المرأة العربية : جسد مهدد, إنسان مسجون
اضطهاد المرأة العربية

بغض النظر عن وضعها، سواء كانت فلاحة في الجزائر أو طبيبة في القاهرة أو سكرتيرة في بيروت أو طالبة في بغداد أو عاملة في سوريا أو منقبة في حريم رجل ما في السعودية، تشترك المرأة العربية أخواتها بمصير مشابه: حياة على الهامش, سجن, سيكون عليها أثنائها أن تكفر عن ذنب أنها ولدت امرأة في مجتمع مفرط الذكورية حيث تتساوى المرأة بالعار و الخطر.

لنبدأ بولادتها, التي تعتبر مناسبة للحزن و ليست للفرح. تستقبل بخيبة أمل صريحة. كانوا ينتظرون ولدا, ستجلب ولادتها الخزي على والدتها, و الصدمة لوالدها. “الرجال يخلفون رجالا”. نقول دائما في ثقافتنا “هي أنجبت طفلة, و هو أنجب ولدا”. هكذا يقولون, على العكس من كل قوانين الإنجاب.

ما يحدث في اليوم الذي تغادر فيه تلك الطفلة رحم أمها ليس إلا علامة مبكرة على ما سيأتي: إنها بداية حياة تعيشها “بوضعية المتهم” التي ستتعرض خلالها باستمرار لقمع دائم و هائل و عدم قبول أو رفض تجاه التغيرات الاجتماعية و الاقتصادية التي تفرضها “أوقاتنا المعاصرة”. قمع قد ينتهي أحيانا بحكم بالإعدام إذا “لوث” شرف الذكر بفقدان ابنته لعذريتها, أو غالبا بحكم بالسجن المؤبد خلف حجاب أسود, خلف جدران منزل العائلة حيث يتصرف الذكور كسجانين. تصور حياة الطفولة دائما في حكايات الجدات و الروايات على أنها عالم مسحور و حياة فرحة. لكن طفولة المرأة العربية قصيرة جدا, حيث تحضر بسرعة للدور السلبي و التابع الذي خصص للمرأة العربية, أن تتحمل الرجل دون حتى أن تعرفه أو أن يفهمها.

ما زالت العائلة العربية, حيث يقرر مصير المرأة العربية و ينفذ, في جوهرها عائلة إسلامية. الإسلام و قوانينه و عاداته و تدخله في أبسط تفاصيل السلوك الإنساني, لم يضعفه لا انتصار الإمبريالية و لا هزيمتها. بالعكس؛ بسبب تلك المفارقة التاريخية, ما زال الإسلام هو القوة الأساسية و المحركة للعائلة العربية. لا يوجد اليوم أي بلد عربي اليوم (ما عدا لبنان بسبب تركيبته الإثنية الدينية) لا يذكر دستوره الإسلام كدين رسمي للدولة. و لا يوجد أي بلد عربي (ما عدا تونس و اليمن الجنوبي) لا تعتمد قوانينه المتعلقة بالأسرة على الإسلام أو تصدر مباشرة عن شريعته (القانون الإسلامي).

المراهقة

لا تعترف التقاليد العربية الإسلامية بمراهقة الفتاة العربية و لذلك لا تعيشها الأخيرة أبدا: تشعر الأسرة بالتهديد الدائم من وجود الفتاة عندما تتجاوز مرحلة الطفولة و تبقى دون زواج. يطرح بلوغها (أول طمث) مشكلة العذرية الملحة – يجب مراقبة شرف الفتاة منذ هذه اللحظة, و أن تخبأ و تبقى تحت السيطرة. يعني البلوغ نهاية الطفولة و بداية العزلة في العالم الضيق لفضاء المرأة: عالم الحريم, حتى إن لم يستمر الأخير بالوجود بشكله التقليدي السابق.

تكفي نظرة سريعة على المقاهي العربية حيث يجتمع الذكور فقط, أو السيرعند المساء في الشوارع الممتلئة بأماكن الترفيه و قضاء الوقت, لكي ترى الفصل الذي يخلق عالمين منفصلين عن بعضهما البعض يبقي الفتيان و الفتيات بعيدا عن بعضهما البعض. يمكننا أن نرى نتائج هذا الفصل عند النساء كما بين الرجال.

