واجهت النسبة الأكبر من اللاجئين ظروفًا صعبة في أوطانهم دفعتهم لمغادرتها، وعانوا الكثير في طريقهم إلى بلدان اللجوء. ومعلومٌ أنّ النساء هنّ أكثر الفئات تضرّرًا في الحروب والأزمات، لاسيما في بلدان تتعرّض فيها المرأة للتمييز والعنف والنظرة الدونية، كالبلدان التي قدم منها مئات ألوف اللاجئين إلى أوروبا. وقد تعرّضت النساء خلال رحلة اللجوء إلى تجارب قاسية أضيفت إلى ما يحملنه من معاناة.
ألمانيا/ أبواب-ذلك الرصيد من الألم إضافة إلى الكثير من القيود التي كرّستها العادات والتقاليد الموروثة، كثيرًا ما تحدّ من فرص النساء للانخراط في مجتمعات البلدان المضيفة، التي تضمن لهنّ الحماية القانونية وتمنحهنّ حقوقًا لطالما افتقدنها في بلدانهن الأصلية. انطلاقًا من هذه المعطيات بدأ “الاتحاد الألماني للمنظمات النسائية المهاجرة DaMigra” بمشروع “MUT” أو “الشجاعة والقدرة، SEID MUTIG MACHT MIT”، لدعم النساء اللاجئات وتمكينهنّ.
مشروع “الشجاعة والقدرة، SEID MUTIG MACHT MIT”
السيدة آنّا غريشاكه (Anna Greshake) منسقة المشروع في مدينة لايبزيغ، قدّمت لأبواب شرحًا عن “MUT” والغاية منه بالقول: “يقوم المشروع على تمكين المرأة وحقوق الإنسان، ونعمل على تعريف النساء اللاجئات والمهاجرات بحقوقهن في ألمانيا. للنساء احتياجات ومصالح خاصة بهن، فلا يجب أن تُترك خياراتهن رهنًا لمشيئة الآخرين. لهذا نرغب في بناء الجسور بين النساء المهاجرات واللاجئات اللواتي عشن في بلدان لا تنظر إليهن كأعضاء متساوين في المجتمع. نريد مساعدتهن على امتلاك الشجاعة للحديث وتبادل خبراتهن حول مشكلاتهن وتجاربهن القاسية، كخطوة نحو امتلاك القدرة على تجاوزها والشروع بحياة أفضل تقوم على الاستقلالية والمبادرة، وتعزيز المشاركة الاجتماعية”.
نشاطات المشروع
أما عن الشق العملي، فتقول آنا: “نشاطاتنا متعددة، كورشات العمل حول حقوق الإنسان وحقوق المرأة، والدورات الإعلامية التي تغطي مواضيع مثل تربية الأطفال والتعليم والصحة، فضلا عن تنظيم زيارات إلى أماكن عامة كالمكتبات والنوادي الرياضية والمراكز الاجتماعية، ومن خلال ذلك يمكننا التعرف جيدا على ما تريد النساء معرفته والقيام به لأن اللاجئات يردن أن يفعلن أكثر من الطبخ والخياطة في ألمانيا”.
“أبواب” التقت السيدة علياء أحمد، الباحثة السورية والمدربة في قضايا المرأة والطفل، التي نفّذت عددًا من ورشات العمل ضمن المشروع. تقول علياء: “كانت فرصة رائعة أن أشارك مع منظمة DaMigra من خلال ورشات العمل التي تستهدف النساء اللاجئات وتفتح أعينهن على حقوق جديدة في المجتمع المضيف. وبحكم وصولي حديثًا إلى ألمانيا فقد قدم لي المشروع دعمًا نفسيًا كبيرًا بدعوتي للمشاركة فيه كمدربة واحترام خبراتي السابقة، وهذا يعكس جدّية هذه المنظمة النسوية وسعيها إلى تنفيذ رؤيتها الحقوقية على أرض الواقع بدون تمييز. لست الوحيدة طبعًا فهناك كثيرات حظين بفرص مماثلة مع DaMigra”.
إيجابيات اللجوء في ألمانيا
وعن رأيها في أحوال النساء اللاجئات، تقول علياء: “بالنسبة للنساء فإنّ إيجابيات حالة اللجوء في ألمانيا لا تقل عن سلبياتها، بل إنها تفوقها في كثير من النقاط في بلد تستند قوانينه إلى حقوق الإنسان كمرجعية للجميع لا يمكن تجاوزها. على سبيل المثال، المطالبة بتشريعات وآليات تحمي الطفل أو المرأة من العنف الأسري كانت هاجسًا أساسيًّا لمختلف المنظمات والمختصين في سوريا، في حين نجد هذا متاحًا بسهولة وبوسائل متعددة في ألمانيا، وتعمل منظمات عدة مثل DaMigra على توعية النساء اللاجئات بهذه الحقوق وحمايتهن من جميع أشكال العنف، ونشر الوعي بثقافة تربية الأطفال اللاعنفية”.
