المناضل الطري وقضايا المرأة!
تخطيط لـ فادي يازجي

وكالة أخبار المرأة- النضال الطري هو نضال يقوم به فئة من الناس، يحملون سيوفهم الوهمية (الطرية)، سواء كانت أقلاما، أم حناجر، أم مؤسسات، يشهرونها في قضايا معينة، ضريبتها وكلفتها قليلة، وربحها إعلاميا أكبر، فهو يخشى الدخول في معارك حقيقية من باب النضال ضد الظالم المستبد عسكريا كان أم مدنيا، أو الحاكم الغاشم الذي لا يرحم معارضيه، وقضايا المرأة نموذج لمثل هذا المناضل الطري، فهو ينتقي من قضايا المرأة ما يوافق قدراته الطرية.

فهو مناضل كبير في قضية خلع المرأة نقابها، ويرى ارتداءه علامة تخلف، ولو خلعت الحجاب كذلك فهو التحرر بعينه، ومع الدولة والنظام في منعه من المرافق العامة، بينما موقفه ممن ارتدت النقاب أو الحجاب عن اختيار وطواعية، وقناعة دينية بأن الوجه عورة، فهو تخلف، ومستعد لحشد حملة ضد لبس النقاب أو الحجاب. فهو مع حرية التعري فقط، لكنه ليس مع حرية التغطي، فالحرية عنده في اتجاه واحد هو اتجاه هواه، والحرية الشخصية عنده ما يوافق شخصيته هو لا الآخرين.

وهو مناضل في قضايا المرأة، ويتصدر لها، باسم حرية المرأة في تغطية جسدها أو تعريته، وحرية أن تتصرف في جسدها كما تشاء، حتى لو كانت تريد الزنا، فجسدها ملكها، ويراها مناضلة وحرة، ولكنه عند الزواج ينقلب إلى متشدد ومحافظ، فيذهب لقريته التي ولد فيها، أو يتزوج زواجا تقليديا، من فتاة محتشمة، ولو كانت ملتزمة فيكون أفضل، ولو عرف أنها أخطأت فيما أخطأ فيه قبل زواجه، فلن يسامحها، رغم أنه ينادي بأنها حرة، ولا تحاسبها على ما مضى هذا عندما يتعلق الأمر بغيره، كنوع من النضال الكلامي فقط!!

وهو يناضل ضد تخلف الخطاب الديني كما يقول، هكذا بالمطلق، لكنه لا يهاجم ولا يتكلم إلا عن خطاب شيوخ دين واحد هو الإسلام، رغم أن الأديان السماوية ثلاثة، لكنه لا يجرؤ أن ينبس ببنت شفة عن المسيحية، ولا عن خطابها الذي عند مصارحته سيقول إنه كارثي بكل المقاييس، لكن عقله الأعور لا يرى إلا في اتجاه واحد، لأنه الأسهل وضريبته أقل بالنسبة له.

فهو يتكلم عن حرية أن تتزوج المسلمة بغير مسلم، ولكنه لا يجرؤ أن يتكلم أو يطرح موضوع حرية زواج الأرثوذكسية من الكاثوليكي، وهم أتباع ديانة واحدة، ترفض الكنيسة أن يتزوجا لاختلاف المذهب، ولو سألته: هل تقبل أن يتزوج ابنتك مسيحي، أو وثني، أو ملحد؟ سيصمت، وربما قال: نعم، لكن وقت الجد لن تجده ينفذ، فموقفه إعلامي فقط.

وهو يتكلم أنه لا بد أن ترث المرأة مثل الرجل، الأخت كالأخ، وعندما تشرح لهم أن الإسلام له منظومة في النفقة والإرث متكاملة، لا يؤخذ منها طرف دون الآخر، ثم تسأله: هل عندما ورثت من أحد أبويك، هل أعطيت أختك مثلما أخذت، فالقانون في بلادنا العربية في المواريث موافق للشريعة، فهل عندما أخذت الإرث قمت بإعطاء أخواتك البنات ما يساويهن بك؟ وهل أنت مستعد لذلك؟

فالمناضل (الطري) يناضل فقط في قضايا المرأة السهلة، ما يكون الحديث فيها فقط عن الدين وشيوخه، لكن ماذا عن نضاله لأجل المرأة المسجونة سياسيا، ومحكوم عليها في قضايا عسكرية ملفقة، وماذا عن تعذيب المرأة، وماذا عن حقوق المرأة زوجة المعتقل السياسي؛ المرأة: أما، وزوجة، وبنتا، وأختا، لهذا السجين المظلوم؟ لا حديث، فذاك نضال عسير، وضريبته لا يتحملها المناضل (الطري).

وما يقال عن المناضل الطري في بلادنا في المشرق والمغرب العربي، يقال في الخليج العربي، فكثيرا ما رأيت من يسنون أقلام النضال عن قضايا المرأة، أو عن نظرة الجماعات والمشايخ للمرأة وفقهها، ولكن عند كلامه عن طويل العمر (الحاكم)، يتحول لمناضل (طري) من الطراز الأول، فهو لا يجرؤ على الكتابة ولو بالإشارة الخفية، فضلا عن الاعتراض على قوانين بعض بلاد الخليج في الزواج، ومنع زواج ابن البلد نفسه المواطن من بنت البلد المواطنة ليست من درجة الكفاءة في بلاده، فهي من عائلة أعلى من حيث النسب والقبيلة، فما موقف عمنا المناضل الخليجي الطري؟ أذكر مرة لقيت أحد هؤلاء المناضلين، وظل ينتقد الجماعات في موقفها من المرأة، وتشددها، فقلت له: هل تستطيع أن تطالب في بلدك بخلع النساء الثياب السوداء والنقاب؟ وهل تستطيع أن تطلب ذلك من زوجتك؟ فصمت ولم يُحِر جوابا، وهو موقف كثيرين غيره.

ونفس الكلام يقال عن مشايخ، كانت تحرم التصوير، وفوق رأسه صورة صاحب الفخامة والجلالة طويل العمر. فهو يناضل برواية حديث: “لعن الله المصورين” لكن جهاده منصوب على من يصور الشعب، أما من يصور صاحب الجلالة، فلا.

إن المناضل (الطري) أغلب نضاله ضد من في القبور، لا من في القصور. يناضل ضد أهل التراث الفقهي والعلمي الذين اجتهدوا لزمانهم أصابوا أم أخطأوا، فهو أسد في مواجهة الأموات، أما في مواجهة الأحياء من الحكام فسيبحث وقتها عن حجة يبرر له نضاله الطري، بأنه مجدد خطاب ديني لا سياسي، وكأن الحاكم الظالم لا يتدخل في دين الناس بإفساده، ومصادرته، وهو في حقيقته لا مناضل ولا مجدد، بل هو متاجر بهذه القضايا، فالنضال الحقيقي يكون شاملا، ولا يفرق بين ما يخص المواطن وما يخص الحاكم، فالنضال القائم على مبادئ واحد ولا يتجزأ، وإلا كان كمن قال فيهم الشاعر:
كالهِر يحكي انتفاخا صولة الأسد!

تخطيط لـ فادي يازجي

تخطيط لـ فادي يازجي

أترك تعليق

مقالات
يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن نتحول بين ليلة وضحاها إلى دعاة سلام! والسلام المقصود هنا هو السلام التبادلي اليومي السائد في الخطاب العام.المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015