المرأة والتوازن ومتغيّرات العصر
مكانة المرأة العربية!

د. شما آل نهيان/صحيفة (الاتحاد) الإماراتية- منذ بدايات الإنسان كانت المرأة صاحبة الدور الأساسي في رعاية البيت وتلك الحتمية بيولوجية في المقام الأول. فهي التي تحمل جنينها وتضعه ويظل ملتصقا بها سنوات طويلة. وكون التكوين الفيزيائي للرجل جعل منه الأقوى والأقدر على الصيد وجمع الغذاء ومواجهة الهجمات التي تتعرض لها أسرته، نشأت حتمية بيولوجية أخرى وهي كون الرجل هو المسؤول الأول عن الأسرة. وتطورت المجتمعات البشرية، وكانت الأسرة هي امتداد لتلك العلاقات، التي نشأت في فجر ظهور الإنسان على الأرض.

خلال حركة التاريخ تحول مفهوم الحماية إلى مفهوم الملكية وتعاملت المجتمعات القديمة أو الكثير منها على الأصح إلى التعامل مع المرأة على أنها شيء يمتلكه الرجل، وليست كياناً إنسانياً وأحياناً في ظروف أفضل عوملت على أنها إنسان، لكن من الدرجة الثانية، فهي العاملة التي تقوم على رعاية البيت. ومع تطور الحضارة الإنسانية والتغيير الذي حدث في البنية والمفاهيم والقيم المجتمعية، تحولت المرأة من الشيئية إلى الكيان الإنساني، ومن دور المحمية إلى دور المشاركة في الحياة والمساهمة في قيادة دفة الحياة.

وظهرت الحركات النسوية حول العالم منذ زمن بعيد، وظهر مفهوم المساواة وضرورة أن تعود للمرأة حقوقها الإنسانية المسلوبة منذ فجر التاريخ البشري دون أن يكون هناك التفات لتلك الحتميات البيولوجية التي فرقت وساهمت في توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، فأصبح مفهوم المساواة هو مفهوم معيب، لأن المرأة تحتاج للعدالة وليس للمساواة والعدالة هنا تحقق للمرأة والرجل حقوقهما كاملة في ظل الاختلاف النفسي والجسدي بينهما.

ومع تمكين المرأة من حقها في العمل، بدأت تظهر إشكالية رعاية البيت، وعلت الأصوات أن على المرأة أن تحقق التوازن ما بين البيت والعمل حتى تحقق النجاح الكامل.. إن الظروف المحيطة التي فرضت واقع الاعتماد على قوة الرجل الجسمانية في الحصول على الطعام وحماية الأسرة كما كان قديما في فجر التاريخ البشري تغيرت وأصبح هناك دولة ومؤسسات تقوم على حماية كل أفراد المجتمع ورعاية وكفالة أفراده وتوفير المتطلبات الحياتية ، وبالتالي تغير جزء كبير من دور الرجل، ولكن ظلت مفاهيم المجتمع تطالب المرأة أن تقوم بدرها القديم كاملاً، وأيضاً دورها الجديد كاملاً ولابد أن تلتزم بتحقيق التوازن. 

والسؤال الذي أقف أمامه مندهشة: لماذا المرأة وحدها تُطالب بتحقيق التوازن بين العمل والبيت؟ أما حان الوقت لتغيير مفهوم مسؤولية المرأة منفردة عن الشؤون الداخلية للبيت وتربية الأبناء ورعايتهم؛ ليصبح الرجل أيضاً مسؤول عن تحقيق التوازن ما بين العمل والأصدقاء والاهتمامات الشخصية وما بين البيت ومسؤولية الأسرة؟ أما آن الأوان لإعادة النظر لمفاهيم طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار المسؤولية الأسرية وفي نور العدالة التي تراعي الاختلافات البيولوجية والنفسية بينهما؟

كم من المفاهيم والعلاقات المجتمعية تحتاج لإعادة صياغة حتى يمكننا أن ندخل مرحلة بنيان حضاري ومجتمعي حداثي ومتماسك ومتناغم مع الحركة الحتمية للتطور الإنساني.

مكانة المرأة العربية!

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015