“التربية اللاعنفية”
“التربية اللاعنفية” كانت موضوع أولى ورشات علياء في المشروع، حيث ركّزت على حقوق الطفل، وكيفية التعامل مع الأطفال بعيدًا عن العنف، ونتائج العنف نفسيًا واجتماعيًا وقانونيًا على الأسرة. فيما كانت الورشة الثانية عن العلاقة بين الرجل والمرأة واختلاف الأدوار الجندرية هنا عن تلك التي كانت سائدة في المجتمع الأصلي، والتي تكرس تمييزًا ضد النساء وحرمانًا لهن من حقوق كثيرة. حيث تختلف عن الأدوار الجندرية في المجتمع الألماني، مما يستوجب توعية النساء بوجود هذه الفوارق وماهية الحقوق الجديدة.
وردًّا على سؤال أبواب حول هذا الموضوع أجابت الباحثة علياء: “تحمّلت اللاجئات أعباءً كثيرة هربًا من الحرب والظلم في بلادهن، وهن بحاجة ماسة للبدء من جديد، والقانون هو المساعد الأساسي لهن في ذلك، لكن كثيرات لا يعرفن حقوقهن، وكثيرات من اللواتي يعرفنها لا يتجرأن على المطالبة بها خوفًا من الأحكام الأخلاقية للمجتمع اللاجئ الذي يحمل تقييماته الخاصة وأحكامه المسبقة، وبالتالي لابد من رفع مستوى الوعي بهذه الحقوق ودعم النساء للمواجهة بشجاعة في حال تعرضهن لأي انتهاك، وليبدأن بتغيير الأدوار التي كانت مفروضة عليهن”.
المساواة بين الجنسين ومفهوم النساء المسترجلات
كما أكّدت الباحثة أنّ هذه ليست بالمهمة السهلة وأن التحديات كبيرة، لأن الكثير من النساء مازلن يعتقدن بنمطية أدوارهن، وختمت بالقول: “للأسف هناك نساء يعتبرن أي محاولة للمساواة الحقوقية بين الرجال والنساء تهديمًا لبنية الأسرة أو محاولات فاشلة من (نساء مسترجلات) وفق تعبيرهن، أو أنها خطط حتى ينسى اللاجئون قيمهم وعاداتهم الأصيلة مقابل الاندماج المرفوض مع المجتمع الجديد وقيمه”.
ورشات العمل
منسّقة المشروع آنّا، علقت على ورشات العمل بالقول: “كانت ردود فعل المشاركات إيجابية جدًا. فقد تفاعلن وأبدين سعادةً واهتمامًا كبيرين بهذه الفرصة للحصول على التثقيف الحقوقي والقانوني بلغاتهم الخاصة. وأود أن أشكر علياء أحمد لمساهمتها الكبيرة في مشروعنا، فهي ضربة حظ بالنسبة إلي، لأنها تملك القدرات اللازمة لقيادة هذا النوع من ورش العمل، وعلينا في ألمانيا أن نفتح أعيننا ونتعرف على خبرات ومهارات القادمين من بلدان أخرى”.
وختمت آنا بالقول: “لقد تكوّن لدي انطباع بأن هناك حاجة كبيرة لحصول اللاجئين على معلومات حول حقوق الإنسان في ألمانيا، وأعتقد أن الرجال والفتيان أيضا بحاجة لهذا النوع من المناقشات والتعليم، ونأمل أن تقدّم الحكومة الألمانية المزيد لدعم المشاركة الاجتماعية للجميع الذين يعيشون في هذا البلد”.
انطباع إحدى النساء المشاركات
صباح نجّار، سيّدة سورية من حلب، شاركت في ورشات العمل وتحدّثت لأبواب عن انطباعاتها. تقول السيدة صباح: “مواضيع الورشتين كانت مهمة والنساء بحاجة كبيرة للتوعية بها. فورشة التربية اللاعنفية تناولت العنف وأنواعه وأسبابه بشكل واضح وسهل الفهم لكل شرائح النساء. هذا أعطى نتيجة إيجابية بتفاعل المشاركات مع الموضوع وأداء بعض الأدوار التمثيلية لأشكال العنف”. ولاحظت السيدة صباح أن موضوع الورشة الثانية “الرجل والمرأة واختلاف الأدوار الجندرية” كان جديدًا على أغلب المشاركات، “لكن طريقة المدربة السهلة والبسيطة والواضحة سهّلت الفهم وساهمت في تفاعل المشاركات مع الموضوع”، وفق تعبيرها. وترى السيدة صباح أنّ هذه الورشات مهمّة ومفيدة، وتدعو النساء للمشاركة فيها.
يُذكر أنّ مشاريع “الاتحاد الألماني للمنظمات النسائية المهاجرة DaMigra” منتشرة في جميع أنحاء ألمانيا، وتديرها نساء يقمن بدور “بناة الجسور” للاجئات، وفضلاً عن مشاريع التمكين، تُقدّم الاستشارات والمساعدة القانونية اللازمة للنساء.