منصور العمري/ وكالة أخبار المرأة- من قلب أوروبا، القارة التي أخذت اسمها من المرأة السورية “يوروبا”، أعلنت “الحركة السياسية النسوية السورية” منذ أيام عقد مؤتمرها العام الأول في فرانكفورت بألمانيا، ونشرت بيانها الختامي الذي وضع محاور العمل لهذه الحركة الواعدة.
العمل من أجل سوريا، أول دولة عربية تمنح حق التصويت للمرأة عام 1949، وقبل دول أوروبية تتمتع فيها المرأة بحقوق كاملة، مثل اليونان وسويسرا والبرتغال، ثم أتاحت بعدها دول عربية وفي العالم، هذا الحق وحقوقًا أخرى مثل الترشح والحقوق السياسية الكاملة دون تمييز جندري.
رغم ذلك، تقبع سوريا بين أسوأ الدول العربية لحياة المرأة، وتحتل المرتبة الرابعة بين 22 دولة، بعد مصر والعراق والسعودية على التوالي، حسب رويترز. ذكر أيضًا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن دراسات الأمم المتحدة تشير إلى أن “أكثر نساء العرب قهرًا هن المصريات والسوريات”، في احتفالية بمناسبة يوم المرأة العالمي ببيروت تحت اسم: “قبل أن تحتفلوا بها.. أعطوها حقوقها“. يشير هذا التناقض إلى أن الحقوق الممنوحة والمدرجة في الدساتير وعلى الورق لا تكفل حماية المرأة وحقوقها ما لم يصاحبها تنفيذ حقيقي ودعم مستمر لهذه الحقوق.
ففي الكويت مثلًا، منحت المرأة حق التصويت عام 1985، لتتم إزالته عام 1999، ثم يعاد إقراره في 2005. كما منحت السعودية حق التصويت والترشح للمرأة عام 2015، وفي الوقت ذاته لا تزال المرأة السعودية تخضع لنظام الوصاية الذكوري الذي ينظر إلى المرأة على أنها قاصر هناك.
عبّر بيان الحركة النسوية السورية ومحاوره عن فهم عميق لأهمية العمل لتطوير حقوق المرأة بالتزامن مع تطوير المجتمع بأكمله من خلال مناصرة الحريات ورفض انتهاكات حقوق الإنسان، وليس العمل فقط من أجل حقوق المرأة من أعلى برج عاجي، لكنه لم يخلُ من النقاط التي يجب انتقادها أملًا في تطويرها.
في البند الرابع مثلًا: “السعي لوجود المرأة بجميع مستويات اتخاذ القرار بالمساواة مع الرجل، وإيجاد آليات لضمان تحقيق الكوتا المقترحة بنسبة (30%) كحد أدنى”.
لا يكفي إقرار الحصة (الكوتا) والمشاركة النسائية في الدساتير والقوانين مع أنها خطوة حاسمة، ولا يجب أن تتحول حقوق المرأة المدوّنة إلى جزء من دعاية سياسية تستخدمها السلطات الحاكمة، وتتحول بالتالي إلى أداة تنفيذية صمّاء تدّعي حماية المرأة وحقوقها، وتطوي تحتها الحقائق على الأرض.
نجح نظام الكوتا النسوية في دول وتعرض لنقد سلبي في أخرى. لم يكن السبب التخصيص الجندري للكوتا، بل اعتماد أساليب التعيين بغض النظر عن الكفاءة، والتي بالطبع تشمل الجميع، وليست حكرًا على المرأة في مجتمعات وحكومات يطغى عليها الفساد والمحسوبيات. يجب أن تفرض القوانين نظام الكوتا ليس فقط في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية للدول بل في الأحزاب السياسية من خارج الحكومة أيضًا، والشركات ونسب التوظيف وغيرها، بالتزامن مع تشديد أهمية محاربة الفساد والمحسوبيات، واعتماد الكفاءات المعيار الحاسم في التعيين والتوظيف.
مهما كانت الظروف أو تجارب المجتمعات الأخرى وحتى الأوروبية منها، لا يمنع ذلك من الطموح إلى رفع سقف الأهداف في قضايا عادلة. تشكّل المرأة 50% من المجتمع، والمطالبة العادلة بعدم التمييز، تفرض ألّا ينخفض سقف طموح الكوتا عن النسبة المئوية ذاتها. كما أن مراجعة لغة الدساتير والقوانين ولوائح مؤسسات الدولة والشركات العامة والخاصة جندريًا ضرورية وخاصة في اللغة العربية التي تميّز بطبيعتها ضد المؤنث.
يلعب الوضع الاقتصادي للأفراد دورًا محوريًا في حرياتهم وخياراتهم في جميع مناحي الحياة، لذلك يُعتبر تحسين الوضع الاقتصادي للمرأة مهمًا للغاية، ومن شروطه الرئيسية المساواة في الأجور، وفرص العمل.
لم يرد في بيان الحركة ما يتعلق بالمناهج التعليمية وحرية الإعلام.
يُعتبر التغيير الاجتماعي حجر الأساس في السير نحو إلغاء التمييز ضد المرأة، ويساوي من حيث الأهمية التغيير الدستوري، إن لم يكن أكثر أهمية وخاصة في مجتمعات تحكمها العادات والتقاليد. أقدر الوسائل على بناء الرأي العام وتغييره هي مناهج التعليم والإعلام، والتركيز على هذين المنهجين لا بد أن يؤتي ثمارًا حقيقية في التغيير الاجتماعي والقانوني، وعلى رأسه إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، خاصة في ظل شبه انعدام لحرية التعبير والإعلام في جميع أنجاء سوريا.
البند 11: “التعامل مع ملف عودة اللاجئات/اللاجئين، كملف سياسي غير قابل للابتزاز والاستغلال”. تحويل هذا القضية إلى ملف سياسي هو ما يجعله عرضة للابتزاز والاستغلال. قضية اللاجئات واللاجئين إنسانية وليست سياسية بالمفهوم السائد، وأي تعامل معها كملف سياسي سيجعلها رهينة لسياسات دول اللجوء السوري. لو تركنا هذا الملف للسياسيين وخاصة في دول مثل لبنان والأردن لرأينا اللاجئات واللاجئين يطردون من هذه الدول إلى سوريا ويُتركون لمصيرهم، أو يصبح ملفهم ورقة سياسية للضغط والتفاوض من أجل مواضيع أخرى والانتخابات كما حدث في تركيا. هذا ما رأيناه في تصريحات سياسيي هذه الدول. الحامي الوحيد لهذا الملف هو التعامل معه كقضية إنسانية بعيدًا عن السياسة.