الناجيات من العنف…إلى أين يذهبن؟

إشكاليات البيوت الآمنة للنساء (Shelters) في مصر والفجوات الخاصة بالاستجابة لاحتياجات الناجيات.

-إشكاليات-البيوت-الآمنة-للنساء

مصر/منظمة نظرة للدراسات النسوية- يعد موضوع العنف ضد المرأة بمختلف أشكاله وكيفية التصدي له هو أولوية من أولويات الحركة  النسوية محليا وإقليميا ودوليا. مناهضة العنف لا تعني حصرا القضاء على الظاهرة أو الحد منها ولكنها تعني أيضا وبشكل أساسي خلق آليات حقيقية تتعامل مع وقائع العنف ضد النساء من خلال رؤية شاملة تدمج منظور النوع الاجتماعي وتوفر الخدمات الأساسية للناجيات من العنف. لذلك يشغل الكثير من النسويات المنخرطات في منظمات وحركات ومبادرات مختلفة سؤال أساسي وهو: كيف يمكن الاستجابة لاحتياجات الناجيات من العنف بشكل أفضل؟ هناك طرق عدة للاستجابة لاحتياجات الناجيات بشكل  شامل وعدة خدمات من المهم تقديمها، ومنها الخدمات الطبية والمساندة القانونية والدعم النفسي. ومن أهم سبل الاستجابة لاحتياجات النساء المعنفات هو توفير بيوت آمنة (shelters)  للناجيات من العنف الأسري أو الجنسي وذلك أولاً لحمايتهن من تكرار تجربة العنف بعيدا عن الأسرة أو الزوج، أو أيا كان المعتدي، وثانيا لتمكينهن ومساندتهن لإعادة الاندماج في المجتمع سواء كان ذلك عن طريق التمكين الاقتصادي أو توفير الدعم النفسي أو المساندة القانونية.

انطلاقا من إيماننا بأهمية وجود بيوت لحماية وتمكين الناجيات من العنف، تقدم “نظرة للدراسات النسوية”هذا البحث عن البيوت الآمنة للنساء (shelters) في مصر سواء كانت تلك البيوت تابعة للحكومة (وزارة التضامن الاجتماعي) أو المجتمع المدني (والتي تخضع كذلك لإشراف وزارة التضامن). الهدف من البحث هو أولا توثيق حالة البيوت الآمنة للنساء في مصر ومدى استعدادها وأهليتها لاستقبال الناجيات من العنف، وثانيا تقديم توصيات لتحسين الخدمة المقدمة من هذه البيوت للنساء المعنفات. يأتي هذا البحث أيضا في ضوء تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحةالعنف ضد المرأة  التي أطلقها المجلس القومي للمرأة العام الماضي بتاريخ 7 مايو 2015. تطرقت الاستراتيجية في محورها الثالث إلى موضوع البيوت الآمنة وأعلنت أن من أهدافها “توفير مراكز استضافة كافية للمعنفات”.  حيث أن الإستراتيجية تتطرق إلي زيادة عدد البيوت الآمنة في الجمهورية، فمن الضروري توثيق وتقييم مدى أهلية البيوت الموجودة بالفعل لاستقبال الناجيات وتمكينهن، حتى يكون الحديث عن زيادة عدد البيوت الآمنة واقعيا وذي جدوى.

أهمية المنظور النسوي  

إن التعاطي مع فكرة البيوت الآمنة يختلف حسب المنظور الذي نتبناه وحسب رؤيتنا للعنف. كمجموعة نسويات، نرى أن العنف ضد المرأة هو تجلي للبنية والثقافة الأبوية التي تخلق علاقات قوى غير متكافئة بين الرجال والنساء وتقهر النساء بطرق عدة منها العنف الجسدي والجنسي. لا يمكن فصل العنف ضد المرأة عن المنطق الأبوي وعن النظرة الدونية للنساء والتمييز ضد النساء بكافة الطرق الأخرى. بالتالي نحن نرى العنف ضد النساء لا كفعل فردي أو استثنائي، بل كاستمرار أكثر فجاجة لأشكال أخرى من القهر الأبوي. نرى البيوت الآمنة كأداة من أدوات تمكين النساء ومساندتهن على تخطى تجربة العنف ليتحولن من ضحايا إلى ناجيات قادرات على إعادة ممارسة حيواتهن بالطريقة التي يختارونها دون الإحساس المستمر بالوصمة أو لوم الذات. من نفس المنطلق، فالبيوت الآمنة ليست خدمة منعزلة بذاتها بل ينبغى أن تكون جزء من منظومة أشمل تهدف للاستجابة لاحتياجات الناجيات من العنف على جميع الأصعدة. البيوت الآمنة ليست أيضا أماكن للصلح بين طرفين،. فمن منظورنا، العنف ضد المرأة جريمة حتى وان كانت أشكالا كثيرة منه غير مجرمة قانونا، والناجية التي تلجأ للبيت الآمن هي ناجية من جريمة عنف وليست امرأة غاضبة على أثر شجار مع زوجها أو أسرتها، ونؤمن أن دور البيت الآمن هو توفير الحماية للناجية وإعادة تأهيلها، وليس تبني دور الوصاية عليها في تحديد ما يجب فعله نتيجة العنف الممارس ضدها، أو أخذ قرارات بالنيابة عنها، مثلما يحدث حينما يقوم بعض القائمين على تلك البيوت باجتماعات الصلح بين الناجيات والجناة في حالات العنف الممارس في المجال الخاص وتباعا، نحن لا نقف على مسافة واحدة من الطرفين، فنحن في صف الناجية ونرى أنه من دور البيوت الآمنة أن تمكنها هي من اتخاذ القرار الذي يناسبها سواء بالاستقلال أو العودة.

حيث أن قضايا النساء هي قضايا عامة، فالعنف ضد المرأة وكيفية التصدي له، كأي جريمة أخرى هو جريمة تهم المجتمع ككل وآليات الاستجابة لها ومعالجتها تخص جميع الفاعلين سواء من الدولة أو المجتمع المدني. بالتالي تطوير الخدمات المقدمة للناجيات ومنها البيوت الآمنة يجب أن تكون على أولوية الحكومة المصرية خاصة في ضوء تفعيل الإستراتيجية الوطنية.

منهجية البحث

اعتمد البحث بالأساس على مقابلات شخصية مع شخصيات مختلفة من منظمات المجتمع المدني التي تتبع نظام الإحالة إلى البيوت الآمنة ولها تاريخ طويل في التعامل معهم ومنها: مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف والتعذيب ونظرة للدراسات النسوية ومؤسسة المرأة والتنمية، أو هيئات عالمية بذلت جهود في تطوير البيوت الآمنة في مصر مثل UN WOMEN وكذلك بعض منظمات المجتمع المدني التي لديها تجربة في إدارة البيوت الآمنة مثل جمعية النهوض والتنمية بالمرأة (ADEW) ومؤسسة قضايا المرأة المصرية ومؤسسة بناتي وكذلك بعض الآليات الوطنية مثل المجلس القومي للسكان. اعتمد البحث أيضا على مقابلات مع بعض مديرين أو مديرات البيوت الآمنة أو الجمعيات المسندة إليها إدارتها وكذلك بعض المقابلات مع ناجيات من العنف لجأن إلى البيوت الآمنة. أيضا، قمنا بزيارة بعض البيوت الآمنة في مصر. واستخدم البحث أيضا تجارب والمواقع الإلكترونية للبيوت الآمنة حول العالم وموقع وزارة التضامن الاجتماعي وبعض التقارير المنشورة عن الموضوع.

حاولت “نظرة للدراسات النسوية” زيارة جميع البيوت الآمنة الموجودة في مصر إلا أن ذلك يتطلب موافقة رسمية من وزارة التضامن الاجتماعي. قمنا بمخاطبة الوزارة رسميا ولكننا للأسف لم نتلقى ردا بالموافقة. تعد هذه من أبرزالمعوقات التي واجهتنا في كتابة الورقة، فبدلا من زيارة جميع البيوت الآمنة اضطررنا في أغلب الأحيان إلى الاعتماد على مصادر ثانوية.

