مفيد نجم/ صحيفة “العرب”- المشاركة النسوية في الحياة الأدبية العربية الراهنة لا تحتاج إلى بحث كثير لمعرفة التطور الذي شهدته مشاركة المرأة على مستوى الرواية والشعر والقصة والدراسات النقدية، ما يعني محدودية هذه المشاركة، التي كانت في العقود السابقة لا علاقة لها بهوية جنس المبدع/ المبدعة، بل بالظروف الموضوعية، الاجتماعية والتعليمية والثقافية، وبنضال المرأة نفسها من أجل تعزيز هذا الحضور وتطويره.
في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي كان عدد الكاتبات العربيات يعد على الأصابع، وكان بعضهن يتخفى وراء أسماء مستعارة، في حين أصبحت المرأة الكاتبة الآن تنافس الكاتب الرجل بقوة في شتى مجالات الإبداع، وتحقق حضورها الفاعل حتى على المستوى الأكاديمي، الذي يضيف إلى رصيد الإبداع العربي الكثير.
في الساحة النقدية العربية كان هناك قبل عقود قليلة بعض الأسماء النقدية النسائية مشرقا ومغربا، وأغلبهن من الأكاديميات، اللواتي لا يمارسن النقد كهواية، أو وقفن بعملهن على المجال الأكاديمي. هناك مساهمات نقدية لافتة، تنظيرا وتطبيقا تنضاف إلى رصيدهن، وتعزز من دورهن في هذا الميدان، كما في شتى مجالات الأدب والثقافة الأخرى.
أمام هذا التطور اللافت لحضور المرأة الإبداعي والثقافي، لم يكن غريبا أن تتبوأ المرأة هرم المسؤولية الثقافية في أكثر من وزارة ثقافة عربية وأن يكون هذا الموقع موضع تقدير واحتفاء في الوسط الثقافي العام، لا بسبب شخصيتها الثقافية وحسب، وإنما كاعتراف بالدور الحيوي الذي تلعبه في الحياة الثقافية وبقدرتها على تطوير واقع العمل الثقافي وتحفيزه.
إن هذا التحوّل في دور المرأة ساهم إلى حد ملحوظ في تغيير رؤية الرجل المثقف إلى المرأة ودورها الثقافي والعلمي، على الرغم من كل محاولات إعادة المرأة العربية إلى عصر الحريم والتبعية، وتجريدها من مكاسبها التحررية التي حققتها على مدى عقود طويلة. وإذا كان هذا الإنجاز يتوقف على مقدرة المرأة المبدعة والمثقفة على مواصلة هذا الدور وتطويره، فإن تنمية هذا الواقع يرتبط بتحقيق القيم الديمقراطية مفهوما وممارسة في الحياة الثقافية، كما في ميادين الحياة العامة الأخرى.
المبدعات العربيات في حقبة الستينات كان يُشار إليهنّ بالبنان لمحدوديتهنّ، أما الآن فمن الصعب حصر أسمائهنّ، كما أنه من الصعب تحديد القضايا التي تشغلهن في ما قدمن من تجارب، بعد أن أنخرطت المرأة في شتى ميادين الحياة السياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية.
في هذا المنجز المتعدد المعبر عن وعي المرأة المثقفة الجديد، لم تعد حرية المرأة قضيةً تخصّها وحدها، عندما أدركت أن قضية الحرية في الواقع كل لا يتجزأ.