انترنت- نشرت صحيفة الفايننشال تايمز تقريراً كتبته، كلوي كورنش، من دمشق عن تناقص عدد الرجال في سوريا بسبب الحرب، في ظروف دفعت بالنساء إلى العمل خارج البيت بشكلٍ لم يألفه المجتمع السوري التقليدي. وتقول كلوي إن الحملة العسكرية التي تشنها الحكومة السورية وعمليات التجنيد الإجباري أحدثت أزمة ديموغرافية في البلاد.
وتشير الكاتبة إلى تقريرٍ لمنظمة الأمم المتحدة يفيد بأن النساء في سوريا أصبحن مصدر الرزق الأساسي للعائلات، وهنّ أيضاً مسؤولات عن رعاية أفراد الأسرة وتوفير حاجياتهم.
فقد غيّر انخفاض عدد الرجال صورة سوق العمل، فأصبح يستقبل المزيد من النساء، اللائي كانت نسبتهن لا تزيد عن الخُمس قبل الحرب. ولكن الشركات والمعامل اضطرت في السنوات الأخيرة إلى توظيف النساء لعدم وجود العدد الكافي من الرجال الباحثين عن العمل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته عدّة مواقع إخبارية وإلكترونية، إلى أن هيام حشاش كانت تقوم بغسل الأواني البلاستيكية في غرفة أرضية، فيما كان يقوم زميل لها بوضع كرات العجين المقلي في قطر يغلي. وتقول كورنش إن هذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها هيام (40 عاماً)، التي لم تكن تتخيّل أنها ستعمل يوماً خارج بيتها، إلا أنّ حياتها انقلبت عندما قُتِل زوجها وابنها الأكبر، اللذان انضما للمعارضة في الحرب السورية.
وتنقل الصحيفة عن هيام، قولها: “كان كلّ شيء جيداً حتى فقدت ابني، ولم أجد أيّ أحدٍ لمساعدتي، ولهذا قرّرت العمل”، مشيرةً إلى أنها وحدها تُعيل ثلاثة أطفال، وتعدّ واحدةً من النساء السوريات اللاتي يعشن تحوّلاً عميقاً في دور المرأة في دولةٍ محافظة، التي تمزّق نسيجها الاجتماعي بسبب الحرب.
ويلفت التقرير إلى أنه مع انتصار النظام السوري، بعد ثمانية أعوامٍ من الحرب، فإنه لا يزال هناك قتالٌ متفرّق، مستدركاً بأن الحرب تقترب من نهايتها.
وتفيد الكاتبة بأن الحملة العسكرية التي تقوم بها الحكومة، ومحاولات التجنيد الواسعة، قادت إلى أزمة ديمغرافية، فمن بين نصف مليون سوري قُتِلوا في أثناء الحرب، فإنّ نسبة 80% هم من الرجال، وذلك بحسب إحصائيات المركز السوري للسياسة والأبحاث، الذي وجد أن معدّل الحياة لدى الرجال انخفض من 70 عاماً في عام 2010، إلى 48 عاماً في عام 2015.
كما تذكر الصحيفة أنّ الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15- 24 عاماً واجهوا تراجعاً حادّاً في معدّلات الحياة، وحاول الكثيرون منهم البحث عن ملاجئ في دول الجوار وأوروبا؛ خشية جرهم للتجنيد، أو الانتقام منهم إن عادوا.
وينوّه التقرير إلى أن هذا الأمر كان له كان تبعات اقتصادية واجتماعية أدّت إلى تغيّر سلوك العائلات وعاداتها، وأصبحت النساء الآن هنّ العاملات اللاتي يوفّرن لقمة العيش، وتشكّل نسبتهن ثلث العائلات، بحسب وكالة المرأة التابعة للأمم المتحدة.
وذكرت كورنش نقلاً عن وائل (42 عاماً)، الذي يحاول بيع ثياب الزفاف في دمشق، قوله: “أين هم الرجال؟ لو أردت لاستطعت الزواج من عشر نساء”، فيما يقول محيي الدين (48 عاماً)، الذي يبيع أدوات زفاف في إحدى أسواق دمشق، إن بعض النساء يعقدن حفلات زفاف دون عرسان، “فالعريس هو في بلد آخر، ولهذا تقيم العروس حفلة صغيرة وترتدي لباس العرس، وتعبّر عن بداية جديدة”، ويقوم العريس بمتابعة الحفلة من خلال رابط فيديو.
وتقول الصحيفة إنه علاوة على هذا، فإن غياب الرجال أدى إلى تغيّر القوة العاملة، فقبل الحرب بلغت نسبة النساء في سوق العمل الخمس، بحسب أرقام المنتدى الاقتصادي العالمي، ونظراً لعدم توفر الرجال فلم يجد أرباب العمل خياراً سوى توظيف النساء.
وينقل التقرير عن وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية ريما قادري، قولها: “بالتأكيد هناك عدم توازن في مستوى الذكور والإناث في سوق العمل السورية”، وأضافت: “تعدّ نسبة النساء أكبر من نسبة الرجال”.
وتشير الكاتبة إلى أن تقريراً لمركزٍ بحثي ذكر أن معدّل سيدات الأعمال ارتفع من نسبة 4% في عام 2009، إلى 22% في عام 2017، لافتةً إلى أنّ سيدةً فرّت مع عائلتها من الحرب في بلدة عين الطرمة، اضطرت في عمر الـ51 عاما، للقيام بأول عملٍ لها في دمشق، وعملت مصممة، واضطرت للعمل لأنها تريد مالاً إضافياً بسبب تقاعد زوجها لأسباب صحية، حيث لا يغطي تقاعده نفقات المعيشة، وتقول: “أريد تعلّم كيفية طلاء البيوت لأنني عندما تركت البيت في عين الطرمة كنت قد أنهيت طلاءه، ولا تزال رائحة الدهان هناك”، وتعيش اليوم في غرفتين مستأجرتين في حي قريب من العاصمة.
وتلفت الصحيفة نقلاً عن دراسة أعدّتها منظمات إنسانية دولية، بينها “كير إنترناشونال”، إنّ حصول المرأة السورية على العمل يعتمد على مكان وجودها، خاصة أن المواقف تتباين من منطقة لأخرى، وحتى في دمشق فإن المواقف التمييزية ضدّ المرأة لا تزال ظاهرة.
كما نقل التقرير عن صاحب مصنع، قوله: “أكره العمل مع المرأة”، وأضاف: “عادةً ما تحمل، وأنا آسف للقول فإنها تصرخ طوال الشهر وخمس مرات في اليوم”.
وتقول كورنش إن هذه المواقف لم تمنع سارة القطاف (32 عاماً)، التي تعمل في مجال برمجيات الحاسوب، التي تريد أن “تحدث ثورة تطبيقات برمجية في سوريا”، وبعد إقناع والدها بدعمها مالياً بدأت العمل في شركة “آب فيرم” في تموز/ يوليو، وبدأت تطبيقاً يساعد السكان على العثور على الصيدليات التي تفتح لأوقات متأخرة في دمشق.
وتختم “فايننشال تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أنّه رغم مواجهة المرأة اختياراتٍ تتعلّق بالوظائف المُصَمَّمة للمرأة، مثل التطريز والخياطة وصالونات التجميل، إلا أن سارة القطاف تقول إنها تشعر بالمفاجأة، وليس التمييز، وتقول: “عندما تقوم فتاةٌ درست شيئاً لا يدرسه إلّا الرجال، وتفتح شركةً لا يفتحها إلّا الرجال؛ فإنّ هذا ما يثير الدهشة”.