1- نبذة عن البيوت الآمنة في العالم

يوجد عدد كبير من البيوت الآمنة حول العالم سواء كانت مدارة من أطراف حكومية أو من المجتمع المدني أو بشكل مشترك بين الاثنين. بشكل عام، الهدف من وجود بيوت آمنة كما سلف ذكره هو حماية النساء من العنف الذي يتعرضن له وتمكينهن ومساعدتهن في إعادة الاندماج في المجتمع وكذلك التخطيط لمستقبل الناجية طبقا لرغباتها. تقول بندانا رانا ، وهي مؤسسة الشبكة العالمية للبيوت الآمنة النساء (Global Network of Women’s Shelters): “كنا نتعامل مع النساء المعنفات وكنا نشجع النساء اللاتي يتعرضن لعنف على تقديم بلاغات، وهنا واجهتنا مشكلة وهي أنهن عندما استمعن إلى نصيحتنا وقدمن شكاوى وبلاغات ضد المعتدين من أسرهن، بل وأقدمن على هجر بيت الأسرة أو الزوج بسبب العنف الذي يتعرضن له، لم يجدن مكان آمن يذهبن إليه. من ثم أدركنا أهمية وجود البيوت الآمنة، للدرجة التي بتنا نعتقد فيها أنه لا جدوى من تشجيع الناجيات على ترك بيوتهن أو مواجهة المعتدين إلا إذا كنا قادرين على توفير مكان آمن لهن”. بالتالي غياب بيوت آمنة للنساء يؤثر بشكل كبير على إمكانية مناهضة العنف ضد النساء ويحد من فرص النساء في التصدي للعنف الذي يعانين منه، لشعورهن أنهن إذا تركن تلك البيوت والأشخاص الذين يعنفونهن، لن يجدن مكان يلجأن إليه ولن يجدن من يساندهن، مما يدفع بعضهن إلى البقاء.

تُعَرف أغلب البيوت الآمنة العنف طبقاً للمفاهيم الدولية واستنادا بالأساس إلى إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة عام 1993  والذي أعطى تعريفا شاملا للعنف ضد النساء متضمنا أي ضرر أو أذى جسدي أو جنسي أو نفسي تتعرض له المرأة على أساس نوعها. على سبيل المثال وليس الحصر، تشمل التعريفات العالمية للعنف والمتفق عليها في الكثير من البيوت الآمنة للنساء في أنحاء مختلفة من العالم العنف الجسدي مثل الضرب المبرح، واستخدام الأسلحة أو الآلات الحادة، والحبس والحرمان من الحرية، والعنف الجنسي بدرجاته، وكذلك العنف اللفظي (الاهانة، التهديدات، إلخ)، والعنف النفسي، سواء مورست تلك الأفعال من الأسرة، أو الزوج، أو المجتمع (في الشارع والأماكن العامة)، أو من قبل الدولة أو بموافقتها . تتبنى بعض البيوت الآمنة تعريفات أوسع وأكثر تفصيلا للعنف لتشمل مثلا منع المرأة من العمل، أو الحد من حرية حركتها من قبل الزوج أو الأسرة، وإهانة النساء أو السخرية منهن بشكل عام، والاحساس بالرفض .

من المتعارف عليه في كثير من دول العالم أيضا هو وجود ثلاثة أنواع مختلفة من البيوت الآمنة: بيوت الطوارئ،  والبيوت قصيرة المدى، والبيوت طويلة المدى . من المفترض أن تكون البيوت الطارئة لتقديم الخدمة السريعة والمباشرة وتوفير حماية مؤقتة لا تتعدي الثلاثة أيام، أما البيوت الآمنة قصيرة المدى يمكن للنساء البقاء فيها مدة لا تتجاوز العام في أغلب الأحيان وتقوم بتأهيل النساء في هذه المدة  لتتمكن من الاستقلال أو اتخاذ القرار بالعودة إلى المنزل بعد المدة المحددة، وأحيانا يتم تحويل الناجية من بيت آمن الطوارئ إلى بيت آمن قصير المدى. أما بيوت آمنة المدى البعيد تسمح للنساء البقاء مدة أطول للحالات الصعبة التي تحتاج إلى مدة أطول للعلاج النفسي أو الطبي .

في أغلب الأحيان من الضروري وجود البيوت الآمنة في أماكن نائية يصعب الوصول إليها وذلك لحماية الناجية من وصول العائلة أو مرتكب الجريمة من الوصول إلى مكان الناجية. تتبع البيوت الآمنة سياسات وأساليب مختلفة للإعلان عن وجودها، وذلك لأن المعادلة بين إمكانية وصول الناجيات للبيوت الآمنة ومعرفتهن بوجودها، وبين السرية وحماية البيت الآمن من الاقتحامات المحتملة من الأهل هي معادلة صعبة وتخضع لتقديرات مختلفة. فعلى سبيل المثال، تفضل بعض البيوت الآمنة عدم الإعلان على الإطلاق عن مكانها وتكتفي بوجود موقع رسمي وخط ساخن لديها ، أو تعتمد على التحويل من المنظمات الأخرى، أو تعلن المنظمة عن عنوان مكتبها والذي تأتي إليه الناجيات ثم تقوم بتحويلها إلى البيت الآمن دون الإعلان عن مكانه . وفي بعض الأحيان يتم الإعلان عن عنوان البيت ألامن ويكون عنوانه معروف، ويعتمد ذلك على درجة الحماية المتوفرة للبيت ألامن سواء من الشرطة أو الأهالي في المكان المحيط أو الأمن الخاص بالبيت الآمن. تسمح بعض البيوت الآمنة بوجود لاجئات أو نساء غير حاملة لجنسية البلد الذي يوجد به البيت الآمن وأخرى لا، وتقدم بعض البيوت الآمنة في الدنمارك مثلا خدمات مخصصة للأقليات العرقية والدينية.

طبقا للشبكة العالمية للبيوت الآمنة للنساء، فدور البيوت الآمنة ليس فقط توفير مكان مؤقت لاستضافة النساء. يجب على البيوت الآمنة أن تكون أماكن لتمكين النساء بعدة طرق: اقتصادية ونفسية وقانونية وتأهيلها لاتخاذ القرار المناسب لها سواء بالاستقلال، أو العودة، أو اتخاذ مسار قانوني. هناك الكثير من التجارب المتقدمة والملهمة في تطوير البيوت الآمنة للنساء، حتى في الدول التي تعاني من ثقافة متسامحة مع العنف ضد النساء أو لا تعتبر فيها الدولة أمن النساء وسلامتهن أولوية. على سبيل المثال تروي أوما شاه، مديرة “ساثي” ، البيت الآمن الوحيد المستقل في نيبال والذي عمل مؤسسوه على تأسيس الشبكة العالمية للبيوت الآمنة للنساء، عن الصعوبات التي واجهتهن عند تأسيس البيت الآمن والمقاومة الشديدة التي واجهوها من المجتمع والدولة على اعتبار أن البيت الآمن مكان لانحراف النساء، إلا أن البيت الآمت أصبح الآن متطورًا جدا وأصبح يتلقى دعم من الدولة (ولو محدود). عندما تأتي الناجية إلى بيت آمن “ساثي” (وهو مفتوح 24 ساعة يوميا)، يتم تقييم حالتها النفسية والصحية والجسدية وبناء على ذلك يتم تقديم المساعدة القانونية أو النفسية أو الطبية لها بناء على الحالة. خلال إقامة الفتاة في البيت الآمن يتم تدريبها على مهارات مختلفة لتمكينها اقتصاديا، كما يساهم البيت الآمن ماديا إذا كانت الناجية ترغب في بدء مشروعها الخاص أو يساعدها علي البحث عن عمل، كما يساهم في دفع إيجار أول شهرين بعد استقلال الناجية وتركها للبيت الآمن. وكذلك يوفر البيت الآمن خدمات تعليمية للمرأة المعنفة كما يساهم في تعليم أطفال النساء المعنفات لمدة عامين حتى بعد تركهن للبيت الآمن إذا احتجن لذلك.  ترى شاه أيضا أن من شأن البيت الآمن تطوير الوعي النسوي للنساء المعنفات أو على الأقل التوعية بمنظور النوع الاجتماعي وهي السياسة التي يتبعها بيت آمن ساثي والذي يوفر تدريبات عن النوع الاجتماعي، والعنف ضد المرأة، والاتجار بالنساء للناجيات. وبعد التأكد من أن حالة المرأة تسمحلها بترك البيت الآمن، يكون هناك نظام متابعة لمدة عام، يتخلله في بعض الأحيان زيارات من الناجية إلى ذات البيت.