في سيرتها الذاتية بعنوان صرخة أخواتي المسلمات, تحدثت زبيدة بيطاري عن معاناتها و صدمتها عندما أخرجها أبواها الجزائريان, الذين يعيشون حياة عصرية بالكامل, بالقوة من مدرستها بعد دورتها الشهرية الأولى و فرضا عليها أن تغطي وجهها بالنقاب ثم أن تتعلم الأعمال المنزلية لكي تتزوج رجلا, زوجا لم تعرفه أو تراه من قبل. أخيرا ستجد زبيدة عملا في باريس كخادمة عند عائلة فرنسية.

“في معظم المجتمعات الريفية التقليدية لا توجد مراهقات عازبات. تتزوج 50 % من الفتيات قبل سن البلوغ, و 37 % في السنتين الأوليتين بعد أن يبلغن” (مليكة بلغيتي, علاقات و وضعية العائلة الريفية , الرباط 1970).

العائلة العربية الإسلامية

ليس هناك اختلاف بين أدوار المرأة في العائلة العربية الإسلامية: فهي إما أم, أخت, أو زوجة. لا يمكن للمرأة أن تكون صديقة أو حبيبة. إنها تعيش في مجتمع لا يختلط فيه الجنسان, و يمكنها أن تلتقي رجلا فقط في ظروف خاصة جدا: عندما تضع مولودا عليها أن تخبر ذكرا ما (أخاها أو أباها) أو عندما تتزوج.

فقط عندما تنجب المرأة العربية ذكرا تكتسب أهمية ما في العائلة أو وضعية اجتماعية. معدل طلاق النساء العاقرات أو اللواتي ينجبن إناثا فقط مرتفع جدا في المجتمع العربي. المرأة العربية الي تعرف جيدا أن السلاح الوحيد الذي بحوزتها لتحتفظ بزوجها و تفوز باحترام عائلته هو إنجاب أطفال ذكور, غالبا ما ترفض أن تتعاطى حبوب منع الحمل.

محاولات منظمات كجمعيات تنظيم النسل في مصر و جنوب لبنان في هذا المجال فشلت تماما حتى الآن. لم تأخذ هذه المحاولات في الاعتبار مقاومة المرأة العربية, المستعدة لتعاني من الحمول المتكررة و المتعاقبة على أن تخسر مصدر “قوتها” الوحيد في المجتمع العربي الإسلامي: أبناؤها الذكور, لذلك فإنها ترغب بالإنجاب باستمرار. “تسجل البلدان العربية أعلى معدل ولادة في العالم و هذا المعدل أعلى في البلدان الإسلامية منه في بلدان أمريكا اللاتينية الأكثر فقرا”.

تأخذ علاقة الأم بابنها الذكر أبعادا مهمة في العائلة العربية و تحتل مكانا غالبة في المجتمع الإسلامي. الأم هي المرأة الوحيدة التي يمكن للرجل أن ينظر إليها, يعجب بها أو يحبها. تسترجع المرأة كل مشاعرها المكبوتة, و كل متاعب حياتها, في ابنها, الذي هو مصدر فخرها و بقائها: إنها تود لو تملكه إلى الأبد. غالبا ما تتدخل والدة الابن الذكر لتمنع ظهور و نمو الحب و العاطفة بين ابنها و زوجته. إنها تطالب ابنها أن يأخذ جانبها دائما ضد زوجته.

في روايته الرائعة السراب, وصف نجيب محفوظ العلاقة بين الأم و ابنها و زوجته. عندما تزوج شاب برجوازي صغير من القاهرة امرأة شابة جاءت لتعيش معه و مع أمه. شعرت الأم بالغيرة و خوفا من أن تفقد سلطتها على ابنها فعلت كل ما بوسعها لتمنع أي اتصال جنسي بينه و بين زوجته باستغلالها لشعوره بالاحترام تجاهها. بالنسبة له المرأة الوحيدة التي تستحق الاهتمام هي والدته و أي اتصال جنسي مع زوجته يبدو له و كأنه زنا محارم.

“يستطيع الرجال أن يحبوا أمهاتهم فقط”, هذا ما قالته بمرارة الشاعرة اللبنانية إيثيل عدنان.

الجنس و الإسلام

طالما كان الإسلام يضيق بالنساء. لا يرى الإسلام المرأة أبدا ككائن ضعيف أو من دون روح أو إرادة. على العكس, يعتقد الرجل المسلم أنه لا يمكن إخضاع النساء أو ترويضهن و لذلك فإن القمع فقط ذا الطبيعة القسرية (ليس القمع النفسي فقط), و بشكله الشرعي أو القانوني, ضروري لإخضاعهن لإرادة الرجل.

