المرأة في الأغنية الشعبية
المرأة في الأغنية الشعبية

أنجيل الشاعر/جيرون- ترى كم عدد النساء السوريات أو غيرهنّ من النساء العربيات، اللواتي يشعرن بوجع هذا الخيط المجدول من العادات والتقاليد والأعراف الموروثة، يشدهنّ إلى الأسفل وإلى الوراء، وهنّ يرددن مثل هذه الأغنية؟

“رفّي بجناحك رفي … وطيري بهالدنيا ولفّي

ما فيكي تطيري لبعيد.. خيطك مربوط بكفي” 

هل يدل ذلك على قابليةٍ للاستعباد تلجم أي نزوع إلى الحرية؟

القابلية للاستعباد لدى النساء والرجال هي أساس قابلية المجتمع للاستعمار.

لا تقتصر الأغنية الشعبية على كونها فنًا، يتضمن جمالية الكلمة وجمالية اللحن والصوت فحسب، إنما تعتمد على موروث اجتماعي تقليدي، يتغنى بجمال المرأة وحسنها ويكرس صورتها النمطية الذي وضعها فيها المجتمع منذ قرون وحتى الآن، حالها حال المثل الشعبي الذي يصغّر المرأة ويهمشها، ويبعدها عن التكافؤ بينها وبين الرجل، في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويجعل المرأة تتمركز في دائرة الجسد والجنس والشهوة، وفي دائرة الرجل وسيادة الذكورة، ثم يمتد هذا التهميش ليصل إلى إقصاء المرأة من الحياة العامة، إقصائها كذات حرة مستقلة، لتصبح موضوعًا خدميًا عليه عبء العمل المنزلي والحمل والإنجاب، وموضوعًا جنسيًا يحمل عبء شرف الرجل وعائلته الممتدة.

ما يختبئ خلف تلك الأغنية وغيرها من الأغاني الشعبية، أنظمة ثقافية واجتماعية ودينية، وقوانين عرفية شفوية غير مسجلة إلا على أجساد النساء، كانت سائدة في حقبة تاريخية معينة، ولا تزال سائدة بسبب تفشي الأصولية والسلفية علاوة على الجهل، وقد امتدت هذه الأعراف إلى المحاكم وسُجلت في مواد القانون الوضعي المستمد من الشريعة والنظام الاجتماعي، على الرغم من تطور الأخير وانفتاحه المزعوم على الحداثة.

الأغنية الشعبية هي جزء من مجموعة الفنون الشعبية، كالشعر الشعبي، والرقص (الدبكة) والأمثال الشعبية، وهذه الفنون بدورها جزء من موروث تاريخي يتغنى بالأعراف والتقاليد الاجتماعية، وتعبّر عن خلفية الشعوب الثقافية، إذ تنبثق من الواقع المعيش فتُخرج مكنونات صانعيها، فكل ثقافة تتضمن تمييزًا جنسيًا أو عرقيًا أو دينيًا أو سياسيًا، هي ثقافة ناقصة، لا تعبّر إلاّ عن نقص في الوعي والمعرفة وإدراك الذات، فالمرأة في الثقافة العربية تمتلك جناحين لكنهما ليسا للاستخدام، إنما هما مربوطان ومتعلقان وتابعان لسيد المقام “الرجل”.

كما أن للأغنية الشعبية وقعًا خاصًا على عاطفة المرأة بالتحديد، وإن كانت تلك الأغنية لا تصفها إلاّ بالجمال وتنسبها إلى تربيتها الفاضلة، متناسية شخصيتها المستقلة وفرادتها الذاتية، وحقها المستلب في تكوين ذاتها.

في مقالة مريم نجمة “بعض الأغاني الشعبية التي كانت ترددها النساء في الأفراح” المنشورة على موقع (الحوار المتمدن) بتاريخ 25/3/2007، ترد الأغنية الآتية:

آه يا مشمش المعقود … تربية راس العامود

والورد ورد الخدود … يا بنت الكرم والجود

الله يخليكِ لأهلك …. يا منبت أصل وجدود

وأوعى يا عريس تندم عالمالي (على المال)

عروستك حواجب سود قتّالي

وشعرات ذهب بحاجبين محنية

وليتها تثمر وتعمر واتملّي البيت صبياني

المرأة هنا سلعة، بيعت للعريس بثمن مقدمه ومؤجله مال وفير، وإن لم تنجب فيها فهي شجرة نهايتها للوقود، شريطة أن يكون الإنجاب ذكورًا. التهليل للصبي، والولولة للبنت.

هذا التراث العريق الذي ما زال يلازمنا رغم نمو المعرفة وتطور العلوم والتقنيات، هو ما جعل مجتمعاتنا مغلقة وغير قابلة للانفتاح على ثقافة المجتمعات الأخرى، وتسبب في عمانا عن الاعتراف بالاختلاف الضروري لدى البشر.