أما في بعض البلاد التي ربما قطعت فيها الدولة شوطا أكبر في تمكين النساء ومناهضة العنف ضدهن مثل الدنمارك، يوجد منظمة وطنية للبيوت الآمنة للنساء والتي تربط بين ال41 بيت آمن الموجودين في الدنمارك وذلك لتنسيق الجهود بينهم وتبادل الخبرات والمعلومات. من دور تلك المنظمة الوطنية أيضا تدريب العاملين بالبيوت الآمنة وتنظيم حملات ودورات لتحسين مستوى الخدمة المقدمة في البيوت الآمنة. كما تنشر أيضا أبحاث وإحصائيات عن النساء المعنفات وعن العنف ضد النساء في الدنمارك، وترى أنه من دورها عمل حملات توعية عن العنف ضد النساء وكذلك التشبيك مع منظمات محلية وإقليمية ودولية للتأكيد على أهمية وجود وتطوير البيوت الآمنة للنساء في العالم. وعلى المستوى العالمي توجد الشبكة العالمية للبيوت الآمنة للنساء والتي تأسست عام 2009 وأصبحت تضم عدد كبير من المؤسسات والمنظمات التي تدير البيوت الآمنة حول العالم في أكثر من 44 دولة، وتنظم الشبكة بشكل دوري مؤتمرا عالميا (كل عامين ونصف تقريبا) لتبادل الخبرات وتضافر الجهود الخاصة بتطوير البيوت الآمنة.

2- عن البيوت الآمنة في مصر

تأسست أول بيوت آمنة للنساء في مصر عام 2003 بعد قرارين وزاريين صدروا عام  2000 وبناء عليهم أنشأت وزارة التضامن الاجتماعي (وزارة الشؤون الاجتماعية وقتذاك) سبع بيوت آمنة للنساء وزاد عددهم فيما بعد. طبقا لموقع وزارة التضامن يوجد حاليا 9 بيوت آمنة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي بالتوزيع الآتي: (1) في القاهرة (1) في الجيزة (1) القليوبية (2) في الاسكندرية (1) في المنصورة (1) في بني سويف (1) في الفيوم و(1) المنيا، إلا انه فعليا تبين أن هناك بيت آمن واحد بالإسكندرية وتوقف الثاني عن العمل، كما يوجد بيت آمن واحد مستقل عن وزارة التضامن الاجتماعي وهو بيت جمعية النهوض والتنمية بالمرأة (ADEW) ومكانه غير معلن كحماية للناجيات، بالتالي يوجد فعليا 9 بيوت آمنة في مصر سواء كانت تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي أم للمنظمات غير الحكومية. بالنسبة للبيوت الآمنة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، فهي مشاريع حكومية بالأساس تابعة للوزارة وممولة منها وقد تقرر الوزارة إسناد إدارة البيت الآمن إلى جمعية أهلية، ولكن تبقى الوزارة هي المشرفة على البيت الآمن إداريا. وفيما عدا البيوت الآمنة الموجودة في محافظتي بني سويف والقليوبية والتي تخضع للتنفيذ الحكومي، باقي البيوت مسندة إلى جمعيات أهلية ولكنها تخضع لإشراف وزارة التضامن الاجتماعي وممولة بالكامل من الوزارة. أما عن بيوت المجتمع المدني (والموجود منها بيت ADEW فقط لغير القاصرات ) فهي بالأساس مشروع مستقل للمنظمة التي تأسسه وتتكفل هي بتمويله، إلا أنها يجب أن تحصل على تصريح من وزارة التضامن الاجتماعي لإنشاء البيت الآمن، كما تخضع لإشراف دوري من الوزارة. العناوين الخاصة بالبيوت (فيما عدا بيت ADEW) معلنة على موقع وزارة التضامن الاجتماعي وكذلك يوجد خط ساخن للوزارة .  من المفترض أن هناك خط ساخن للبيوت الآمنة ولكنه غير مُفَعل ويتم تحويل النساء على البيوت الآمنة عن طريق الخط الساخن لمكتب الشكاوى بالمجلس القومي للمرأة، والمنظمات غير الحكومية التي تعمل مع المعنفات، أو في بعض الأحيان عن طريق المستشفيات في حالة البيوت التي كونت شبكات وعلاقات جيدة في محيطها مثل بيت الجيزة . يذكر أيضا أن مؤسسة قضايا المرأة المصرية (CEWLA) لم تتمكن من الحصول على ترخيص لإعادة فتح البيت الآمن الخاص بها والذي عمل لمدة ثلاث سنوات ثم توقف منذ عام 2011 حتى اليوم. قامت المؤسسة برفع قضية على وزارة التضامن الاجتماعي للتمكن من إعادة فتح البيت والذي كان يقدم دعم نفسي وقانوني للنساء المعنفات وضحايا الإتجار بالبشر سواء كانوا مصريات أم لا.

تختلف القدرة الاستيعابية لكل بيت آمن ولكنها تتراوح ما بين ال12 وال20 سريرا ، فعلى سبيل المثال يتسع بيت الجيزة إلى 17-20 ناجية، ويتسع بيت ADEW إلى 20 ناجية. طبقا لتقرير صادر في 2009 كان مجمل القدرة الاستيعابية لجميع البيوت الآمنة هو 214 سريرا واليوم هناك بيت واحد إضافي على هذا العدد، فمن الممكن تقدير القدرة الاستيعابية لكل البيوت الموجودة في حدود 225-235 ناجية. بالنسبة لقواعد البيوت، مدة الإقامة بالبيوت التابعة لوزارة التضامن ثلاثة أشهر ويمكن تمديدها إلى ثلاثة أشهر أخرى، كمايمكن تمديد تلك المدة ثلاثة أشهر آخرين لتكون المدة القصوى تسعة أشهر ولكن يتطلب ذلك موافقة من وزارة التضامن الاجتماعي. وفي أغلب الأحيان تترك النساء البيت الآمن بعد الفترة المحددة، إلا أن هناك بعض الاستثناءات حسب مرونة وتفهم العاملين بالبيوت في بعض الحالات الاستثنائية. ويسمح باصطحاب الأطفال حتى سن 12 سنة للذكور وأي سن للإناث. كما يسمح للناجية بالخروج أثناء إقامتها بالبيت خلال اليوم سواء كانت عاملة أم لا، لكن يتم ذلك بتصريح خروج لغير العاملات وهناك موعد محدد للعودة. الإقامة في البيت مجانية إذا كانت المرأة بلا دخل، واذا كانت عاملة تساهم ب25% من دخلها.

بشكل عام أغلب البيوت الآمنة الموجودة مستواها مقبول من حيث النظافة والمساحة ويتكون أغلبها من غرفتين أو ثلاثة بهم عدة أسِرَّة ومطبخ وحمام وبعض البيوت تحتوي على مساحات للعب الأطفال (في الإسكندرية مثلا)، خاصة إذا كان البيت جزء من مبنى لجمعية تقدم خدمات أخرى (مثل دور رعاية للأطفال). إلا أن هناك بعض التفاوت في مستوى المباني، فعلى سبيل المثال بيت المنيا موجود بمبنى قديم ومتهتك وآيل للسقوط ويفتقر إلى معايير أساسية للنظافة والراحة، وأيضا بيت المنصورة من أفقر البيوت الموجودة . أما  بيت ADEW فمساحته أكبر وبالتالي يوفر معايير حياتية أفضل، فمثلا ينقسم البيت إلى عدد شقق وتسكن كل ناجيتين في شقة مشتركة وتكون لكل ناجية غرفتها الخاصة مما يوفر أيضا معايير أفضل للخصوصية.

تعاونت وزارة التضامن الاجتماعي مع المجتمع المدني في بعض الأحيان لتحسين وضع البيوت الآمنة. شهد عام 2006 تدريب لكل العامين بالبيوت الآمنة ووحدات المرأة في وزارة الشؤون الاجتماعية (التضامن الاجتماعي الآن) بمشاركة مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف والتعذيب وكان التدريب بالأساس لتوعية العاملين والعاملات بمنظور النوع الاجتماعي والتعريف بأشكال العنف المختلفة وطرق التعامل معها. وتم طرح العديد من الاشكاليات والمقترحات من قبل العاملين والعاملات بالبيوت وفي نهابة اليوم الأخير حضر وكيل الوزارة المسؤول عن المشروع وتم تقديم مقترحات خاصة لتعديل اللائحة المكتوبة. كان ذلك التدريب مهما حيث انه أسفر عن تعديلات مهمة مثل السماح باصطحاب الأطفال الذى لم يكن مسموحا قبل عام 2006 والذي كان يعتبر تعسفا شديدا مع الأمهات، وفيما يخص أهداف المشروع، تم حذف الفقرة الخاصة ب”حماية المرأة من الانحراف”. وبالرغم من أن تلك التعديلات الشفهية أدرجت في التعريف بالمشروع وأهدافه على موقع وزارة التضامن الاجتماعي، إلا أنه لم يتم إقرار لائحة نهائية مكتوبة بعد هذه التعديلات . مؤخرا، قامت UN WOMEN بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي بتنظيم تدريب للعاملات والعاملين في البيوت مكون من ثلاثة ورش عمل في نوفمبر 2015 . الورشة الأولى كان هدفها تعريف العاملات في البيوت بمعنى العنف وأشكال العنف المختلفة، والورشة الثانية كانت مهتمة بوضع المرأة في القانون المصري، أما الثالثة فركزت على كيفية التعامل مع الناجيات وتأهيلهن نفسيا وتمكينهن قانونيا واقتصاديا. تضمن المشروع أيضا زيارة لجميع البيوت الآمنة وجاري إنتاج  دليل من مخرجات الورشة حيث سيتم وضع نسخة منه في جميع البيوت الموجودة على مستوى الجمهورية ومازال المشروع قائما للتطوير خلال العام الحالي لتطوير البيوت الآمنة .

