للتعريف بالحركة وأهدافها لتثبيت نسبة 30%في جهات صنع القرار وتطبيق رؤية الحركة على أرض الواقع….

الثانية: المرحلة الانتقالية: المشاركة الفعالة في صياغة الدستور الدائم لسورية ومواءمة القوانين مع الدستور، والعمل على تطبيق” العدالة الانتقالية من منظور جندري …..”؟؟؟

الثالثة: مرحلة سورية المستقبل: تطوير استراتيجيات ممنهجة من أجل تغيير الثقافة السائدة ونشر ثقافة اللاعنف ومكافحة الإرهاب……والعمل على دفع النساء وتنشيطهن وتشجيعهن على المشاركة الفعالة لتحقيق السلم الأهلي والنهوض بسورية المستقبل إلى أن تصبح الدولة المرتجاة….

تلقى عدد من السيدات الناشطات سياسياً فكرة الحركة نفسها ببرود، قبل الاطلاع على مخرجاتها، جعلهن يبتعدن عن المشاركة بها، وقد اعتمدت وجهة نظرهن على مسألتين:

– إن أي نضال في مؤسسات أو تجمعات نسوية منفصلة عن مؤسسات وهياكل المجتمع المدني للعمل الاجتماعي والسياسي العام لن تحقق أي أهدافٍ مما تتمناه الحركة، ولا سيما تطبيق مبدأ عدم التمييز وتنفيذ الاتفاقيات العالمية المعنية بوضع المرأة كاتفاقية السيداو، ذلك لأن المجتمع السوري بعمقه الشعبي وسنوات الجمود التي سببها نظام الاستبداد والتي كرست تخلفاً كارثياً لن يتجاوب مع مثل هذا التوجه، بنسائه قبل رجاله، وأن النضال لابد أن يكون نضالاً عاماً يجد صيغة مناسبة للتفاعل مع الكتلة الشعبية الأوسع للمجتمع السوري كله، هذا بالرغم من معرفتهن بالمبررات الموضوعية للنضال النسوي من حيث سيطرة المنطق الذكوري في أعلى مستويات صنع القرار، والذي يُخفي النضال السياسي الثوري  للمرأة حال انتصار الثورة بل قد يُطالب بإعادتها إلى قوانين عفا الزمن عليها وتجاوزتها الحضارة الإنسانية، كما ترى تلك النسوة، أن ما تقوم به الحركة ليس أكثر من صالون شبيه بالصالونات البورجوازية الفرنسية التي انتشرت بعد عصر الأنوار وأنها تبدو كأنها نخبة منفصلة عن واقعها في أحسن النوايا…

أما أسوأ النوايا فهي أن تتحول إلى منصة أخرى للمفاوضات” وفي صوغ المخرجات وأجواء المؤتمر شكوك حول ذلك”  يشجعها ويدفع إليها الموقف الشرقي والغربي الذي يتحدث إعلامياً دوماً عن مسألة حقوق المرأة العربية وكأن النصوص الدستورية للحفاظ على حقوقها المنفصل عن الحالة السياسية لنظام استبدادي هو الهدف الأسمى  الذي يحل مشاكل المنطقة كلها، كما تلفت وجهة النظر هذه إلى أن هيئة المفاوضات بحثت كثيراً عن نسوة سياسيات سوريات يملأن نسبة ال30% التي أقرها مؤتمر الرياض بعد أن طالبت بها بعض الحاضرات فيه، فلم تجد الهيئة العدد المطلوب لا لقلة عدد السياسيات السوريات وإنما لموقفهن السلبي من المشاركة…واستناداً لهذه الوقائع فإن النسوة المعارضات للحركة يجدن من الرفاهية غير المبررة الإعلان عنها في هذه الظروف المعقدة والمتشابكة…

والمسألة الثانية: يجدنها في استعراض ثورات العالم كلها الناجحة والمهزومة الذي لا يدل على وجود مثل هذه الحركة كتجمع منفصل عن مؤسسات الثورة بالرغم من مساهمة فاعلة وشديدة الأهمية لنضالهن، المتمثل بتحقيق المجتمع الديموقراطي الحر أولاً الذي هو فقط يفتح الطريق للنضالات النسوية بعد ذلك…

أما السوريات اللواتي كن ينتظرن مخرجات المؤتمر التأسيسي للحركة ليبدين وجهة نظرهن بها، فقد لاحظن أن معظم ما جاء بها من الرؤية والمبادئ وخطة العمل – سياسياً- يشابه ما جاء في ورقة هيئة المفاوضات مع ارتباك الفكرة أحياناً” وقد أشير إلى بعضه بإشارات التعجب والاستفهام سابقاً” إلا بمسألتين:

