الحياة- انطلقت، قبل أيام في مونتريال (الثالث عشر من نيسان / إبريل)، فعاليات «مهرجان رؤى أفريقيا» في نسخته الرابعة والثلاثين التي تستمر لغاية الثاني والعشرين منه. ويشارك في المهرجان أكثر من 30 بلداً أفريقياً تتمثل في حوالى مئة فيلم، بينها وفرة من الأعمال الشمال أفريقية، الطويلة والقصيرة، العائدة لمصر والمغرب والجزائر وتونس.
وفي سياق تكريمه السينما المغاربية، احتفى المهرجان، بعد المغرب العام الماضي، بتونس التي احتلت مرتبة ضيف الشرف في النسخة الحالية تقديراً للمخرج السينمائي فريد بو غدير وللسينمائية مفيدة فضيلة. وحصلت احتفالية التكريم في إحدى أعرق الصالات السينمائية وسط مدينة مونتريال.
وفي إلاطار التكريمي للسينما التونسية أيضاً، شهد المهرجان عرضاً خاصاً لأحد روادها الأول المخرج الطّيب الوحيشي. وكان هذا الأخير أول تونسي من الأفارقة العرب قد توج في مهرجان مونتريال قبل 34 عاماً.
نساء من مصر
ومن أبرز فعاليات المهرجان المغاربية عروض لستة أفلام طويلة بينها الدرامي والكوميدي والاثنان معاً. ويتمحور معظمها حول قضايا تحرر المرأة المغاربية من ثالوث الذكورية والتشدد الديني وثقل التقاليد الاجتماعية. إلا أن العروض المغاربية الأولى قد اقتصرت على ثلاثة منها: استهلها الفيلم الروائي «يوم للستات». من إخراج كاملة أبو ذكري، وتأليف هناء عطية، وبطولة إلهام شاهين ونيللي كريم. وشاركت فيه مجموعة من أشهر نجوم السينما المصرية. وتدور أحداثه في أحد أحياء القاهرة الشعبية، حيث يُفتتح مسبح يخصص فيه يوم للنساء. ويركز الفيلم على ثلاث سيدات ينتمين الى شرائح عمرية مختلفة بينها، المراهقة والأرملة الشابة والعارضة الأربعينية في كلية الفنون.
يبدأ الفيلم بمشهد سريع تتدافع فيه النساء الواحدة تلو الأخرى إلى غرفة تغيير الملابس. ويبدأن في خلع ثيابهن وارتداء مايوهات السباحة. أما أحاديث النساء فتدور بمعظمها حول المسبح الذي يمنحهن الراحة والمتعة والحرية التي لا يجدنها في أي مكان آخر، فضلاً عن تخلصهن من ضغوط الحياة وتحررهن من الصورة النمطية التي يعشن فيها. ويعرض الفيلم لقطات لفتاة تحلم بزواج تعطله أسرة محافظة، ولسيدة ترغم شقيقها على ممارسة حياة دينية متشددة، ولمراهقة فقيرة تحلم بحياة طبيعية سعيدة كغيرها من الفتيات.
باختصار، يعكس الفيلم تأثير المسبح في الحياة الاجتماعية والنفسية والعاطفية للنساء، كمتنفس يتيح لهن البوح بأسرارهن الدفينة التي لم تخل من الهزل والفكاهة، وتغيير نظراتهن لأنفسهن وللحياة. وقد استطاعت المخرجة أبو ذكري، كما يقول الناقد السينمائي اندريه دوشي في جريدة «لا برس» المنتريالية»، «أن ترصد ما يجري في نفوس تلك النسوة، وتترجم مشاعرهن الفكاهية والرصينة وتصوغها في إطار بناء درامي متماسك».
وفي سياق الحديث عن مسابح النساء، يعرض فيلم «ما زلت أختبئ كي أدخن» للمخرجة الجزائرية ريحانة، التي تقدم فيه قصصاً لنساء يجتمعن في حمام خاص بهن للسباحة. وفيه يتحدثن ويتحاورن بحرية تتجاوز المحظورات التي لا يتسنى لهن البوح بها أو ممارستها إلا في هذا المكان بعيداً من عيون السلطة والمجتمع. ويعرض الفيلم مشاهد لعينات من التعري الكامل، والتحرر من قيود الجنس، واغتصاب الفتيات القاصرات، والمتعة الجنسية خارج نطاق الزواج وصولاً الى الإصرار على التدخين المخصص للرجال.
ويرى الناقد دوشي أن «المخرجة تقدم صورة حقيقية صادمة للمرأة التي يضيّق المجتمع عليها الخناق، ولا تجد متنفساً لحريتها إلا في خلواتها السرية مع بنات جنسها». ويعتقد أن عرض الفيلم في الجزائر أو في أي بلد عربي ضرب من المستحيل.
أما في المقلب المغاربي المجاور، فيقدم المخرج التونسي فريد بو غدير فيلم «زيزو» وهو لقب للشاب عزيز الذي يجد ضالته في المدينة كعامل لتركيب الهوائيات الفضائية على السطوح. من هناك يطل زيزو على مختلف الشرائح الاجتماعية: من مؤيدي النظام، الى معارضيه، والإسلاميين، وشرائح ميسورة وفقيرة.
وأثناء العمل يقع زيزو في حب فتاة تعرضت للاعتقال على يد عصابة مقربة من النظام. وفي مطلع ثورة الياسمين قدر لزيزو، البسيط الساذج، أن يصبح من أصحاب الحظوة في التظاهرات وأن يقوم بتحرير خطيبته.
الفيل، رغم طابعه الفكاهي، يسلط الضوء على بعض القضايا الاجتماعية التي يعاني منها جمهور الشباب في ظل الأوضاع السياسية المتأزمة. حملة شهادات عاطلون عن العمل، وظاهرة نزوح تتفاقم من الأرياف باتجاه العاصمة بحثاً عن مورد رزق وأفق سياسي.
عروض مغاربية أخرى
الى هذا، يعرض المهرجان تباعاً عدداً من الأفلام الأخرى منها «لحجات» أي الحاجات. وهو عمل كوميدي اجتماعي هادف. من إخراج محمد اشاور. ويغلب عليه الطابع العائلي. وتدور أحداثه حول أربع صديقات مسنات لكل منهن معاناة في الحياة. ويحاولن استرداد حقوقهن بطرق خاصة لا تخلو من الفكاهة. أما الفكرة الرئيسية فهي تكريم المرأة المغربية وإعادة الاعتبار الى مكانتها في المجتمع.
أما نبش عذابات المرأة التونسية، فتطرحها المخرجة سلمى بكار في فيلمها «الجايدة». وملخصه أن أربع نساء من مختلف الأعمار والمنابت الاجتماعية. يلتقين في «دار جود» سجن تشرف عليه سجانة، ويحكم عليهن بالبقاء معاً والعيش تحت وطأة السجن وظلمه. وتراودهن ذكريات لا تخلو من الألم والعاطفة والفرح).
وفي المجال التونسي أيضاً، يعرض فيلم «في ظل شجرة الباوباب» وهو وثائقي للمخرج التونسي محمد شلوف ويقدّم فيه حياة الطاهر شريعة، أب السينما التونسية، ومؤسس أول مهرجان سينمائي في أفريقيا والعالم العربي (1966). وينوّه المخرج بتضحيات شريعة من أجل النهوض بتونس في شتى المجالات الثقافية والفكرية والسينمائية.