أغلب الحالات الموجودة في البيوت الآمنة هي حالات عنف جنسي أو جسدي سواء من قبل الأهل أو الزوج، وتتراوح مستويات العنف من الضرب المبرح وحروق من الدرجة الثالثة في الوجه أو الجسد وتكسير العظام، واستخدام الآلات الحادة خاصة السكاكين والمطاوي، مروراً بالاغتصاب المتكرر من الأهل (عادة الاغتصاب الزوجي لا يعتبره العاملون في البيوت نوع من العنف، ونادرا ما تلجأ النساء للبيوت بسبب الاغتصاب الزوجي من الأساس ) وقد يصل الأمر إلى حالات تعذيب بالكهرباء من قبل الزوج أو الأسرة (الأب، الأم، الأخوات)

وبالنسبة لشروط القبول كما نشرها موقع وزارة التضامن هي:

– أن تتعرض المرأة أو الفتاة لعنف

– أن تكون مصرية أو أجنبية متزوجة من مصري بموجب وثيقة رسمية أو مطلقة منه في فترة عدتها

– أن تسدد الرسوم التي تقرها لجنة الإشراف وفقا للبحث الاجتماعي

– أن تكون مستوفية شروط اللياقة (البدنية-العقلية).

إن وجود البيوت الآمنة في مصر هو شئ إيجابي في حد ذاته، خاصة أن في بداية إنشاء تلك البيوت كانت هناك مقاومة شديدة حتى داخل وزارة التضامن الاجتماعي نفسها على اعتبار أنها تشجع النساء على الانحراف  أو هجر بيوتهن. وبالرغم من إيجابية وجود البيوت الآمنة في حد ذاتها، إلا أن هناك عدة مشاكل متعلقة بإدارتها وأهدافها وتعاملها مع النساء وقلة خبرة العاملين بها، سيتم تفصيلها فيما يلي.

3- بعض المشاكل المتعلقة بالبيوت الآمنة في مصر

تعاني البيوت الآمنة من عدة أوجه قصور تمنعها من تأدية دورها في تمكين الناجيات من العنف. بشكل عام، غياب المنظور النسوي عن المشروع نفسه وعن القائمين عليه والعاملين به يؤثر سلبا على تعاملهم مع الناجيات وعلى فهمهم لدور البيوت الآمنة. على صعيد آخر، هناك عدة مشاكل متعلقة بآليات عمل وزارة التضامن الاجتماعي نفسها وامكانيتها. فيما يلي، عرض مفصل لأبرز المشاكل المتعلقة بالبيوت الآمنة في مصر.

-العدد والتوزيع الجغرافي:

هناك مشكلة خاصة بعدد البيوت الآمنة و توزيعها الجغرافي، حيث أن هناك قطاعات بالكامل لا توجد بها بيوت آمنة. طبقا لدراسة نشرتها هيئة المعونة الأمريكية ((USAID عام 2009 – وكان عدد البيوت الآمنة 8 بدلا من 9 وقتذاك- أن ال214 سرير الموجودين يعادلون سرير لكل 380000 شخص، ومن المفترض طبقا للدراسات العالمية أن يتوفر سرير لكل 7500 مواطن وهو ما يعني أن مصر وقتها كانت تحتاج إلى 10000 سرير زيادة عن المتاح بالفعل . مع الزيادة السكانية منذ عام 2009 تم إنشاء بيتين آمنين جدد وإغلاق أحد الموجودين وهو ما يعني أن عدد البيوت الآمنة ما زال قليل جدا نسبيا. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي، بينما يوجد ثلاثة بيوت آمنة في القاهرة الكبرى (القاهرة-الجيزة-القليبوية) واثنين في الدلتا (الإسكندرية والمنصورة) واثنين في شمال الصعيد (بني سويف والفيوم)-وهو شئ جيد وضروري-  قطاع مدن القناة (السويس-الاسماعيلية-بورسعيد) خالي تماما من البيوت الآمنة للنساء وكذلك جنوب الصعيد خالي من البيوت الآمنة للنساء. تعتبر قلة العدد والتوزيع الجغرافي غير العادل مشكلة حقيقية للنساء التي ترغب في الوصول للبيوت الآمنة وذلك لأنهن يضطررن إلى السفر مسافات طويلة وهو ما يشكل صعوبات لاحتمالية وجود المرأة المعنفة في حالة صحية وجسدية لا تؤهلها للسفر، وفي بعض الأحيان يشكل السفر مشكلة مادية للمرأة التي لا تتلقي أجر.

لكن المشكلة الأكبر في واقع الأمر هي أن البيوت الآمنة على قلة عددها وسوء توزيعها الجغرافي، لا تمتلئ بسعتها القصوى وبعض البيوت الآمنة تكاد تكون خالية، وذلك لعدة أسباب. أولا، أغلب النساء لا يعلمن بوجود هذه البيوت وبالتالي لا يلجأن إليها وذلك لعدم وجود لخط ساخن أو تفعيله يمكن وصول الناجية إلى البيت بسهولة، وعدم وجود مواقع إلكترونية خاصة بالبيت. وبالطبع قد يكون ذلك ضمانا للأمان إلا أن في المقابل لا يوجد شبكة إحالة جيدة ومُفَعلة بين البيوت الآمنة ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل مع النساء المعنفات، بل الكثير من المنظمات والجمعيات التي تعمل في هذا المجال لا تعلم بوجود البيوت الآمنة. بالطبع تلعب الثقافة الأبوية التي ترى في ترك المرأة المعنفة بيتها انحرافا أو هدما للحياة الأسرية دورا كبيرا في عزوف الكثير من النساء عن اللجوء للبيوت خوفاً من الوصمة المجتمعية، أو فقد حضانة الأبناء إذا قررت الطلاق، أو أملاً في الصلح مع الزوج. من العوامل المساعدة أيضا في عدم امتلاء البيوت بسعتها الكاملة هو التعسف في قبول النساء المعنفات في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال  في بيت الإسكندرية، لا يتم قبول أي حالات بعد الساعة ثلاثة ظهرا ويجب انتظار انعقاد الإدارة لاتخاذ قرار في قبول “الحالة” من عدمه . أحيانا أيضا يتم التعسف في قبول الناجيات باعتبار أن ما تعرضن له لا يعتبر عنفا إن لم تكن هناك آثارا مادية للضرب أو الأذى البدني .

-تعريف العنف\المرأة المعنفة

لا يوجد تعريف محدد للعنف في اللائحة المكتوبة وبالتالي يتبع العاملون في البيوت الآمنة المختلفة تعريف العنف طبقا لمفاهيمهم هم وحسب إدارة كل جمعية. على سبيل المثال يتبنى بيت الجيزة مفهوما واسعا للعنف يشمل العنف اللفظي، كما تقول منال عبد اللطيف مديرة البيت: “طبعا لو واحدة جوزها بيهينها أو بيشتمها ومش عايزة تقعد ده يعتبر عنف “. كما يقبل البيت أيضا بعض الحالات التي تتعرض للتحرش أو الاعتداء الجنسي في المجال العام أو في الشارع وتخشى العودة إلى المنزل. ولكن هناك بيوت أخرى لا تعترف بالعنف إلا إذا كان الأذى البدني واضحا وتارك آثار على جسد المرأة أو وجهها. حتى طبقا للمفهوم الضيق والمخل للعنف كعنف جسدي أو جنسي فقط، فأحيانا تكون الآثار غير ظاهرة أو تختفي بعد مدة معينة. بالتالي يعد ذلك تعسفا شديدا  في بعض الأحيان ويلحق ظلما شديدا بالناجية، لا فقط لعدم قبولها في البيت أو عدم وجود مكان لاستضافتها، ولكن أيضا لشعورها بعدم تصديقها أو الاستخفاف والإستهانة بما عانت منه. تروي نادية  وهي ناجية من العنف من الإسكندرية أن زوجها كان يعاملها معاملة قاسية وأحيانا يضربها ويطردها من البيت وأنها ذهبت إلى بيت أمها ولكنها لم تتقبل فكرة هجرها لبيت زوجها وقامت بطردها والإلقاء بجميع متعلقاتها الشخصية في الشارع. لم تكن هناك آثار ضرب على جسد أو وجه نادية، وفور وصولها إلى البيت الآمن قالت لها المسئولة:”ده مش عنف.. لازم تيجي مبطوحة أو الاسعاف جايباكي …لكن ده مش عنف”. وبالتالي لم تقبل نادية في البيت وهي تبحث الآن عن عمل ومنزل للاستقلال.

