فاديا حج فاضل/ayyamsyria- تعتبر مؤسسة الزواج، المؤسسة الأكثر أهمية من بين مؤسسات المجتمع، وهي اللبنة الأولى لبناء مجتمع سليم. هذه المؤسسة كغيرها من المؤسسات في سوريا، تعرّضت للكثير من الخلل والانهيار، بسبب ظروف الحرب التي يعيشها المجتمع السوري. والتي آثرت بشكل كبير على بنية الأسرة السورية، ودفع الرجال كما النساء فاتورة الخراب الذي طال بنى المجتمع.
الأنثى تدفع الثمن مضاعفاً
إلا أن الأنثى دائماً ما تدفع ثمناً مضاعفاً في مثل هذه الظروف السيئة مقارنة بالرجل، لأنها وحسب قوانين المجتمع الذكوري المسيطرة هي المخلوق الأضعف، غير القادر على العيش باستقلالية، إضافة للتعامل معه ككائن جالب للفضيحة لو لم يُحسن تربيتها أو التعامل معها.
فالأنثى وفي ظل غياب الدور الحقيقي للمؤسسات والجمعيات والمنظمات العاملة في الحقل النسائي وشؤون المرأة، تدفع الضريبة مضاعفة، ويقع عليها العبء الأكبر.
زواج القاصرات
من المشاكل الكبيرة التي انتشرت هذه الأيام، زواج القاصرات، والتي للأسف تحوّلت إلى ما يشبه الظاهرة، وخاصة بعد انتشار الكثير من الفتاوى الدينية التي أطلقها شيوخ الفجع الجنسي، والتي حلّلت هذا النوع من الزواج، بل، ودعت إليه، واعتبرته واجباً شرعياً في ظل الظروف الحالية، حتى تجرأ البعض منهم لاعتباره جهاداً، ترافقت هذه الفتاوى مع رغبة الأهالي بتزويج بناتهن الصغيرات تحت بند السترة ودفع البلاء.
حول العالم
ظاهرة زواج القاصرات تنتشر في عدة بلدان حول العالم، وتتصدر الهند المرتبة الأولى بأعلى عدد من حالات زواج القاصرات، حيث يتجاوز عددهن العشرة آلاف حالة. وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار هذه الحالات من الزواج، بينها الفقر وضعف الأوضاع الاقتصادية، وكلها عوامل تدفع الأهل إلى تزويج بناتهن القاصرات للحد من النفقات. وربما لو وجدت الإحصائيات الدقيقة لحالات الزواج في سوريا في السنوات الأخيرة، لربما وجدنا سورية في المرتبة الأولى عالمياً وخاصة لو حسبنا النسبة المئوية حسب عدد السكان.
أسباب الزواج المبكر
انتشرت ظاهرة الزواج المبكر، وبتنا نجد تكرر حالات زواج فتيات لم يبلغن الخامسة عشرة من عمرهن، تحت مبررات يعتبرها البعض منطقية، والأحوال هي من اقتضت ذلك، أو أن هذا الحل أفضل لها من أي حل آخر، أو بسبب الأحوال المادية السيئة، ومشاكل النزوح التي فرضت أن تعيش أكثر من اسرة واحدة في بيت مشترك، ودرءاً لوقوع الأنثى فريسة لابن عمها أو ابن خالها، الذين يعيشون معها في نفس المنزل يتم تزويجها لأول خاطب يتقدم لخطبتها، إذا لم يتزوجها أحد أقاربها الساكنين معها. هذا ناهيك عن الزيجات التي تتم في مخيمات النزوح، والتي تتم من رجال من جنسيات عربية مختلفة، وتحولت إلى ظاهرة متفشية، وصار لها مكاتب لتسيير الزواج.
