خولة غازي/ موقع السيدة- الحياة المدنية في سوريا صورتها قاتمة، وغير معبرة عن حيوية المجتمع السوري وتميزه، مع ذلك هناك إشراقات ما تزال حاضرة في التاريخ، على الرغم من قلتها إلّا أن تأثيرها كان كبيراً خاصة بالنسبة للمرأة السورية التي استطاعت التميز تحت أي ظرف، فكانت ضمن الحراك المدني مما يعكس اهتمامها بالعمل العام، الذي بدأ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث شهدت تلك المرحلة نشاطاً خاصاً مع تشكّل عدد من الجمعيات الأهلية، فقد أسست ماري عجمي في العام 1910 مجلة «العروس» وهي أول مجلة في العالم العربي تنشئها وتديرها وتحررها امرأة، وأسست مريانا مراش أول صالون أدبي في حلب، كما أسست السيدة نازك العابد عام 1919 جمعية «نور الفيحاء»، وكانت أول رئيسة لها، وتعكس هذه النشاطات عمق اهتمام السوريات بالعمل العام.
الجمعيات الأهلية
نشط عدد من الجمعيات الأهلية في المجتمع السوري، لكن ظل نشاطها مقصوراً ومحدوداً، فلم يصل إلى جميع النساء خاصة في المناطق المهمشة، ما جعل العمل الأهلي محصوراً بالنشاط الحكومي من خلال الاتحاد النسائي، وصار المجتمع غير قادر على الإبداع والتطور والتغيير ومواكبة تجارب العمل الأهلي في الدول العربية الأخرى.
وقد أعاقت سيطرة الحزب الواحد خلق أجواء تنافسية للعمل المدني، فغرق المجتمع في حالة عجز وإفلاس انعكست على أداء الأفراد نساءً ورجالاً، ممثلاً في غياب الشعور بالمواطنة، إضافة إلى بعض القوانين المعرقلة لعملية التطور الاجتماعي.
ومن المهم أن نستعرض أهم الجمعيات السورية قبل الاستقلال وبعده، وصولاً إلى مرحلة الاتحاد النسائي.
الجمعيات النسائية قبل الاستقلال
انتشرت الجمعيات قبل الاستقلال وكانت تركز جهودها على نشر التعليم والدعوة إلى العمل من خلال تنشيط دور النساء، وأهم الجمعيات: جمعية “يقظة الفتاة العربية”، التي تأسست عام 1915، واهتمت بتعليم الفتيات وتنشيط دورهن في الحياة المدنية، وجمعية “الأمور الخيرية للفتيات العربية” وقد اهتمت بفتح المدارس الخاصة بالإناث، كما نشطت في مقاومة الاحتلال الفرنسي.
وقد تأسست جمعية “النجمة الحمراء” عام 1920 وكان دورها القيام بأعمال الصليب الأحمر، و”النادي الأدبي النسائي” الذي تأسس عام 1920 وجمعية “نقطة الحليب” التي تأسست عام 1922 واهتمت برعاية الطفولة وعملت على نشر أهمية العناية بالأطفال، وجمعية “يقظة المرأة الشامية” التي تأسست عام 1927 بهدف إحياء الصناعات اليدوية وتطويرها، وجمعية “دوحة الأدب” 1928، وجمعية “خريجات دور المعلمات” بهدف تعليم الفتيات وتقديم العون لهن.
الجمعيات النسائية بعد الاستقلال
نشطت الجمعيات بعد الاستقلال، وكانت متنوعة ولكلٍ منها اتجاه مختلف، تراوح بين الفكرية والاجتماعية والصحية. واشتملت الجمعيات الخيرية والنقابية والفكرية على 12 جمعية، أما الصحية فقد ضمت ثلاث جمعيات، والإسلامية الاجتماعية 4 جمعيات.
وعلى الصعيد السياسي، تأسست أول جمعية نسائية سورية ذات طابع سياسي عام 1943 وهي جمعية للنساء العرب القوميات اللاتي طالبن بحقوق المرأة السياسية، وعملت من أجل قضية فلسطين، وعقدت عدة مؤتمرات نصرة للقضية الفلسطينية. كما تأسست جمعيات نسائية للعناية بالمقاتلين من الجيش والمتطوعين، كجمعية “رعاية الجندي وأسرته” والجمعية “النسائية للخدمات الاجتماعية” وجمعية “مواساة لاجئي فلسطين”.
وتقول السيدة سوسن رسلان في بحث لها عن الجمعيات: إنه تم تأسيس جمعيات ذات نشاطات متنوعة، منها “رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة”، واهتمت بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية كمحو الأمية ونشر الوعي الثقافي بين النساء، وجمعية “الرائدة العربية” التي اهتمت بتطوير الوعي القومي لدى المرأة وتعميقه من خلال عقد الندوات وإصدار مجلة نسائية واجراء البحوث والدراسات.
نواة الإتحاد النسائي
وكانت نواة الاتحاد العام النسائي الأولى عام 1933 حيث قامت ثلاث جمعيات نسائية بتشكيل اتحاد نسائي عربي، وفي عام 1944 سمي باتحاد الجمعيات النسائية في دمشق وضم جمعيات مختلفة اتبعت التقسيمات الإدارية في سوريا.
الجمعيات النسائية السورية
بالإضافة إلى الاتحاد النسائي العام، كانت هناك “رابطة النساء السوريات” التي تأسست عام 1948 لإعداد دراسات حول المرأة ومشاركتها، ولها إسهامات اجتماعية عديدة. وهناك عدة جمعيات تعمل تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتهدف إلى رعاية الفتيات وكفالة الأيتام وغيره.