وبالتالي عدم تحديد معنى العنف أو الاتفاق عليه يفتح الباب في أحيان كثيرة إلى تعنت شديد مع الناجيات أو عدم تصديق رواياتهن لعدم وجود دلائل مادية تثبت الضرب أو الاعتداء الجنسي. أيضا تستضيف البيوت الآمنة المرأة المعنفة المصرية فقط ولا تقبل اللاجئات أو غير حاملي الجنسية حتى إن وقع عليهن العنف في مصر (إلا اذا كانت الناجية متزوجة من مصري أو مطلقة في شهور العدة).

-غياب فكرة “التمكين”:

تتعامل أغلب البيوت الآمنة على أنها أماكن للإقامة فقط ولا يوجد برنامج للتمكين الاقتصادي أو برنامج منتظم للدعم النفسي وفي أغلب الأحيان أيضا لا تكفي الميزانية وجود محام وبالتالي لا توفر كل البيوت الدعم القانوني اللازم للناجيات إذا احتجن إليه . أنشطة التمكين الاقتصادي إن وجدت تكون بالأساس بشكل ودي وعشوائي حسب الجمعية والأدوات المتوافرة ولكنها غير موجودة بنظام واضح، وغير ممنهجة . على سبيل المثال يقع بيت الجيزة بالقرب من منطقة صناعية ومن السهل مساعدة الناجيات في البحث عن عمل في المصانع المحيطة، ولذلك غالبا ما تتمكن النزيلات في البيت من إيجاد عمل قريب والإدّخار قبل خروجها من البيت . وكذلك في أماكن أخرى قد يتصادف وجود ماكينة خياطة متاحة للنزيلات بالبيت فيتم استغلالها لتعلم الخياطة. لكن في أغلب الأحيان لا يوجد برنامج واضح ومخطط له مسبقا للتمكين الاقتصادي. أيضا في أغلب الأحيان التمكين الاقتصادي يقتصر على أنشطة تقليدية ونمطية كالتريكو والخياطة. والبيت الوحيد الذي لديه برنامج ومنهج للتمكين الاقتصادي هو بيتADEW .

أيضا فيما عدا بيتADEW  جلسات الدعم النفسي لا تتم بشكل منتظم وفي بعض الأحيان لا تتم على الإطلاق إذا كان الأخصائي النفسي غير متاح وفي أحيان كثيرة تروي الناجية حكايتها لشخص غير متخصص مثل المديرة أو المشرفة أو تعيد القصة أكثر من مرة مما يرهقها ويشكل انتهاكا لخصوصيتها. إن غياب مفهوم التمكين هو عامل مهم في فهم دور البيوت الآمنة أو كيف يراها القائمين عليها. إن لم تكن البيوت الآمنة أماكن للتمكين في المقام الأول فدورها إذا يقتصر على كونها مكان إقامة مؤقت وبالتالي تفقد جزء كبير من قيمتها الأساسية في مساندة المرأة المعنفة لإعادة الاندماج في المجتمع والمساهمة في تحويلها من ضحية إلى ناجية. بالتالي غياب منظور النوع الاجتماعي عن مشروع البيوت الآمنة نفسه وعن إدراك العاملين به والمسؤولين عنه يقلص دور البيت وكأنه مشروع خيري ويؤثر على فاعليته. لذلك ربما البيت الوحيد الذي يهتم إلى حد كبير بفكرة التمكين هو بيت ADEW  لأنها في الأساس منظمة مجتمع مدني مهتمة بقضايا النساء ترى العنف ضد المرأة ومناهضته من منظور نسوي.

– ضعف الموارد وظروف العمل

من العوامل التي تؤثر سلبا على أداء البيوت الآمنة هي المشاكل المتعلقة بضعف الموارد المتوفرة وتمويل تلك البيوت. لا يوجد تمويل كافي مثلا لتوفير خدمات تعليمية للناجيات أو إرسالهم لتلقي دورات تعليمية خارج البيت. تختلف قيمة الإعانة المقدمة من وزارة التضامن الاجتماعي من بيت إلى آخر، ولكن على سبيل المثال الإعانة المقدمة من وزارة التضامن الاجتماعي إلى بيت الجيزة في السنة الواحدة هي 26000-28000 جنيه مصري للمستلزمات ونفس القيمة لمرتبات العاملين، وطبقا للأستاذ محمد راشد مدير الجمعية المسند إليها إدارة بيت الجيزة، لا يكفي هذا المبلغ على الإطلاق لسد احتياجات البيت . تقول الأستاذة منال عبد اللطيف مديرة البيت أنه من المفترض أن يكفي هذا المبلغ لدفع الكهرباء والمياه وشراء مستلزمات الأكل والملبس لكل ناجية كما تقول أن تكلفة الحالة الواحدة في الشهر لا يمكن أن تقل عن 500 جنيه مصري، وبالتالي الإعانة المقدمة من وزارة التضامن الاجتماعي لا تناسب احتياجات المكان والناجيات على الإطلاق. يؤثر ذلك بشكل كبير على البيوت الآمنة لأنه لا يمكن تطوير المكان سواء من حيث الاهتمام بأنشطة جديدة أو تعليم الناجيات أو تحسين المكان نفسه والعمل على وجود ألعاب وأنشطة ترفيهية للأطفال الموجودة. ثانيا، يمنع ضعف الموارد المكان من أخذ سعته الاستيعابية كاملة، وتزايد ذلك خاصة في الفترة الأخيرة لتأخر الإعانات (غير الكافية أصلا) عن الوصول للبيت وذلك لأن تم تغيير نظام المراقبة المالية بوزارة التضامن الاجتماعي. ففي البداية كانت الإعانة تصل إلي مديريات وزارة التضامن الاجتماعي في المحافظات المختلفة وتتم المراقبة المالية في كل مديرية، وتغير هذا النظام مؤخرا وأصبحت جميع المراجعات المالية مركزية وتم نقل جميع صناديق المديريات إلى الوزارة . بالتالي أصبح وصول الإعانة يتأخر إلى حد كبير ونتج عن ذلك  مثلا تأخر الإعانة السنوية عن بيت الجيزة منذ منتصف العام الماضي وكذلك تأخر وصول مرتبات الجهاز الاداري للبيت مما يجعل الجمعية تتحمل تلك المصاريف التي من المفترض أن تتكفل بها الوزارة.

بالطبع يسفر ضعف التمويل أيضا عن رواتب مخزية جدا خاصة وأن ظروف العمل صعبة . يتراوح  مرتب المديرة في البيت من 320 إلى 400 جنيه مصري ومرتب الأخصائي الاجتماعي يكون في حدود 220 جنيه مصري . كما تقول الأستاذة منال عبد اللطيف: “المرتبات قليلة، الأخصائين اللي هيوافقوا بالمبالغ دي أي كلام”، ويتسبب ضعف المرتبات أيضا في ترك الكثير من العاملين بالبيوت للعمل وهو الحال في بيت الجيزة: “الأخصائي الاجتماعي مشي عشان الفلوس والنفسي بييجي بالطلب” ، وبالتالي بسبب تأخر الإعانة وانصراف الكثير من العاملين عن العمل  أصبح البيت غير قادر على استقبال حالات جديدة ويكاد يكون أوقف الاستقبال مع بداية هذا العام بالرغم من أن بيت الجيزة من أكثر البيوت الآمنة نشاطا وأحسنهم استيعابا لمفهوم البيوت الآمنة .

