الروائي عزيز تبسي: النساء حاضرات في كل ما كتبت وانتزعن حضورهنّ بجدارة
غلاف رواية "روائح عنبرية" للروائي عزيز تبسي

بسام سفر/ npasyria- نشر الروائي عزيز تبسي من مواليد حلب 1962، قصص “يوم ..كل يوم”، ورواية “روائح عنبرية”، ودرس التجارة والاقتصاد والأدب الفرنسي، ولكن مدة السجن الطويلة والظروف القاهرة التي تلتها حالت دون إتمامه الدراسة.

وقال الروائي في حديث مع نورث برس “إنّ النساء كنّ حاضرات في كل ما كتبت وانتزعن حضورهن بجدارة.”

وأضاف: “عملت في رواية روائح عنبرية، على استرداد عالم كنت أفتقده. استحضرته بتفاصيله الناعمة الحميمة، كأنني كنت أختبر ذاكرتي.”

وأشار إلى أن الحنين والأحلام في وصفه للشمال السورية ومدينة حلب، هما الأساس الذي نهضت عليه الرواية، والعجز عن التدخل في الوقائع التي غيرت عالم الأشياء بقسوة.

ونادرة هي الحوارات في الأحلام، في حين يطغى الوصف، بحسب “تبسي”، وقعت المسؤولية الثقيلة على كاهل الوصف، “كأنما صرخ عليّ: إياك النسيان. وهذا ما حاولت العمل عليه. محاولة تذكر تفاصيل كثيرة، بما يشبه غرزات إبرة في لوحة كانافا.”

“روائح عنبرية”

وقال إن ذلك لم يلغ الأسى الواقعي للرواية، صادف أن حضر إلى حلب، رجل من مدينة بحرية قد تكون بيروت أو اللاذقية، حاملاً معه زوارق صغيرة، يناسب حجمها مجرى النهر، واختار جسر منطقة (جبل النهر) مركزاً له.

“كنت طفلاً ولا أعرف حتى اليوم، ما الذي دفعني للذهاب بمفردي إلى ذاك المكان، لأقف فوق الجسر وأتأمل مشهد الفتيان الذين يستأجرون الزوارق، ويجدفون في النهر”، بحسب “تبسي”.

وتبدأ الرواية من هذا المشهد المستعاد كحلم، دعوة مؤجّر الزوارق للطفل الذي أصبح فتى، وأمسى بإمكانه ركوب الزورق بمفرده، ليصطدم بحقيقة جفاف النهر.

وانتقلت رغبة الفتى إلى ركوب الدراجة الهوائية، كتعبير عن إرادته بمتابعة حياته، حلمه، بين هذين المشهدين، بحسب رواية “روائح عنبرية”.

وتعبر الرواية عن سلسلة من التفاصيل الناعمة عن النهر والبساتين التي على ضفتيه وأحواض سقاية البساتين التي استخدمت كمسابح للأولاد، ورشات صيانة السيارات والشاحنات، الأحياء القريبة، ودفقات من الذكريات عن الأحياء، والعمارة والجيران، المدرسة والسينما والعائلة.

ويعد الأرمن من “المكونات التاريخية لسكان مدينة حلب، يعود حضورهم الذي وثقته كتب التاريخ إلى خمسة قرون، أي قبل المجازر الأرمنية المتعاقبة، التي تحولت في عام 1915 إلى إبادة جماعية.”

كما كان لهم “حضورهم التاريخي في مدن وبلدات عينتاب كلس وأنطاكية ومرعش وأورفة، التي كانت جزء من ولاية حلب في فترة حكم السلطنة العثمانية”، بحسب الروائي.

ولهذا أخذ “الأرمن حيزاً يستحقونه في الرواية. لا تشكل الكتابة عن المذابح والحروب إغراء للروائي، إلا بوصفها اختباراً لقناعاته الإنسانية، وانحيازه للشعوب المضطهدة.”

وقال: “كتبت الرواية عام 1995، والتي تبدأ أحداثها في الستينات وتنتهي أواسط السبعينات، أي قبل الانتفاضة الشعبية آذار 2011.”

“علاقة الحواس”

وعن حاسة الشم وعمل النساء في المخللات والتوابل، قال الروائي: “حاولت كتابة نص يوطد العلاقة بالحواس كلها لا بالشم وحده، حضرت المخللات والتوابل والروائح بغيابهن.”

وأضاف: “لم يكن حولي من كل ذلك إلا طعام القراوانة، الذي لم يتعد ثلاثة طبخات افتقدت إلى الروح والنفس الزكي، طعام أكلته مع رفاقي السجناء لزمن قارب ستة عشر عاماً.”

وأشار إلى أن النساء حاضرات في كل ما كتب، “تتسللن بخفة إلى المشهد وتنتزعن حضروهن بجدارة، تحضرن بكعوبهن العالية وأقدامهن الحافية، بكبريائهن وانكساراتهن، تسبقهن دعواتهن ورجائهن، محملات بعطورهن الناعمة، وروائح الثوم والبصل والشمرا والسكر المحروق، قشور البرتقال وخمائر الكرز.”