الهيئة السورية لشؤون الأسرة
وهي هيئة حكومية ترتبط مباشرة برئاسة مجلس الوزراء، تأسست عام 1993، وتهدف إلى تمكين الأسرة وفق ما جاء في تعريفها على موقعها الرسمي في الإنترنت، وتهدف للعمل على حماية الأسرة وتعميق تماسكها والحفاظ على هويتها وقيمها، وخلق آفاق جديدة لتحسين مستوى حياة الأسرة وتمكينها على كافة الأصعدة، مع تنشيط دور الأسرة وتفعيله عبر آليات تفاعلها مع المؤسسات والهيئات الوطنية المهتمة بشؤون الأسرة سواء كانت رسمية أو غير رسمية، مع خلق مناخ ملائم للحوار بين المعنيين ودفعهم إلى تحقيق أفضل النتائج الممكنة، وتشجيع قيادات المجتمع وقطاع الأعمال على الاهتمام بقضايا الأسرة ودعم الاستراتيجيات المستدامة، لتحسين أوضاع الأسرة السورية وزيادة استقلاليتها.
وكانت الهيئة هي النسخة الحديثة للاتحاد النسائي، لذا تم إلغاء الاتحاد النسائي بحجة أنه لا معنى له في وجود الهيئة العامة للأسرة. لكن ظل عمل الهيئة لفترات مجرد عمل بحثي واستقصائي، ولم يلامس الطبقة المهمشة. ويسجل للهيئة أنها ضمت أجيالاً جديدة كانت قد يئست من العمل المدني في سوريا وأهميته، وترى في الاتحاد النسائي مجرد مؤسسة حكومية لا جدوى منها ولا تواكب العصر الحديث.
رابطة النساء السوريات
تأسست رابطة النساء السوريات عام 1948 باسم رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة، وهي عضو مؤسّس في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي من عام 1948 وعضو مؤسّس في “محكمة النساء العربية لمناهضة العنف ضدّ المرأة” عام 1996. ووفق بحث للكاتب وائل سواح، اعتُبرت الرابطة باستمرار ذراعاً للحزب الشيوعي السوري. واستمر خطاب رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة خطاباً نسوياً سياسياً (شيوعياً) حتى انقسامها عام 1986، حيث حافظ التيار الأول (بقيادة خالد بكداش) على الخطاب ذاته، بينما تبنّى التيار الثاني خطاباً نهضوياً عامّاً يتجاوز الاصطفافات الحزبية، مساهماً في إعادة إحياء حركة نسوية مستقلّة، مّا مكّنه وعبر العديد من نشاطاته من استقطاب عدد هامّ من المشتغلين بالقضية النسوية، وتقديم نفسه للمجتمع بما ينسجم مع برنامجه الجديد، واستخدم هذا التيار اسم “رابطة النساء السوريات”.
وكان حضور الرابطة متميّزاً على امتداد العقود الماضية كلّها، وفي ظلّ الحكومات المتعاقبة على سورية. وقد عملت، وفقاً لما تقوله إحدى القياديات في الرابطة، على تمكين المرأة السورية قانونياً وسياسياً واجتماعياً من جهة، وعلى تحويل قضية المرأة إلى قضية مجتمعية من جهة أخرى.
وكان أداء الرابطة متميزاً في المجال القانوني، حيث تناولت الرابطة حقوق المرأة كحقّ من حقوق الإنسان، كما عملت على التعريف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، معتبرةً إياه إلى جانب دستور البلاد منطلقاً أساسياً لنشاطها وسعيها من أجل تعديل القوانين ذات الصفة التمييزية.
المرأة والاعتقالات السياسية
في فترة الثمانينيات والتسعينيات، اعتقلت عشرات النساء بحجة الانتماء لتيارات سياسية مناوئة لاستقرار الدولة، مثل رابطة العمل الشيوعي، وحركة الإخوان المسلمين. في عام 1977 تم اعتقال 12 امرأة من بين أعضاء رابطة العمل الشيوعي الذين رفضوا التدخل في لبنان بذلك الوقت، كما اعتقلت أكثر من 100 امرأة في الحملة الأمنية التي تمت عام 1987، وخضعت الكثيرات منهن لعمليات التعذيب المختلفة، كالدولاب والكرسي الألماني وغيرها من طرق التعذيب المعروفة في ذلك الحين. وفي الآونة الأخيرة أصدر عدد من المعتقلات السابقات قصصهن، وروين كيف تم تعذيبهن بأساليب وحشية.
المرأة في البرلمان
أما وصول المرأة السورية للبرلمان في سورية، فكان فترة الوحدة السورية المصرية بين عامي 1958 ـــ1961 ضمن برلمان الوحدة، ودخلت سيدتان في عضوية المجالس التشريعية هما جيهان الموصلي ووداد هارون. وعلى الرغم من وجودهما في البرلمان، إلّا أن وصولهما كان بقرار من السلطة السياسية العليا، وليس بقرار الناخب عبر صندوق الانتخاب.
تراجع دور المرأة في الشأن العام
استمرت مشاركة النساء السوريات في الشأن العام حتى أوائل الستينيات، في تأسيس النوادي والصالونات الأدبية، وكانت المرأة السورية حريصة على حضورها في الميدان السياسي والانتخابات البرلمانية، فكانت الحياة السورية تزخر بالتعددية السياسية الحزبية وكثرة المنابر الفكرية، إلى أن بدأت ثورة الثامن من آذار ودخلت سوريا عهداً جديداً في حياتها السياسية والاجتماعية، محكومةً بالحزب الواحد وسيطرة الدولة على العمل العام، ما أدى إلى تراجع دور المرأة في ذلك المجال، وفي أدلجة مساهمتها بما يوافق النظام السياسي ومنظماته، حيث تماهت الأنشطة النسائية مع الأنشطة الرسمية.