ربما ازدادت مشكلة التمويل مؤخرا إلا أنها ليست بجديدة، بل كانت مصاحبة لمشروع البيوت الآمنة منذ إنشائها. كما تكمن المشكلة أيضا في صعوبة ظروف العمل من الناحية النفسية وأيضا اللوجيستية خاصة الموظفين المنتدبين من وزارة التضامن الاجتماعي الذي يتم نقلهم من مدنهن للعمل بالبيوت. ففي التدريب الذي انعقد عام 2006 روت الكثير من العاملات في البيوت عن المشاكل التي تواجههن ومنها أنهن في بعض الأحيان ينتدبن إلى مدن خارج مدينتهن وخارج العاصمة، وغالبا في مكان نائي يصعب الوصول إليه، فبالتالي زادت ساعات العمل دون أي زيادة في الراتب . ويؤثر ذلك بالطبع على العاملات في المكان كما قالت إحدى العاملات في بيت بني سويف وقتها: “متطلبيش مني أتعاطف مع البنات وأنا أصلا متكدرة. ” تؤدي ظروف العمل السيئة أيضاً إلى مشكلة في الاستدامة حيث أن فريق العمل يتغير باستمرار ولا يستمر أغلب العاملين سوى بضعة أشهر. يشكل ذلك تحديا حقيقياً خاصة في مكان مثل البيت حيث أن استمرار الفريق مدة كافية في غاية الأهمية حتى يتم استيعاب الدور الذي يلعبه البيت وبناء خبرة في التعامل مع المعنفات وعائلاتهن ومشاكلهن. بالطبع الرواتب وظروف العمل هي من أهم أسباب عدم استدامة فريق العمل، إلا أن العبء النفسي الذي يشكله العمل في البيت هو أيضا عامل مهم، خاصة وأنه لا يوجد في أغلب الأحيان شخص واحد متخصص (أخصائي نفسي أو اجتماعي) للاستماع للناجيات، ويتم ذلك بشكل عشوائي مع أي من العاملات بالبيت وفي أي وقت.

في الواقع، توفير ظروف عمل آدمية ومريحة وكذلك مرتبات عادلة للعاملات هو شئ في غاية الأهمية خاصة في عمل بصعوبة إعادة تأهيل وتمكين النساء المعنفات، والحفاظ على أمن العاملات نفسهن وعلى سلامتهن النفسية هو أيضا شئ مهم. من الصعب أن تستطع النساء العاملات بالبيت لعب دور فعال في تمكين الناجيات من العنف إذا كانوا يشعرون أنهن أصلا غير مُمكَنات ويتعرضن هن أيضا إلى أشكال من القهر والظلم منها قهر مادي ومعنوي متعلق بعملهن في هذا المكان.

– تدريب وتأهيل العاملين\العاملات بالمساكم الآمنة

ترتبط وثيقا بمشكلة التمويل وظروف العمل مشكلة تدريب العاملات بالبيوت على فهم دورهن ودور البيوت الآمنة. في أغلب الأحيان تفتقر العاملات في البيوت إلى منظور النوع الاجتماعي والحساسية المطلوبة للاستجابة لاحتياجات الناجيات من العنف. في نهاية الأمر العاملات في البيوت هن جزء من المجتمع ويتعرضن هن نفسهن للقهر الأبوي ويستبطن الثقافة الأبوية في الكثير من الأحيان. إن لم تكن العاملات بالبيوت نسويات أو مؤمنات بمنظور النوع الاجتماعي، فلا يمكن تغيير بعض المفاهيم الأبوية إلا عبر الخضوع لبرامج ودورات تدريبية تمكنهن من ممارسة دورهن حيث أن تلك الثقافة الأبوية تؤدي إلى ممارسات متعسفة ضد الناجيات حتى إن كانت غير لائحية. في السنوات الأولى من إنشاء البيوت الآمنة تكرر تَعَرُض بعض الناجيات إلى كشوف عذرية . بالرغم من أن اللائحة لا تنص على إجراء كشوف العذرية إلا أنها تنص على استيفاء الأوراق الطبية وفي بعض الأحيان فسرت العاملات والعاملين أن من ضمن تلك الأوراق هو كشف العذرية للتأكد من “سلوك الفتاة”. الآن أصبح إجراء كشف العذرية أقل كثيرا ولا تصر العاملات بالبيت على إجراءها: “مرة واحدة بس اتطلب مني أعمل كشف عذرية بعد الثورة في 2012 تقريبا أو آخر 2011 ورفضت والموضوع عدى.”  إلا أن في الغالب مازال هناك تعنت أكثر في قبول البنات غير المتزوجات والتوجس منهن وهناك شك في سلوك الناجيات بشكل عام خاصة إن لم تلجأ الناجية للبيت عن طريق جمعية يثقن فيها. وفي بعض الأحيان قد تتعنت بعض العاملات مع الناجيات اللتي يرغبن في الطلاق وقد تؤنبها على تركها البيت أو رغبتها في الطلاق. زيادة على ذلك، هناك تعنت في التعامل مع المثليات وأحيانا يتم طردهن. على سبيل المثال في إحدى المرات حكت إحدى الناجيات للأخصائية النفسية أنها مثلية فحكت الأخصائية النفسية للمشرفة فقررت طردها” . تظهر في تلك الممارسات المختلفة افتقار منظور النوع الاجتماعي واستخدام القيم والأخلاقيات الشخصية للحكم على الناجيات. وقد يكون التوجس أيضا تجاه بعض الناجيات التي تشك “العاملات في سلوكهن” ناتج عن توجسهن من فكرة البيوت الآمنة في حد ذاتها أو الشك في النساء التي تقدم على ترك بيت الأهل أو الزوج أو طلب الطلاق أو الاستقلال.  تظهر أيضا تلك الثقافة جليا في التعنت في قبول بعض الحالات. تقول الأستاذة عايدة نور الدين مديرة جمعية المرأة والتنمية: “كل الحالات اللي بعتناها لبيت الإسكندرية مستقبلوهاش”  وذلك لأسباب كثيرة منها تعقيد اللائحة وعدم وجود جزء عن إدارة حالات الطوارئ خاصة وأن البيت يغلق أبوابه الساعة 3 ظهراً ويصر البيت على انتظار اجتماع الادارة لقبول حالة جديدة، ومن الأسباب أيضا فهم العاملات في البيت لمفهوم العنف وكذلك اشتراط العاملات في به على عدم التحاق الناجية بالبيت إلا بعد أن يحضر الزوج لمحاولة الصلح   ولا يتم قبولها إذا رفضت حضور الزوج. المشكلة في عدم وجود فكرة الطوارئ هو أنهم قد يرفضون استقبال الناجية فتضطر إلى السفر ليلا أو لا تجد مكان للمبيت مما يعرضها للخطر. ويعزز تلك الثقافة وجود أشخاص غير مؤهلين أو غير مهتمين بمنظور النوع الاجتماعي في إدارة البيوت. فعلى سبيل المثال في عام 2009 كان المسئول عن إدارة بيت القاهرة رئيس نيابة الآداب، وكان البيت خالي تماما وقتذاك للتعسف في قبول الناجيات والشك في سلوكهن وكانت مديرة بيت الفيوم ترفض قبول النساء التي ترغب في الطلاق. أما في المنيا مثلا، لم تدرك العاملات أن البيت هو مكان للمعنفات وكان أشبه بدار للمسنين، وتغير ذلك مع الوقت.

ومن ناحية أخرى، يؤدي نقص الخبرة والتدريب في بعض الأحيان إلى مشاكل حتى مع وجود حسن النية وحتى من قبل العاملين الراغبين في المساعدة.  هناك افتراض في التعامل مع الناجيات على أن فريق العمل بالبيت يجب أن يكون محايد وأن الحل الأمثل هو الصلح والعودة للمنزل ومقياس النجاح بالنسبة للكثير من البيوت الآمنة هو أن تعود الناجيات لأسرهن أو أزواجهن لأن من الأساس لا يتم التعامل مع العنف على أنه جريمة، وكأنه مجرد خلاف ممكن أن يحل عن طريق “قعدة صلح”. غالبا ما يتم ذلك بحسن نية وبسبب رغبة حقيقية في حل المشكلة ولكنه يؤدي إلى مشاكل ضخمة في أحيان كثيرة. في بعض الأحيان أدى رجوع الناجيات إلى بيت الزوج أو الأهل إلى  مشاكل عرضت حياة بعض الناجيات للخطر وأنهت بالفعل حياة أخريات. أحيانا ينتج عن العودة إلى المنزل إعادة تعريض الناجية لتجربة العنف وعودتها للبيت مرة أخرى، وأحيانا يتخذ العنف أشكال أكثر فجاجة تصل إلى التعذيب بالكهرباء في أماكن حساسة. في إحدى الحالات بعد عودة إحدى الناجيات إلى الأهل تم حبسها لمدة 9 أشهر فى غرفة دون أن تتمكن من الاستحمام أو تغيير ملابسها وكانت تتعرض للتعذيب بالكهرباء وأدى ذلك إلى وفاتها. وفي حالات أخرى تم تغيير مكان الإقامة الذي يعلمه العاملين في البيت ولم يتمكن أحد من الوصول إلى الناجية مرة ثانية. بالتالي مشكلة الخبرة والممارسة تؤدي إلى أخطاء قاتلة في بعض الأحيان. بالتالي يجب أن تبذل الوزارة مجهودا حقيقيا في تدريب العاملين والعاملات والاستفادة من بعض خبرات منظمات المجتمع المدني والمنظمات التي لديها خبرة في ادارة البيوت الآمنة.

