خلود العامري-بغداد/ جريدة الحياة- وضعت شروق جاسم يدها على جبهتها لتخفي آثار الضرب الذي تعرّضت له على يدي زوجها، ثم توجهت إلى الشارع القريب من منزلها واستقلت سيارة أجرة برفقة أطفالها الثلاثة متجهة إلى بيت أهلها، وقبل وصولها إلى المكان إستأذنت السائق كي ينتظرها لتجلب له الأجرة من والدتها، لأن زوجها طردها ولا تحمل فلساً واحداً.
لم يبدُ على سائق الأجرة الإستغراب، فقد فهم من خلال حديث الأطفال مع والدتهم وبكاء إثنين منهم ما حصل. ولم يشأ أن يتدخّل خوفاً من أي مشكلة قد يتعرّض لها، ووافق على الإنتظار بضع دقائق قبل ان يخرج شقيق المرأة الذي بدا أكبر بقليل من أولادها ويعطيه الأجرة، فإنطلق في حال سبيله.
الوالدة استقبلت إبنتها بوابل من الشتائم بحق زوجها الذي بدت آثار ضربات يديه واضحة على وجه شروق وأجزاء من جسمها، وتوعّدت بأن ترد له الصاع صاعين وأن تسلّط عليه أخوتها للإنتقام. فردّت شروق (28 سنة) بأنها لا تريد أن تتسبب بأي مشكلة بين زوجها وأشقائها وإكتفت بالصمت.
العنف الأسري الذي تحوّل الى ظاهرة يصعب علاجها في بيوت عراقية، تتعرّض نساء كثيرات مثلما تعرضت له الأم الشابة، لكنهن يحاولن استنفاذ الحلول كلها قبل اللجوء إلى القضاء أو إلى «مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري» التابعة لوزارة الداخلية، أو حتى إلى منظمات المجتمع المدني المهتمة بالأمر.
فالوصول إلى الباب الموصد وعدم نجاح الحلول التي تتبعها نساء مع العنف، غالباً ما يدفع كثيرات في النهاية إلى اللجوء إلى العائلة لحل القضية بأقل الخسائر، فيما تضطر أخريات إلى التحمّل بسبب وجود أطفال.
راجحة أحمد (32 سنة) تتعرّض هي الأخرى إلى العنف بين حين وآخر، لكنها لا تفصح لأحد سوى لشقيقتها إيمان التي تقدّم لها النصائح، وتحاول أن تخفي سرها عن العائلة.
تقول راجحة، (إسمها مستعار حفاظاً على أسرارها العائلية): «أخفيت طويلاً الأمر عن أقرب الناس لي، ظناً مني أن زوجي سيتوب يوماً وسينتهي الأمر. لكنه إستمر على سلوكه أكثر من 10 أعوام حتى اضطررت للجوء إلى أسرتي، وتحديداً إلى شقيقتي الكبرى التي اعتبرها مثل والدتي، وهي من ساعدني على إنهاء الأمر». وتضيف: «إكتشفت ان زوجي صاحب شخصية ضعيفة ومهزوزة ويستقوي عليّ فقط، فأبلغت شقيقتي التي جلست بهدوء مع شقيقيَ وأعدوا خطة لتخليصي من العنف، وبالفعل تم ذلك بعدما هددوا زوجي علناً بتطليقي وترك أطفالي الخمسة معه ليتحمّل مسؤوليتهم.
وبعدما كنت أدافع عنه أمام عائلتي، وافقت على مقترحهم بحسب اتفاق مسبق وقلت لهم أمامه انني أوافق على الطلاق منه وترك أطفالي معه لأنه في النهاية والدهم، وسأتزوج إبن عمي بعد إنتهاء العدّة الشرعية».
الزوج الذي أمضى أعواماً في ضرب زوجته وكسر هاتفها الخليوي ليمنعها من الاتصال بعائلتها، استغرب موقفها المستجد بعدما رضيت لسنوات بتصرفاته. ولأن عائلة راجحة تمّسكت ببقاء ابنتها وطردته من المنزل، راح يتوسّط كي تقبل بأن يبقى أصغر أطفاله مع والدته. ولأن أهل زوجته نفذوا خطتهم بإحكام، اضطر للتعهّد أمامهم وأمام وعائلته بعدم ضربها مجدداً.
تقول راجحة وهي تبتسم «عند عودتي الى المنزل بعد أسبوعين من آخر مشكلة بيننا قال أنه لن يفعلها مجدداً، وأنه لم يتوقع أن أفكّر يوماً بترك أطفالي والزواج من رجل آخر، ولم يخطر في باله حتى هذا الأمر، ومنذ ذلك اليوم إنتهى العنف من حياتي».
وتتردد مُعَنَّفات كثيرات بالتبليغ عما يتعرّضن له، على رغم أن وزارة الداخلية وظّفت كادراً نسائياً لتلقي الشكاوى الخاصة بالعنف الأسري. فالتقاليد السائدة والخوف من نتائج تقديم شكاوى تعدّ من أبرز أسباب هذا التردد.
ومنذ استحداثها، ضمت مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية متدرّبات معظمهن جامعيات اختصاصيات في قضايا الإجتماع والقانون. لكن المشكلة تكمن في هي قلة الحالات الواردة أو الشكاوى التي تتلقاها على رغم إرتفاع نسبة العنف بين الأسر العراقية.
بعض منظمات المجتمع المدني وبالتعاون مع منظمات دولية، أطلقت حملاتٍ لتشجيع النساء على التبليغ عن العنف الذي يتعرّضن له. كما وزّعت ملصقات توعية في شوارع بغداد وعلّقت أخرى في المديرية تشجّع النساء على هذه الخطوة التي تصبّ في صالحهن.