الحاجة إلى الاستقرار الأمني يشكل عاملاً بين العوامل الأخرى التي تدفع الأهالي إلى تزويج بناتهن، خصوصاً في المناطق التي تنتشر بها حالات الاعتداء والعنف الجسدي. ومن الأسباب الأخرى تناقل العادات والتقاليد والتي يصعب التخلي عنها أو معارضتها. ومن بين أبرز الأسباب الأخرى الطبيعة الاجتماعية الناتجة عن مكانة الذكور الأعلى في المجتمع مقارنة بالإناث، والتي تجعل من الإناث الحلقة الأضعف فلا يترك لهن خيار إلا القبول بالزواج.
فتاوى تساعد على الزواج المبكر
أحد الشيوخ برر هذه الحالة بقوله: “ليست هناك أي مشكلة، الزواج سترة، وليس فيه أي عيب طالما يتم على سنة الله ورسوله، وموضوع السن القانونية بدعة كافرة الهدف منها قطع نسل المسلمين، لعن الله هذه البدعة ومن يعمل على تسويقها، الزواج سنّة دينية، وكل فتاة أدركها الحيض تكون صالحة للزواج، وكل ما عدا ذلك كفر وهرطقة”.
الزواج المبكر والطب النفسي
يقول الاستشاري في الطب النفسي الدكتور محمد: “الزواج المبكر يمنع البنت من استكمال التعليم، وعندما تقارن نفسها بزميلاتها تشعر بالنقص ويمكن أن تشعر الأسرة باكتمال جسدها ولكنه في الحقيقة لم ينضج بعد. وزواج البنت في سن مبكرة لا يتيح لها تلقي أي شكل من أشكال الثقافة الجنسية، كما أنها لا تستوعب في هذه السن الصغيرة حيثيات البلوغ، وقد تصدم من الاتصال الجنسي المبكر، لتشعر به كشكل من أشكال الاغتصاب فتصاب بالخوف الشديد والتشنّجات”.
يضيف د. محمد، “طبيعة الشخصية الإنسانية لا تكتمل معالمها الأساسية في السن من 12 إلى 18 سنة، وحين يتم تزويج البنات في هذه السن يقوم الزوج بتشكيل شخصيتهن بدلاً من البيت والعائلة، ويغيب دور الأسرة ليحل محلها دور الزوج، وهذا يسبب رضّاً نفسياً”.
مشاكل الزواج المبكر
المشكلة لا تتوقف فقط عند الزواج المبكر، بل تتعداها إلى وقوع حالات طلاق كثيرة بين هذه الزيجات، فالأوضاع السيئة والصعبة التي يعيشها السوريون جميعاً، لا تجعل من هكذا حالات قابلة للاستمرار والحياة.
الطامة الكبرى أن الكثير من حالات الزواج لا تكون موثّقة بشكل رسمي، وأغلبها زواج عُرفي بورقة يسجلها شيخ ما، وهذا ما يجعلنا أمام مشكلة من نوع جديد وهو ضياع النسب ووجود الكثير من الولادات التي لا يعترف بها الأب.
تروي كريمة أنها تزوّجت عندما كان عمرها 15 سنة من رجل سعودي عمره 46 سنة بعقد عُرفي لعدم إكمالها السن القانوني، “عندما أبلغتُ زوجي أنني حامل في شهرين، قام بطردي من المنزل مبرراً أننا لم نتفق على ذلك، وبعدها بفترة قصيرة مات زوجي بحادث سير، ولم أقدر على تسجيل ابني، ولم يعترف أهل زوجي بالطفل كي لا يكون لي أو له أي حقوق”.
هل الأمر يعود الى الظروف التي يعيشها البلد فعلاً أم أن الظروف السيئة تكشف الغطاء الحقيقي عن التخلّف؟
هل الأنثى تمثّل عبئاً لدرجة رميها تحت مسمى الزواج والسترة؟
أليست هي من تمثّل الشرف، فكيف يرمون بشرفهم؛ وهم على يقين أن الفتاة الصغيرة ستفشل في إدارة أمور حياتها الجديدة؟
مشكلة كبيرة قد لا نشعر بآثارها الضارّة في يومنا هذا ولكنها تُنبئ بكوارث مجتمعية سيدفع ثمنها السوريون والمجتمع السوري في قادم الأيام.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.