– عدم وجود نظام للمتابعة 

لا يوجد نظام لمتابعة الناجيات بعد خروجهن من البيوت الآمنة، ومن المفترض مثاليا أن تتم متابعة الناجية بعد خروجها لفترة محددة للاطمئنان على سلامتها النفسية والجسدية. في بعض الأحيان تتم هذه المتابعة بشكل ودي لوجود علاقات طيبة بين العاملات في البيت والناجيات إلا أن هذه المتابعة غير منهجية وليست لها أهداف أو مدة محددة، ولا تتبع نظام معين، ولا تتم مع جميع الناجيات ولا في جميع البيوت.

– عدم وجود علاقات مع الـمؤسسات والأجهزة المعنية

من العوامل المفصلية في نجاح البيوت الآمنة في أداء دورها هو وجود علاقات بين البيوت الآمنة والأجهزة أو المؤسسات المعنية من الدولة ومن المجتمع المدني على الأقل في محيطها.  فيما يخص مؤسسات الدولة أو المؤسسات الحكومية، يجب أن تكون هناك علاقات على الأقل مع القسم المحيط بالبيت الآمن وكذلك أقرب مستشفى حكومية ومصلحة الطب الشرعي (وزارة العدل). أولا، العلاقة مع القسم في غاية الأهمية لتوفير حماية للناجيات، ففي أحيان كثيرة يعلم الأهل بمكان وجود الناجية ويحاولن اقتحام البيت لذلك يجب وجود علاقات قوية بين البيت وقسم الشرطة التابع له، خاصة أن أغلب البيوت غير محيطة بأسوار ولا توجد لديها أمن خاص. أيضا، العلاقة مع قسم الشرطة مهمة في حالة عدم اكتمال أوراق الناجية القانونية ويسهل ذلك استيفاء باقي الأوراق وعمل فيش وتشبيه. كذلك العلاقة مع  المستشفيات المحيطة مهمة للإحالة لعمل التقارير الطبية أو إجراء كشوف سريعة أو طارئة. أما العلاقة مع الطب الشرعي فتظل مهمة في القضايا التي تقرر فيها الناجية الملاحقة القانونية للمعتدي وقد تحتاج تقرير طب شرعي من ضمن الأدلة.

4-التوصيات المقترحة 

وعليه نقدم بعض التوصيات لتحسين وضع البيوت الآمنة وتفعيل دورها.

أولا: توصيات عاجلة\على المدى القصير

1- تعديلات لائحية:

أولا: بالنسبة للمادة الثانية من الباب الأول والتي تعرف أهداف المشروع

– حذف الهدف الثاني الخاص بحماية المرأة من الانحراف (غير موجود على الموقع ولكنه موجود في اللائحة المكتوبة)

–  إضافة بند واضح عن تمكين المرأة المعنفة من ضمن الأهداف وعدم الاكتفاء بمصطلحات مثل “التوعية” أو “التنمية”

ثانيا: إضافة مادة  تعرف العنف ضد المرأة تعريف شامل طبقا للمفاهيم الدولية وخاصة التعريف الصادر من إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، متضمنا العنف الجسدي والجنسي واللفظي والنفسي    

ثالثا: بخصوص المادة الثالثة من الباب الثالث والتي تخص شروط القبول بالمركز: 

تعديل الشرطين الأول والثاني وينصان على:(1) أن تكون المرأة من أهالي المحافظة الكائن بها المركز (2) ليس لها أقارب من الدرجة الأولى الكائن بها المركز  والنص على إعطاء الأولوية للنساء من أهالي المحافظة اذا كان البيت ممتلئ وان وجد بيت في محافظة المرأة الأصلية.

رابعا: بالنسبة للباب الرابع والذي يفصل الجهاز الوظيفي للبيت: 

– إضافة أخصائية نفسية إلى الهيكل

– تغيير الجزء الخاص بدور الأخصائية الاجتماعية الذي ينص على “دراسة حالة المقيمات بالمركز لمحاولة حل المشكلات وديا” إلى “دراسة حالة المقيمات بالمركز واشراكهن لحل المشكلات بالشكل الذي يناسبهن”

2- التشبيك مع المجتمع المدني والمؤسسات المعنية

أولا: التشبيك مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية التي تستقبل الناجيات. يمكن عمل حصر لجميع المنظمات التي تتعامل مع المعنفات وتوزيع عناوين البيوت الآمنة وأرقامهم عليهم. ويجب توطيد العلاقات بشكل خاص بين البيت الآمن والمنظمات غير الحكومية الموجودة في محيط البيت الجغرافي لتفعيل نظام الإحالة. كذلك يجب توطيد العلاقة مع منظمات المجتمع المدني حتى تساعد في عمل تدريبات دورية للعاملين والعاملات بالبيوت الآمنة.

ثانيا: خلق شبكة في كل محافظة مكونة من البيت والقسم التابع له ووحدة مكافحة العنف ضد المرأة وإدارة حقوق الإنسان ومصلحة الطب الشرعي ومنظمات المجتمع المدني ومكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة والمستشفيات المحيطة خاصة الذين تلقوا تدريب وزارة الصحة على البروتوكول الطبي للتعامل مع الناجيات من العنف القائم على أساس النوع.  الغرض من هذه الشبكة هو أولا تفعيل نظام الإحالة إلى البيوت الآمنة من أكثر من جهة سواء عن طريق المجلس القومي للمرأة أو منظمات المجتمع المدني أو المستشفيات وكذلك الإحالة من البيوت ألامنة إلى المستشفيات أو الطب الشرعي والتعاون بينهم. أيضا يمكن استخدام العلاقة مع القسم المحيط لا فقط للإحالة والحماية واستيفاء الأوراق اللازمة ولكن أيضا في الحالات التي تقرر فيها المرأة الصلح، ويممكن إمضاء تعهد بعدم التعرض لها مرة ثانية مع القسم . أيضا، تسمح تلك الشبكة بخلق نوع من المراقبة المتبادلة بين الفاعلين المختلفين الذين يقدمون خدمات للناجيات من العنف.

ثالثا: يقوم البيت الآمن الخاص بADEW بتدريب سكان المنطقة الموجود بها البيت وخلق علاقات جيدة معهم لحماية الناجيات والحد من أي هجوم على البيت أو التعدي عليهن أثناء خروجهن في المنطقة الموجود بها البيت. ممكن تطبيق تلك الإستراتيجية في البيوت الآمنة الحكومية أيضا على المدى الطويل خاصة إن تواجد البيت في منطقة سكنية.

3- تطوير برنامج ونظام لتمكين الناجيات

– تطوير برنامج متكامل للتمكين الاقتصادي والنفسي والقانوني للمرأة المعنفة يسري على جميع البيوت الآمنة (مع وجود مساحات للاختلاف حسب حالة الناجية واحتياجاتها) وممكن الاستفادة من تجارب بيوت المجتمع المدني في مصر مثل ADEW أو CEWLA قبل أن يغلق، أو من تجارب البلدان العربية التي لديها خبرة متقدمة في ادارة البيوت الآمنة مثل المغرب أو تجارب وليدة مستقلة مثل تونس والاستفادة من منشورات الشبكة العالمية لبيوت النساء الآمنة.  ممكن أيضا الاستعانة بناجيات تركن البيوت ومازلن على تواصل معه لتطوير هذا البرنامج.

– إشراك الناجيات في اتخاذ القرارات التي تناسبهن وتحديد مصائرهن.

– إشراك الناجيات في أي برنامج تدريبي يخص العاملين والعاملات للعلم بالانتهاكات – إن وجدت- التي تواجهها الناجيات داخل البيوت الآمنة ومعالجة هذه التجاوزات أو الانتهاكات من خلال التدريب.