وعن علاقته بمدينة حلب قال: “ولدت وعشت أغلب عمري في حلب، عرفت معظم أحيائها وأهلها بمنابتهم المتنوعة، اقتصرت علاقاتي على طلاب مرحلة الثانوي والجامعة قبل السجن، وثقت علاقتي بها بعد الإفراج عني، أسير لساعات طويلة في شوارعها.”

وأضاف: “أُحادث الناس واستفسر بفضول عن الكثير من الأشياء التي أفكر بها، أستوثق من المعلومات التي قرأتها في كتب مؤرخيها القدامى والمعاصرين، والأبحاث التي كتبها البحاثة الأوروبيين، حين ينهكني التعب أبحث عن مقهى أو أجلس على الرصيف، أدخن وأحتسي القهوة.”

وتعمّقت علاقة الروائي بحلب بعد عام 2011، بدء الحرب السورية، التي آلت بزمن قصير إلى احتراب أهلي، وتدخل خارجي ، أوصل الصراع العسكري إلى المدينة في تموز/ يوليو 2012، بحسب “تبسي”.

وأدى الصراع العسكري إلى تقسيمها، وخوض حرب شوارع بين أحيائها وشوارعها وأسواقها، “حلب اليوم لا تشبه حلب، مدينة خامدة معتمة منكسرة، نصفها مدمر وغير صالح للسكن والعيش، هجرها نصف أهلها إلى مدن أخرى أو إلى خارج البلاد.”

“صراع الهويات”

وعن اختيار الأسماء قال الروائي: “الناس تختار حسب المعتقد الديني أو القومي، وحلب منذ خمسة قرون على الأقل مدينة استوعبت هويات متعددة، أغلب الناس يبحثون عن المشتركات التي تجمعهم، ولا تعيق استمرارهم في طلب الرزق واستمرار حياتهم، رغم رهان العديد من القوى السياسية على صراع الهويات.”

وأشار إلى أنها تعتمد “الصراع السياسي بعد إلباسه الهوية الدينية والقومية، وصراع الهويات صراع يفضي إلى نتائج كارثية.”

وأرجع “تبسي” تلك النتائج، “لأن المتصارعين يحولون هوياتهم الحقيقية إلى متخيلة نقية متعالية، ويخفضون من قيمة هوية أعدائهم ويحتقرونها ويلصقون بها صفات شائنة لتسويغ إقصاء حامليها، وقتلهم.”

وقال إنه اعتمد في اختيار شخصيات روايته على “شخصية حقيقية فهي السيدة (وردة شد)، التي عملت مع زوجها في الفرن، وكافحا معاً للثبات في هذه المهنة الشاقة، وشيدا بعدها فرناً خاصاً.”

والفرن الواقع في أطراف حي السليمانية، والذي قدم الخبز للناس لثمانين عاماً، هدم في أواخر القرن الماضي، مع البناء السكني الجميل الذي يعلوه وأعيد بناء فرن جديد، لازال السكان يطلقون عليه فرن (وردة) رغم تجديده وتبدل مالكه، بحسب الروائي.

وعن الانقلابات في روايته قال: “الجيش هو القوة الأكثر تنظيماً ومبادرة وقدرة على التغيير. الانقلابات نتيجة وليست سبباً. أي أنه جهاز غير محايد في الصراعات السياسية.”

ولكن “الجيش في الدول التابعة يعرف حدوده جيداً، ما يجهل ذلك هم المعولون على الجيش، عبر منحه مهاماً هو عاجز عن تنفيذها”، بحسب “تبسي”.

وعن النكسة قال: “تعكس الحرب، وفق تعبير لينين، ميزان القوى بين أمتين، لم يقل بين جيشين. بإشارة إلى العوامل اللامرئية في ساحة المعركة: الاقتصاد، المؤسسات، التنظيم الاجتماعي.”

وحين لا يرغب الجيش الاعتراف بهزيمته، يعني أنه لا يريد محاسبة المسؤولين عنها، “استبدل هزيمته بالدبكات والرقصات، التي تتخيل سحق العدو والانتصار عليه”، بحسب الروائي.

وقال عن شخصيات قصص “يوم ..كل يوم” الصادرة في2015: “عشت القصص وعايشت شخوصها وأبطالها، المعتقل أوسع مما كُتب عنه، الاستبداد السياسي والأيديولوجي المتجذرين في الثقافة العربية، حاول الروائيون والقصاصون إضاءة هذا العالم المعتم الأسود، برغبة وإرادة لتجاوزه إلى فضاء الحرية، واحترام الإنسان وتكريس حقوقه.”

وأضاف الروائي عزيز تبسي، لنورث برس: أنتمي لجيل مفجوع، كل القضايا التي واجهها، وقدم في سبيلها التضحيات الكبيرة، كتبت القصص في بداية 1991 في زمن انكسار اليسار العالمي، وانهيار التجربة السوفياتية.

 غلاف رواية “روائح عنبرية” للروائي عزيز تبسي

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015