موقع (العربي الجديد) الإلكتروني- المرأة غير ملزمة أن تطبخ لزوجها، غير ملزمة أن تخدم في بيتها، غير ملزمة أن تُرضع أولادها، ومن حقها الحصول على أجر رضاعة أولادها. هذه الآراء، باختصار، هي مادة الجدل الدائر في مصر، الآن، والذي بدأ بتصريحات “ناريّة” للحقوقية نهاد أبو القمصان، وجاءت التعليقات، في أغلبها، تسخر من هذه الآراء، ومن صاحبتها، ومن اسمها (مع الأسف) وممن يؤيدونها في ذلك، فيما أصرّت، هي ومن معها، على أن هذا ليس كلامهن/ إنما كلام “ربنا”.
يمثل الفقه الإسلامي ثروة قانونية، غير مسبوقة، كمّاً وكيفاً؛ آراء وأفكار وأفهام ورؤى وأصول وقواعد ثم نظريات ظهرت في العصر الحديث، يراها فريق نتاج الاشتباك مع النقد الاستشراقي الجاد للفقه الإسلامي، ويراها آخرون، أبرزهم محمد أبو زهرة، تطوّرا لعلم القواعد الفقهية. والفقه عبادات ومعاملات، وهو في جانب المعاملات يهتم بتيسير حياة الناس، وتنظيمها، وكان تاريخيا صاحب الدور الأكثر تأثيرا في حفظ التوازن والأمن الاجتماعي في بلادنا، والفقيه (أو القانوني) يكتب لزمنه وبيئته وفقا لفهمه وأعرافه، ويدور حول النص، وفقا لمنهجه في الاستدلال والاستنباط، وينتج، في الأخير، آراء، وليس دينا، ويختلف الفقهاء اختلاف البشر نظرا إلى تفاوت أفهامهم، وتختلف آراؤهم، حول المسألة الواحدة، لاختلاف الأزمنة والأمكنة والبيئات والأعراف والتحدّيات (والمناهج)، وهو ما أورثنا ثروةً، تستحيل عمليا، الإحاطة بها.
تبدأ اللعبة، وهنا سوف أتجاوز أسبابها وأهدافها ومحفزاتها السياسية، حين يقرّر أحدهم أن ينفق من هذه الثروة “على مزاجه”، فإذا أردت أن تحوّل “أي شيء” إلى دين، فالبضاعة موجودة لدى فقيه ما في زمن ما، قد يكون مراده غير مرادك، ومقصده غير مقصدك، قد يكون عكسك، ضدك، خصمك، لكنه قال “نصّا” ما يخدم توجهك. هنا والآن، ويحول هواجسك إلى دين، مزاجك إلى دين، “سلو بلدكم” إلى دين، تقاليدك الجاهلية أو الوثنية المتوارثة إلى دين، سياساتك الاستبدادية، سرقة الناس، سجنهم، تشريدهم، جلد ظهورهم، نهب أموالهم، التحكّم في حيواتهم ومصائرهم وأذواقهم وعاداتهم وتقاليدهم وذوقهم ولباسهم، كله كله موجود، المهم أن تفهم اللعبة، وقواعدها: اقرأ بشكل انتقائي، وانتهازي، تجاهل السياق التاريخي، تجاهل بقية الآراء، اطرح “مختاراتك” بوصفها الرأي الوحيد، والمُجمع عليه، وما سواه باطل وشاذ، (ومؤامرة غربية وعلمانية وماسونية) واصل الادعاء، دائما وأبدًا، أن كلام “الفقيه” ليس فقها، وليس رأيا، إنما هو دين. وألف ألف مبروك، لديك دين جديد، على مقاسك. لذلك، لا تنسى أن تتهم كل خصومك بأنهم هم من يدعون إلى دينٍ جديد، وأنت الأصل!
حازت المرأة، وفقه الأسرة في العموم، نصيبا كبيرا من هذه الأحكام المزوّرة، ومن ثم جرى تديين مزاج كل ذكوري “حلوف” واستدعاء فقيه ما من زمن ما ليقف خلفه ويدعمه. ومع الوقت، تحول “التزوير”، مع الرواج والانتشار، إلى “كلام ربنا”. تنوّعت أشكال المقاومة لهذا الانقلاب الديني، فاستدعى الوسطيون الآراء الأخرى، في محاولةٍ لضرب الرأي بالرأي، وفشلت المحاولة لسببين: الأول أن المشكل في منهج القراءة نفسه، (المرض)، وليس في النتائج (العرض). والثاني أن الاستبداد يغذّي بعضه بعضا، وهذا النمط من التدين الاستبدادي، و”العنيف”، هو الأكثر ملاءمة لسياقه السياسي، الأكثر استبدادا وعنفا. حاول آخرون الرجوع مباشرةً إلى الكتاب والسنة، وتجاوز هذا الإرث كله، وهو حل غير واقعي. جنح فريق ثالث إلى تجاوز الدين بالكلية، فازدادت المشكلة تعقيدا، كما ازدادت شرعية التديّن المغشوش، وتحوّل الغشاشون إلى “مدافعين” عن الدين، وأبطال! أخيرا، قرّرت بعض السيدات أن يلعبن اللعبة نفسها، وأن يُنتجن بدورهن آراء “خزعبلية” تحمل أختام فقيه ما في زمن ما، بصرف النظر عن السياق التاريخي الذي لا أهل له ليسألوا عنه. من حقك أن تأمر وتنهى وتسيطر وتتحكّم، بل وتضرب زوجتك إذا استدعى الأمر. حسنا، ومن حقي ألا أطبخ ولا أخدم وألا أرضع ونهارك أزرق. والآراء (كلها) من مدونة الفقه الإسلامي، وهذا ليس كلامنا، إنما كلام ربنا (اعترض بقى).
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.