4- زيادة عدد البيوت الآمنة بالتزامن مع تحسين مستوى البيوت الموجودة

– وضع الأولوية لتحسين مستوى البيوت الآمنة الموجودة ورفع كفاءتها مع إنشاء بيوت آمنة جديدة على المدة المتوسطة في القطاعات الخالية تماما من البيوت الآمنة وتكون الأولوية لقطاع القناة وجنوب الصعيد (لعدم وجود بيوت آمنة بهما)

5- التوازن بين الحماية وإمكانية الوصول للبيوت الآمنة

– تفعيل الخط الساخن لإدارة شئون المرأة والإعلان عنه واستخدامه للتحويل للبيوت الآمنة

– حذف العناوين المفصلة للبيوت الآمنة على موقع وزارة التضامن الاجتماعي والاكتفاء بالمحافظة ونظام الإحالة والخط الساخن

– بناء سور حول البيت للحماية

6- حملة إعلانية تصاحب وجود البيوت الآمنة:

– مع وجود البيوت الآمنة وتفعيل دورها يجب أن تتبنى وزارة التضامن الاجتماعي حملة لمناهضة العنف ضد المرأة  والتوعية بوجود خدمات مقدمة من الوزارة منها البيوت الآمنة دون الاعلان عن عناوينها واتخاذ الاجراءات المناسبة لضمان الحماية في تلك البيوت.

– تفعيل نظام لنقل الخبرات بين الناجيات

– تفعيل نظام يسمح للناجيات بأن يصبحن مشرفات داخل البيوت الآمنة وهي وسيلة لتمكينهن هن شخصيا ومساعدة غيرهن في عملية التمكين. أيضا، حيث أن مصر لا يوجد فيها بيوت آمنة طويلة المدى وأحيانا تحتاج الناجيات إلى مكان للإقامة لمدة أكثر من المسموح بها لائحيا، فيمكن أن يكون هذا النظام حل مؤقت للمشكلة، مع مراعاة الإجراء اختياري ويتم مراعاة الحالة النفسية للناجية.

– يحدث ذلك بالفعل بشكل ودي أحيانا في بعض البيوت الآمنة مثل بيت الجيزة، فمن الممكن تفعيله بشكل أكثر تنظيما ومنهجية. ممكن الاستفادة من مؤسسة “بناتي” والتي تطبق هذا النظام في البيوت الآمنة التي تديرها .

7- تحسين ظروف العمل

– تحسين ظروف عمل العاملات والعاملين بالبيوت الآمنة من حيث عدد ساعات العمل وتوفير وسائل مواصلات آمنة ومريحة وانتداب موظفات وزارة التضامن الاجتماعي من نفس المحافظة أو المدينة الكائن بها البيت.

– العمل على إعادة هيكلة الأجور

– العمل على استدامة فريق العمل لعدة سنوات

8- فريق العمل بالبيوت الآمنة

– تحديد الاختصاصات بشكل أفضل حيث لا تحكي الناجية إلا للأخصائي الاجتماعي أو النفسي وذلك لضمان الخصوصية.

9- مراقبة من المجلس القومي للمرأة

– السماح لأعضاء وعضوات المجلس القومي للمرأة بزيارة البيوت الآمنة من خلال تعديل اللائحة الخاصة بالمجلس واختصاصاته، والمشاركة في الإشراف مع وزارة التضامن الاجتماعي.

10-السماح للمجتمع المدني بإدارة بيوت آمنة

– عدم التعنت مع منظمات المجتمع المدني في إنشاء بيوت آمنة إذا استوفت الشروط المطلوبة خاصة أن وزارة التضامن الاجتماعي لن تقدر على إنشاء عدد بيوت آمنة كافية لتغطية الجمهورية حيث أن هناك مشكلة تمويل في البيوت الموجودة بالفعل.

– وجود بيوت آمنة مستقلة عن الدولة تنفيذيا وإداريا هو شئ مهم خاصة إذا كانت مدارة من منظمات نسوية وأيضا لمراقبة أداء أجهزة الدولة المعنية بالاستجابة لاحتياجات الناجيات من العنف.

ثانيا: توصيات على المدى البعيد

1- إنشاء بيوت آمنة للطورائ وبيوت آمنة طويلة المدى

2- زيادة العدد والانتشار الجغرافي أولا على مستوى الجمهورية في كل محافظة ثم على مستوى المحافظة في المدن المختلفة

3- تطوير شبكة وطنية تضم جميع البيوت الآمنة القائمة لتبادل الخبرات

ثالثا: تعديلات تشريعية

التعديلات التشريعية الخاصة بجرائم العنف الجنسي والعنف في كل من المجال الخاص والعام ترتبط ارتباطا وثيقا بدور البيوت الآمنة حتى ولو بشكل غير مباشر، حيث أن تجريم العنف الجنسي والعنف في المجال الخاص يساهم في رؤية المرأة كناجية من “جريمة عنف” يعاقب عليها القانون وفي رؤية المعتدي حتى لو كان الزوج أو الأب كجاني أو مجرم ينبغي معاقبته قانونا حسب فداحة العنف المرتكب. بالتالي, قد يشجع ذلك الناجيات على اللجوء للبيوت الآمنة إذا كان القانون في صفهن وقد يساهم على المدى الطويل في تغيير ثقافة العاملين التي تعتبر الصلح مع الجاني هو الحل الوحيد والأمثل في أغلب الحالات. أيضا تعديل وتفعيل تلك القوانين يساعد الناجية في بعض الأحيان على تخطي كرب ما بعد الصدمة إذا حصل الجاني على العقوبة المناسبة حيث أن إفلات الجاني من أي نوع من العقاب يسبب في الكثير من الأحيان إحباطا شديدا للناجية ويجعل المساندة القانونية أو التمكين القانوني في حال رغبتها في التقاضي ضد الجاني أقل فاعلية. على سبيل المثال رفعت إحدى الناجيات قضية على زوجها الذي طعنها تسع طعنات بالمطواة وتم الحكم عليه بستة أشهر فقط على اعتبار أنه كان “يؤدب زوجته” .

لذلك يجب الاستمرار في الضغط من أجل تشريع يجرم العنف الأسري ويفسر أشكاله بوضوح وإجراء تعديلات قانونية على قانون العقوبات “بما يسمح بتوحيد نصوص قانون العقوبات الخاصة بجرائم العنف الجنسي في باب واحد، وتشمل التعديلات وضع تعريفات محددة للجرائم الجنسية، وحماية الشهود والمبلغين والمبلغات في تلك القضايا”.

خلاصة 

إن وجود البيوت الآمنة للنساء هو ركن أساسي من أركان مناهضة العنف ضد النساء، لا يمكن الإستغناء عنه ولا يمكن الاستجابة لاحتياجات الناجيات بشكل شامل دون وجود تلك البيوت ودون قيامها بالدور المنوطة به بشكل حقيقي وفعال. إن البيوت الآمنة في مصر الآن أمامها مهام كثيرة لتصبح فعالة فعلا ومنها التوزيع الجغرافي، وتدريب العاملين والعاملات بها، وتطوير برنامج لتمكين الناجيات. وعلاوة على ذلك، السؤال الأساسي هو: هل ترى وزارة التضامن الاجتماعي ومؤسسات الدولة المختلفة وجود هذه البيوت الآمنة كأولوية يجب الاستثمار فيها من حيث الموارد المالية والمجهود المبذول؟ وهل تضع مكافحة العنف ضد النساء ضمن مهامها وأولوياتها؟ إن كان الأمر كذلك، فيجب الاهتمام بتحسين وتطوير البيوت الموجودة بكافة الطرق وزيادة عددها خاصة في الخمس سنوات القادمة بالتزامن مع وجود الإستراتيجيبة الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة. تنص المخرجات المتفق عليها من الدورة ال60 للجنة وضع المرأة التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة والتي تعتبر ملزمة للدول على: “تبني الموازنة المستجيبة للنوع  في جميع قطاعات الإنفاق العام ومعالجة الفجوات الخاصة بالموارد المطلوبة لتحقيق المساواة الجندرية وتمكين النساء والفتيات”. وعليه، إعمالا بالاتفاقيات والنصوص الدولية الملزمة لمصر، يجب البدء في تخصيص ميزانية مناسبة وكافية للخدمات التي تقدم للنساء والفتيات ومنها البيوت الآمنة.

لن تتمكن البيوت الآمنة من تمكين الناجيات وحدها، هي جزء من رؤية أشمل لمناهضة العنف ضد النساء تتضمن عدة خدمات أخرى وتخص عدة وزارات ومؤسسات في الدولة. ولن يتحقق ذلك سوى بوجود إرادة سياسية حقيقية من الدولة وآلياتها الوطنية تترجم عبر سياسات جادة ووجود حركة نسوية مستقلة تضغط بشكل مستمر من أجل وجود وتطوير الخدمات المقدمة للناجيات من العنف ومن أجل مناهضة العنف ضد النساء.

مبادرة لدعم النساء المعنفات/مصر

مبادرة لدعم النساء المعنفات/مصر

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015