النساء فتنة, أي جمال غاو (مغر) و يؤدي إلى الاضطراب أو الفوضى. إنها تملك روحا لا تحمل وزر الخطيئة الأولى (لا يعتقد الإسلام أن الإنسانية تتحمل وزر الخطيئة الأولى). لذلك لا يدين الإسلام الجنس على أساس الخطيئة الأولى, إنها المرأة التي يجب كبح جماحها و وضعها تحت السيطرة, لأنها تهديد دائم لشعور الأمان عند الرجل.

يجب على المرء أن يقرأ ما كتبه ابن قيم الجوزية, أحد أكثر لاهوتيي الإسلام تعصبا أو تقليدية, و هو يصف أسباب الاقتران (بين الجنسين): “الاقتران هو أكثر الهبات كمالا التي أعطيت لنا, فيها يجد الإنسان صحة و سعادة و راحة روحه”. بينما يضع الزهد المسيحي الأولوية للامتناع الطوعي عن ممارسة الجنس, يجب إشباع الشهوة الجنسية في الإسلام ليصبح المجتمع أكثر انسجاما كمجموعة, كأمة.

لا يرى الإسلام أنه على المرأة أن تهذب شهوتها الجنسية و أنه عليها أن تستجيب لها فقط لكي تنجب أولادا, لذلك قرر الإسلام تقييد (سجن) النساء المسلمات في الفضاءات التي يخضعن فيها لسطوة الرجال. بما أن الرجال و النسوة, المسلمين و المسلمات, هم كائنات جنسية بالمعنى الإيجابي (جنة الإسلام هي مكان للمتعة الجنسية الأبدية) يجب أن تقنع المرأة بأن تشترك بنفس الزوج مع أربعة نسوة أخريات و مع (عدد غير محدد من) المحظيات, و سيكون الرجل قادرا على أن يجد متنفسا “لشهوته” بطريقة شرعية, بموافقة الدولة. يقول المثل العربي: ما اجتمع رجل و امرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. يجب على الرجل ألا يسمح لزوجته أبدا أن تتواجد في مكان يوجد فيه رجال آخرون, فلا يسمح لها بالذهاب إلى الأماكن العامة و يصبح عندها “حقها” في إدارة تجارتها بلا أي قيمة. كثير من السيكولوجيين (علماء النفس) و المستشرقين رأوا في هذه النظرة عن الجنس و الاعتراف بالمرأة ككائن أنثوي على أنها نوع من النسوية في الإسلام. فالنساء يوجدن و يملكن رغبات كالرجل , و لهن حق الإشباع الجنسي بنفس الطريقة أيضا كما يملك الرجل الحق بالاستمتاع … لكن نتائج هذه الفكرة تؤدي إلى العكس تماما . كما لاحظت فاطمة مرنيسي في كتابها خلف الحجاب “في المجتمعات التي تعتبر عزل المرأة و مراقبتها أمرا ضروريا يكون مفهوم الشهوة الجنسية الأنثوية مفهوما فعالا ضمنا”.

المجتمع العربي الإسلامي الذكوري يحمي نفسه ضد أفكاره هذه عن الشهوة الجنسية النشطة في المرأة بفرض قوانين تحد من حركة المرأة و تجعلهن خاضعات تماما لرغبة الرجل: من فرض الحجاب إلى حق الرجل في تطليق زوجته عندما يشاء, إلى فرض ولي أو وصي ذكر يقرر الوقت المناسب لكي تتزوج المرأة أو لا.

عندما تسير امرأة عربية في الشارع دون حجاب و هي ترتدي ملابس معاصرة لن يمر وقت طويل حتى تعرف أن الشارع ليس مكانا آمنا لها. لن تتوقف ردة فعل الذكور عند امتداح جمالها أو دعوتها لصحبتهم فقط, بل سيوجهوا لها إهانات جنسية صريحة, و قد يلاحقوها لساعات.

الأخلاق الإسلامية الجنسية ترى جنسانية المرأة كتهديد لتوازن المجتمع إذا لم توضع تحت السيطرة. لهذا فإن سير المرأة في الشارع هو رمز لذلك التهديد الذي يظهر في احتمال أن تكون أو تصبح “حرة تماما”. بينما ترى الأخلاق المسيحية جنسانية المرأة كشيء منفعل, تراها الأخلاق الإسلامية الجنسية بشكل مختلف. في الرؤية المسيحية, هناك ميل للاعتقاد بأن المرأة تمتلك جنسانيتها كواجب يبرره الإنجاب.

