سلوى زكزك/ شبكة المرأة السورية- “ما جمعه الله لا يفرقه إنسان” … يُنسب هذا القول للسيد المسيح في معرض إجابته على سؤال هل يحق للرجل أن يطلق امرأته؟
يُعتبر الزواج في المسيحية رباطاً مقدساً مبني على كلمة الله وبالتالي يجب أن يدوم هذا الزواج ولا يٌحل بقوة سلطان بشري إلا بالموت.
أي أن الطلاق مرفوض في المسيحية، ولذلك تتم الإشارة إلى عبارة فسخ الزواج أو انحلال الزواج بدلاً من عبارة الطلاق، لأن الطلاق إرادة بشرية بينما الفسخ والانحلال هي توصيفات محددة بديلة لعملية الطلاق يقوم بها رجال الدين والكهنة لأنهم المؤتمنون على الأسرار الإلهية على الأرض ومن بين هذه الأسرار سر الزواج.
إلا إن المرجع الأول الذي يُعتمد عليه لتبرير الطلاق وإجراءاته هو الكتاب المقدس الذي ينص على أن (من طلق امرأته لغير علة الزنى يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني) (إنجيل متّى).
في النص السابق ثمة تمييز مرعب يحدد أن الرجل فقط من يحق له أو من يكون له قرار الطلاق وفي شرط واحد هو الزنى حصراً.
إلا أن تطور حركة المجتمع وحيوية الوجود الفاعل للمرأة في الحياة العملية والعامة والتغير اللافت لتمركز رأس المال العائلي وانزياح سلطة رجال الدين المسيحيين بشكل واسع وقيم العدالة وحقوق المرأة ونواظمها المرجعية في الاتفاقيات الدولية بدءاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وصولا إلى القرار رقم 1325 لعام 2000, إضافة إلى تعقيدات حياة زوجية قاهرة وغير منصفة وازدياد عدد المشاكل الأسرية والقانونية التي تنتج عن ترهل حقيقي متجاهل للعلاقات الزوجية وانهيار كامل لعائلات تستبطن خلافاتها وتجترها تحت ذريعة الحفاظ على العائلة ، وأية عائلة تلك! كما أن وجود رجال دين لديهم رغبة حقيقية بنفض الغبار عن هيكلية الكنيسة المتسلطة على تفاصيل الحياة الزوجية والعامة عند المسيحين كلها دفعت لإيجاد نواظم ومحاكم خاصة بإجراءات الطلاق والانفصال عند المسيحين بفوارق متباينة ما بين كل طائفة وأخرى.
ومن الاجتهادات التي تحلل أو تبرر الطلاق عند المسيحين ما يلي من النقاط:
_الزنى وتدنيس قدسية الزواج من قبل أحد الطرفين.
_إصابة أحد الزوجين بالجنون والانفعالات النفسية غير القابلة للشفاء.
_ترك أحد الزوجين بيت الزوجية دون علم الآخر لفترة طويلة لأكثر من ثلاث سنوات.
_عندما يكون زواج أحد الأطراف بالإكراه.
_مرض أحد الطرفين مرضاً مزمناً، وخاصة الزوجة، ومن الأمراض المذكورة كمبرر للطلاق هو مرض السلس البولي، أو التبويل بالفراش.
_عند تهديد أحد الطرفين حياة الآخر بصورة جدية (القتل أو محاولة القتل العمد) على أن يوجد ضبط شرطة أو تقرير طبي يثبت ذلك.
_وثمة قضية أخرى مسكوت عنها وهي حالة غير شائعة، وهي تغيير الدين ,كأن يشهر مسيحي إسلامه، لكنها غالباً ما تكون في جوهرها عملية التفاف على كل القيود المفروضة على الطلاق للفوز بالطلاق بصورة سريعة دونما تعقيدات ومقابلات ومواجهات ونفقات طائلة، مع الإشارة إلى أن بعض حالات تغيير الدين أو إشهار المسيحي لإسلامه قد تكون لرغبة بالزواج من سيدة مسلمة. وهنا وبعد إشهار الرجل المسيحي لإسلامه يصبح أولاده ما دون الثامنة عشرة مسلمين حكماً تبعا لديانة والدهم الجديدة ويترتب عليهم بعد وصولهم لسن الثامنة عشرة من رفع دعوى قضائية لتثبيت دين الميلاد، أي الدين الذي ولدوا عليه.
وعلى الرغم من توفر هذه المبررات والاجتهادات إلا أن السائد في إجراءات الطلاق أو الفسخ أو حل الزواج هو التلكؤ الشديد والمبرر بذريعة ترك فرصة لإصلاح ذات البين ما بين الزوجين. هذا عدا عن ضرورة تعيين محام لكل طرف، وهذا يسبب تكلفة عالية نظراً للوقت الطويل وللإجراءات البطيئة، وخاصة مواعيد الجلسات التي لا تتعدى ثمانية جلسات في السنة الواحدة، مع الإشارة إلى أن أقصر عملية طلاق تستغرق السنتين في الحد الأدنى. ولابد من التذكير بالمحاكم التي تطالب بتثبيت الهجر الجسدي بين الزوجين لمدة لا تقل عن العامين ينظر بعدها في القضية، عدا عن إجراء اسمه الاستئناف لتثبيت عملية الطلاق ومن بعدها المصادقة على الحكم ومن ثم إعلانه.
إلا أن الصورة النمطية التي تحصر القائمين على عملية الطلاق عند المسيحيين برجال الدين والكهنة عبر استحداث محاكم مذهبية تتبع لكل طائفة وعددها يتجاوز العشر مذاهب، لابل أكثر. ويترأسها الكاهن ويساعده في ذلك كاتب المحكمة، وهو ذو صفة دينية أيضاً. هي صورة مربكة، فالكاهن ليس محامياً ولا رجل قانون، ويسعى في مداخلاته وأسئلته، وفي شكل إدارته للجلسات إلى لعب دور الوصي الديني و الواعظ أو المحرض على الأخلاق والالتزام بالكنيسة وتعاليم المسيح حسب مذهبه تحديداً، ولا يتمكن من فصل القيم الدينية عن مجرى الحدث المفترض أن يكون قضائياً وليس كنسياً، مما لا يمكنه الوصول إلى عتبة الحقوقي، حتى الحقوق يظهرها بوضعها الإلهي والدعوي وليس القانوني.
إن المحاكم المذهبية، بغض النظر عن قضية الطلاق هنا، هي عملياً مظهر لفسخ وحل لروابط وعرى أسس التوافق الجمعية التي يفترض أن تكون واحدة بغض النظر عن المذهب والطائفة، ويبدو القانون متنكراً بزي النص الديني ومستباحا على يد رجال دين لا ينتمون للأسرة القانونية ولا يكترثون لضرورة وجود قوانين أسرة تشمل الجميع بغض النظر عن المذهب والطائفة والدين.
إن ولادة قانون أسرة عصري متكافئ ما بين الرجل والمرأة يرعى حقوق كل الأفراد بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وبهيئة قانونية وليست شرعية مدربة وخبيرة وقادرة على الفصل والحكم الموضوعي والمتساوي بين الجميع وللجميع، هو الحل الأمثل لبناء مجتمع متآخٍ متعاضد ومتساوٍ وهو المآل والبداية.