نقص الوعي ونقص المعرفة، ونقص الإدراك للذات البشرية، جميعها تسبب في عدم تفهم الاختلافات الثقافية، في سياق التواصل والحوار بين جميع الثقافات المختلفة عن ثقافتنا، أي التواصل بين أفراد ينتمون إلى حضارة مهيمنة وآخرين ينتمون إلى حضارة تابعة، من خلال البعد الإيجابي والأخلاقي لهذا التواصل، ودحض التمييز الجنسي والعرقي والديني والقومي، من خلال الثقافات العابرة لتلك الحدود النمطية، وتقبل جميع الاختلافات الطبيعية في الجنس البشري. حسب تعبير “شوتا” عن ذلك بقولها: “الآخر هو ذلك الشخص، أو تلك الخبرة التي تجعل من الممكن للذات أن تتعرف على أفقها الخاص بها، بحدوده في ضوء علاقات لا تماثلية مطروحة تحمل معالم الاختلافات الجنسية والاجتماعية والثقافية”، في (ص 99) من كتاب “نقض مركزية المركز”.

في هذا -أيضًا- كتبت فاطمة المرنيسي في الفصل الأول من روايتها الذاتية (نساء على أجنحة الحلم) بعنوان “حدود الحريم”: ولدتُ في حريم بفاس، المدينة المغربية التي تعود إلى القرن التاسع، وتقع على بعد خمسة آلاف كيلومتر غرب مكة، وألف كيلومتر جنوب مدريد، إحدى عواصم النصارى القساة. مشاكلنا مع النصارى كما يقول أبي، وكما هو الشأن مع النساء، تبدأ حين لا تحترم الحدود، وقد ولدت في فترة فوضى عارضة، إذ إن النساء والنصارى كانوا يحتجون على الحدود ويخرقونها باستمرار. (…) يقول أبي إن الله عندما خلق الأرض وما عليها، فصل بين الرجال والنساء، وشق بحرًا بكامله بين النصارى والمسلمين…”.

يتبادر إلى الذهن سؤال ذو أهمية: لماذا حددت فاطمة المرنيسي مدينتها من جهتين فقط، جهة المسلمين وجهة النصارى، ولماذا شبهت النساء بالنصارى؟

الحدود الفاصلة بين الرجل والمرأة، هي ذات الحدود الفاصلة بين العقل والتطور، وهي الحدود ذاتها الفاصلة بين الأنا والهو المختلف. قرب المسافة الجغرافية من الحضارة، لم يؤثر في الإيمان الأعمى بالموروث الديني، على الرغم من بعد المسافة بين المركز والهامش، ولا في العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين المختلفين والمختلفات من الطوائف والأديان، وبين الرجال والنساء.

هذا التأخر التاريخي لا يحيل إلاّ على الأصولية ومبدأ القوة والغلبة، أو الكثرة والقلة، حسب تعبير إلياس مرقص “الأكثرية راشدة، الأقلية قاصرة”، القوة في الرجل وليس له حدود لقوته وسطوته وسلطته، والضعف في المرأة وتبعيتها وتملّكها، إذًا الرجل راشد والمرأة قاصر. الرجل هو المركز، أي السلطة، فالسلطة يتوجب عليها استنباط الأفكار وعلى التابع للسلطة ألا يقبلها فحسب، بل يروج لها ويتغنى بها، لذلك نرى المرأة في مجتمعاتنا متماهية مع عبوديتها وتبعيتها للرجل، تدندن بأغنية شعبية تصغّرها، أو تتداول مثلًا شعبيًا يذلها.

كي لا تخدعنا المظاهر في وصول المرأة في المجتمعات العربية، وبالتحديد المرأة السورية، إلى مراكز مرموقة في المجتمع والدولة، لا بد من إدراك أنها ما زالت تخضع للتصغير اجتماعيًا بصفتها (حرمة)، و(نصف رجل) قانونيًا، نصف شاهدة ونصف وارثة، وهي (عورة) الرجل دينيًا.

في بيئتي، المرأة منفتحة على العالم الخارجي ومتصلة بثقافات مختلفة، تشارك الرجال في مجالسهم، لكنها توصف (بأخت الرجال)، أو (حرمة من ظهر أبيها)، وقد يأتي هذا الوصف من النساء أنفسهن، ومن رجال يدّعون الثقافة والتطور والانفتاح وينادون بالمساواة، ولا توصف كذات حرة مستقلة لها كيانها الخاص الحر والمستقل، وكينونتها وإنسانيتها.

باختصار لن تتحرر المرأة قبل أن تتحرر ذهنية الرجل من موروثه العريق أو العتيق.

المرأة في الأغنية الشعبية

المرأة في الأغنية الشعبية

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015