– عدم الوضوح حول وجوب تحميل النظام الأسدي مسؤولية رفض الحل السلمي السياسي والتلاعب بالمفاوضات الشكلية لغرض إعلامي بحت، مع التفاوت في صيغة المخرجات بين المرونة والشدة بحيث بدا الأمر وكأنه تلفيق لإرضاء المساهمات بعضهن لبعضهن الآخر، أما الموقف من موقع الأسد فلم يتوضح عبر الحديث عن المرحلة الانتقالية إنما من خلال صيغة عامة تربط تحقق مطالب الحركة بزوال وجوده، دون أفق زمني محدد له. ودون علاقة بما يُطرح من حلول في هذه الأوقات…

وقد كان التمايز الأوضح عن ورقة الهيئة هو الإصرار على النسبة النسوية 30% من مواقع القرار وهو اليوم مطلب نخبوي حمَال أوجه على هامش الوقائع التي تعيشها ثورة الشعب السوري وتعقيداتها…

إن ما يجعل وصف السيدات المختلفات مع الحركة بأنها تُشبه صالوناً بورجوازياً نخبوياً هو صور المشاركات التي افتقدت لتمثيل بعض المناضلات الشعبيات من الخنساوات- مثلا- اللواتي امتلأت وقائع الثورة السورية بهن أو من المغتصبات أو المهجرات وما عانين في البحار والفيافي، بل لم يجدن في ثنايا المخرجات أية أصوات تعالج مشاكلهن وتقترب من معاناتهن، وكانت تلك السيدات تتمنى أن تجد في حيثيات خطة العمل المطروحة آليات تعين مثلاً غلى انقاذ بناتهن و أطفالهن من التشرد والتجهيل والمرض والضياع وشبكات الدعارة والمتاجرة بتزويج القاصرات ومشكلات النساء الوحيدات…الخ  وتشكل لجاناً فعالة توظف علاقاتها الدولية من أجل ذلك، وتقدم تقاريرَ مطابقةً لواقع أعمالهن لإشراك الرأي العام العالمي والعربي والسوري فيما يقمن به.. ثم إن تنشيط الحركة بإضافة عناصر شبابية أمر مفهوم وواجب وبخاصة أن متوسط أعمار من شاركن بالمؤتمر التأسيسي بين الخامس والخمسين والستين لكن من غير المفهوم اشتراط أن يكن مستقلات أو شخصيات من المجتمع المدني أو الجمعيات النسوية” أي عدم قبول التجمعات” وهذا ما يقربهن من صيغة الحزب السياسي، مع تعريف المشاركات أنفسهن بأنهن من خلفيات متنوعة…

. لوجود حركات نسوية سياسية واجتماعية مبررات كافية تجد من يؤيدها وهي نسبياً وجهة نظر مقبولة، على ألا يكن صورة مشابهة من قريب أو بعيد للاتحاد النسائي الأسدي وإنما يعملن من أجل تطوير وحماية نساء سورية وليس لتلميع سلطة أو حزب أو لنيل شهرة على حساب العمل النسوي،

أما النقد السلبي للحركة من حيث التوقيت أو الشكوك والظنون بتوجهات مؤسساتها فمن الصعوبة البت فيها وإشارات تعقيد الحالة الثورية لا تُسهل حكماً قاطعاً فيه، وبخاصة أن عزل الرأي الذكوري في هذا ليس بالأمر الهين، كذلك فإن بعضهم  عاب عليها ندرة المحجبات فيها، واعتبرها لا تمثل أمه أو أخته بسبب ذلك، وغاب عنه أن معيار التمثيل لأي تجمع أو حركة سورية الآن هو مدى قربها أو بعدها عن أهداف الثورة وليس لبس الحجاب أو نزعه، وللمقابلة التي بثتها أجهزة إعلام السلطة الأسدية بين القبيسيات والأسد عبرة لمن يعتبر… فهل كانت القبيسيات مع حجابهن أقرب لتمثيل الأخت والأم من هذه الحركة؟؟

في هذا المقال المحدود من الصعب عرض ومناقشة الأمور كافة، إنما هو إطلالة ورأي ليس إلا…وبقدر ما يسر السوريات حراك بعضٍ من النخبة النسوية في تنشيط العمل السياسي للمرأة مع هيئة المفاوضات أو بدونها، في تحقيق النسبة المتمناة أو بتأجيلها لظروف أفضل، بقدر ما يُطالبن بالوضوح بالمواقف فيما يجري، والانغماس  بقضايا الشعب السوري وآلامه، وألا يتحدثن ويفكرن بلغة العقود الماضية إنما بلغة الوقائع المستجدة، تلك الوقائع التي تحتاج للعمل الشاق الطويل وتوفير كل دعمٍ مادي أو دقيقة زمنية من أجلها….

الحركة السياسية النسوية السورية

الحركة السياسية النسوية السورية

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015