المرأة العربيّة في 100 عام: من قضية تحرر وطني إلى جدل فقهي
المرأة العربيّة في 100 عام: من قضية تحرر وطني إلى جدل فقهي

جمانة مصطفى/ رصيف22- علمتنا الحياة في البلاد العربية أن نفقد شعورنا بالانتماء للبشرية مقابل تضخيم شعورنا بالانتماء لإقليمنا ولا أقول قوميتنا. لذا سنجد آلاف الكتب التي يقدّم فيها المفكر العربي طروحاته وتنظيراته حول أزمات الإنسان العربي من الاستعمار إلى الصهيونيّة إلى الإسلام السياسي، في مقابل ندرة التنظيرات الجريئة والواثقة لقضايا الإنسان المعاصر كالعولمة والفردانية والمرأة وأخلاقيات ما بعد التكنولوجيا.

من هذه الزاوية تتعقّد أزمة النُخب لدى تناول قضية إنسانية كبرى كقضية المرأة، أولًا لأنها ليست حكراً على الدول العربية، وبالتالي فالمقارنة بين الطرح العربي والعالمي واردة إن لم نقل واجبة، وثانياً لكونها قضية قياسية، أي أن ارتقاءك الحضاري يُقاس على هذه المسطرة حالها حال بقية المساطر التي تمثّلها قضايا الحريّات وحقوق الإنسان، وبالتالي فالعالم يُراقب ويُراجع ما تدّعيه من أسباب لتردّي حال المرأة العربية بل ويفنّده.

ولأن المفكر العربي ليس حرّاً بالاستفراد بطرحه على اعتبار المشكلة عربية وأهل مكة أدرى بشعابها، جاءت معظم محاولات تعريب قضية المرأة العربية وفصلها عن السياق العالمي، من خلال منحها مزيداً من الخصوصية النابعة من البيئة الدينية والأبوية. لذا كان الأكثر إقناعا أن تُحال أوضاع المرأة العربية إلى الحال العربية ككل، وأن تُؤخذ الرداءة الخاصة بمعيّة الرداءة العامة.

من هذه الزاوية وُجِب التساؤل عن الفائدة التي تحقّقت للمرأة العربية من جعل مسألة تحرّرها إقليمية لا عالمية، لا سيما مع تزامن هذا السلخ وصعود تيارات الإسلام السياسي التي كانت – للمفاجأة- أكثر جلداً واجتهاداً في التنظير لحريّة المرأة في الإسلام من التيارات اليساريّة و/أو العلمانيّة.

اللافت أيضاً أنّ معظم الحلول المطروحة على الطاولة لإشكاليات تحرّر المرأة العربية يمكن تصنيفها على أنها اجتهاد ديني، بدءاً من طروحات القرآنيين التي تساوي بين الجنسين في الإرث وتقول بعدم وجوب الحجاب، وصولاً إلى فتاوى السلفيين التي أكّدت مؤخراً أنّ قيادة المرأة للسيارة ليست من الحرام بشيء.

الخديعة الكبرى كانت في استدراج الجهات التي تعمل على هذه القضية من مراكز واتحادات وأحزاب وحتى جامعات ومفكرين إلى المعركة الفقهية الدينية لا القانونية التشريعية، الأمر الذي تراكم مع السنوات لصالح إضفاء الصبغة الدينيّة على معظم جدليات حقوق المرأة بحكم ضرورة الرد على الطرح الديني والدفاع عن الرؤية التحررية.

بعد 100 عام من احتجاجات 1919 في مصر وخروج المرأة لأوّل مرة من بيتها للتظاهر، وبعد 100 عام من ولادة أول حركة تحرّر المرأة العربية بقيادة الثالوث الشجاع هدى شعراوي وصفية زغلول وسيزا نبراوي.. بعد 100 عام نجحت الحركات الإسلامية في جعل الحجاب هو القضية المركزية للمرأة العربية، وفي فصل قضية تحرّر المرأة عن قضايا التحرّر الوطني، بتواطؤٍ واعٍ ومقصود من الأنظمة والمجتمع.

بل نجحت هذه التيارات في تصدير خطاب أكثر خطورة يجعل من تحرّر المرأة نقيض التحرّر الوطني، بربط الحجاب بالهوية الوطنية على اعتبار أنّ الإسلام هو أبرز ملامح القومية العربية، وكلّ ما يناقضه يصب لصالح (الغرب) بمعناه الواسع الفضفاض الذي يناسب خطاب الإسلاميين في صناعة العداء.

كلّ ما سبق مبني على افتراض أن النخب العربية لم تتواطأ هي أيضاً للتقليل من نوع وكم التحرّر المنشود، وأنّ شبهة تضارب المصالح الشخصية مقابل العامة ليست واردة، وأنّ انسحاباً صامتاً لم يحدث لتُترك المرأة وحدها في معركة تحرّرها.

كلّ ما سبق لم يأخذ في الاعتبار موضة الترفّع التي يمارسها المفكر العربي مع قضية تحرير المرأة تحاشياً لشبهات قلّة الحميّة أو الدعوة للانحلال، وأنّ المبرر المفضّل لتأجيل كلّ طرح تحرّري جديد هو أنّ هنالك قضايا وطنية أكثر أهمية حالياً.

مشكلة قضية تحرّر المرأة العربية اليوم أنها إسلامية وليست عربية، ولذا فهي ليست قضية وطنية أو عالمية.

المرأة العربيّة في 100 عام: من قضية تحرر وطني إلى جدل فقهي

المرأة العربيّة في 100 عام: من قضية تحرر وطني إلى جدل فقهي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015