لا يرى القرآن و التراث الإسلامي الأمر على هذا النحو: الأمة الإسلامية المتوازنة أو المستقرة هي مجتمع مشبع جنسيا. لا يجب على البشر أن يتجاهلوا رغباتهم الجنسية بل عليهم أن يشبعوها ضمن شروط أو قيود تحددها مصلحة المجتمع المسلم. و في هذا السياق يجب إخضاع النساء (السيطرة عليهن) و أن تنظم جنسانيتهن: الإسلام, الذي يدعي أنه ألغى الاختلاط أو الجنس غير المشروع و الانحطاط (الأخلاقي) الذي ساد المجتمعات قبل الإسلامية (الجاهلية) أبقى معظم الزواج أو الاستمتاع السابقة (الجاهلية) إذا كانت لصالح الرجل.

ما غيره الإسلام ليصبح أكثر “تحضرا” كان جنسانية المرأة. تعتبر جنسانية الرجل شهوانية في الإسلام و قد شرعت و قوننت ضمن هذا الفهم. يمكن للرجل أن يتزوج أربع نساء بما أن جنسانيته ليست حصرية ( ا تكتفي بامرأة واحدة) – و يرى الإسلام أن الرجل غير مستقر و لذلك يحق له أن يطلق زوجته عندما يريد.

في المجتمع الإسلامي, يجب على النساء و النساء فقط أن يخضعن و يتم عزلهن للحفاظ على توازن و استقرار المجتمع, بينما يمكن للرجل أن يبحث عن متعته حيث يشاء. نساءكم حرث لكم (ملعبكم) (فاذهبوا إلى ملاعبكم). طالما رأى الإسلام جنسانية المرأة كحالة فعالة و لم يدنها لذلك, ستسيطر الدولة الإسلامية على حياة و أفعال أتباعها (رعاياها) من خلال سيطرة شديدة الصرامة على حركة المرأة و حقها في أي استقلالية.

“في المجتمعات التي تعتبر عزل النساء و مراقبتهن ضرورة ستكون جنسانية المرأة ضمنا فكرة فعالة … في الإسلام تهاجم النساء كتجسيد للتدمير و رمز للفوضى الاجتماعية: إنها فتنة, ما يعني الجمال و الاضطراب أو الفوضى في نفس الوقت. إنها تمثل كل ما لا تمكن السيطرة عليه: جنسانيتها خطر كامن دائم التهديد” (فاطمة مرنيسي, ما خلف الحجاب, دار الساقي لندن, 1985)

اضطهاد المرأة العربية

اضطهاد المرأة العربية

كخلاصة : ما أن يصبح الرجل و المرأة معا لوحدهما فإنهما سيرتكبان الزنا , و إذا لم ترفض المرأة عملية الاتصال الجنسي تلك “بشكل طبيعي” بل وجدتها ممتعة , و فوق كل ذلك , إذا كان هناك شعبان أو جنسان يعيشان في مجتمع أبوي , كما هي حالة المجتمع الإسلامي , لا يوجد عندها سوى حل وحيد : فصل الجنسين من خلال عزل النساء . عزل النساء هو نتيجة لعلاقات القوى التي تعمل ضدها , و لا يمكن تبريرها بالقول أنها مختلفة بطبيعتها عن الرجل , و أنها تفضل حياة التضحية . مثل هذه التبريرات التي تحاول تفسير وضعية المرأة الأدنى على أساس طبيعتهن المختلفة , أخذت في وقت متأخر عن المسيحية الغربية مع تزايد نفوذ الغرب . أدى ذلك إلى تشوش و تناقضات لا يمكن تذليلها على الصعيد الفكري و في العلاقة بين الجنسين اليوم في العالم العربي . تحصل المرأة العربية على حرية الحركة أو حق التواجد في المساحات التي تقتصر على الذكور , و تمارس السلطة إلى جانب الذكر فقط عندما تصبح مسنة أو متقدمة في العمر . أي عندما يرى المجتمع أنها لم تعد نشيطة جنسيا . لأنها لم تعد فتنة , مصدرا للغواية , لم تعد مادة جنسية ذات غرائز تحتاج للسيطرة و الإخضاع . غالبا ما يرى المرء نساءا في الخمسينيات من العمر , يقوي وجودها عدد كبير من أبنائها الذكور , و هن يدخن و يضحكن أو يتحدثن إلى الرجال دون أية مشاكل . كما يقول الرجال في ثقافتنا : “لقد انتهين” ( جنسيا ) . فقط عندها يمكن للمرأة أن تقتحم عالم الرجال , أن تسير في الشوارع , حتى بعد حلول المساء , دون أن تفقد احترام المجتمع .

مازن كم الماز/ نقلاً عن Arab women – Magida Salman

 

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015