جريدة (العرب) لندن- اشتملت الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة الدولي المعني بحقوق الإنسان الذي عُقِد سنة 1968 على لغةٍ جديدة أكّدت حقّ المرأة والفتاة في تجنُّب تعدّد الحمل المرهق، كما أكّدت على حقّ الرجال والنساء في اختيار الزمن والكيفية اللذين يرغبان من خلالهما بالحصول على الأطفال، إن رغبا في ذلك أصلاً، كما أكّدت أنّ للأفراد الحقّ في الوجهة التي يسلكونها في مستقبلهم.
وبمناسبة اليوم العالمي للسكان لهذه السنة، قال لؤي شبانة مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية، إنّ تنظيم الأسرة حقٌّ من حقوق الإنسان. وأضاف “تغيّر الكثير منذ ذلك اليوم في مجالي الصحة والحقوق عموماً، خصوصاً وأنّ عام 1968 كان مفصليّاً في النضال النسوي في العالم، إذ انطلقت فيه مظاهراتٌ في باريس دعت إلى تحرّر النساء مما يقيّد قدرتهنّ ويُبطئ أو يمنع عنهنّ تحقيق ما لديهِنّ من إمكانيات، سواءٌ بسبب إجحاف القوانين المحلية والدولية بحقّهِنّ، أو بسبب عاداتٍ مجتمعية وثقافية ترى في النساء دوراً هامشياً يضعهُنّ خلف الرجال وليس إلى جانبهم في المجالين الخاص والعام”.
كما أشار إلى أنه على صعيد الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، بات من المؤكّد علمياً أنّ المباعدة بين حالات الحمل والإنجاب تقي المرأة من مضاعفاتٍ قد تنتج عن الحمل المتكرّر والمتقارب. لذا فإن الحصول على المعلومات الدقيقة والوسيلة الآمنة والفعّالة والمتاحة، سوف يجنّب الكثير من النساء ممن هنّ في سن الإنجاب المضاعفات التي قد تؤثّر على صحتهِنّ.
ويتألف نصف إجمالي سكان المنطقة العربية من النساء والفتيات، أي أنّ هناك ما يقرب من 200 مليون منهنّ، نصفهنّ في سن الإنجاب، تتراوح أعمارهنّ بين 15 و49 عاماً، أي أنّ بإمكانهِنّ أن يُصبِحن حوامل ويُسهِمن بـ3.5 طفل الذين يولدون في المتوسط للنساء في المنطقة العربية. ويعتبر معدّل الخصوبة هذا أعلى من معدّل الخصوبة العالمي الذي يصل إلى 2.5 طفل لكلّ امرأة في 2015.
ويستعمل عددٌ متزايدٌ من النساء موانع الحمل، مع توسّع خدمات تنظيم الأسرة في المنطقة العربية. ومع هذا، فلم تتمّ تلبية كلّ الاحتياجات. ويعاني عددٌ كبيرٌ من النساء من “احتياجاتٍ لم تتمّ تلبيتها” لتنظيم الأسرة، بمعنى أنهنّ يُفضّلن تجنّب الحمل لمدّة سنتين على الأقل؛ لكنهنّ لا يستعملن أيّ وسيلةٍ لتنظيم الأسرة، وهؤلاء يُشكّلن 40 بالمئة من النساء المتزوّجات في عددٍ من البلدان العربية.
وجديرٌ بالذكر أنّ الكثيرات ممن يحتجن إلى وسائل تنظيم الأسرة قد يلجأن إلى أساليب تعدّ تقليدية وغير علمية يتم توارثها عبر الأجيال، خصوصاً عن طريق كبار إناث العائلة من الجدّات إلى العمّات أو الأمهات، كأن يمتنعن عن أزواجهِنّ في أيامٍ محدّدة أو يكنّ مقتنعاتٍ بأنّ الحمل غير واردٍ خلال فترة إرضاعهِنّ لأطفالهِنّ الآخرين. وفي كلّ تلك الحالات، وفي غياب اعتمادِهنّ على وسائل لتنظيم الأسرة مثبتة طبيّاً، تواجه هذه المجموعات من النساء خطر الحمل غير المرغوب فيه، الذي يهدّد صحتهنّ وصحّة أسرهِنّ، كما يضع عبئاً كبيراً على عاتق المجتمع ككل.
وأشار شبانة إلى أنّ صندوق الأمم المتحدة للسكان ملتزمٌ تمام الالتزام بالاستمرار في دعم جهود الدول الرامية إلى كفالة حقّ الأفراد -لا سيما النساء- في تنظيم الأسرة، مضيفاً “نحن نسعى إلى وضع حدّ لكلّ احتياجٍ غير مُلبّى لتنظيم الأسرة طوعاً في الدول النامية بحلول عام 2030. لكن لا يمكننا عمل هذا وحدنا، فالحكومات والبرلمانات والقطاع الخاص وممثلو المجتمع المدني عليهم جميعاً الانضمام إلى الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف، إذ يجب أن تكفل المنظومة الطبية والقانونية الوطنية حقّ حصول النساء على المعلومات والوسائل بشكلٍ سهل ومتوفّر”.
وأوضح قائلاً “على المجتمع أن يقتنع من خلال حملات رفع الوعي بضرورة اللجوء إلى وسائل طبية تحافظ على صحة المرأة والأسرة عموماً. أخيراً يجب على الجميع تقبّل ما تمّ إعلانه قبل خمسين عاما، وهو حقّ الأبوين في تقرير عدد أطفالهم والفترات الفاصلة بينهم”.
ومازالت هناك نحو 214 مليون امرأة في المناطق النامية في العالم يفتقرن لوسائل تنظيم الأسرة الآمنة والفعّالة، لأسبابٍ تتراوح بين نقص المعلومات وضعف الخدمات، وتصل أحياناً إلى عدم دعم الشركاء أو المجتمعات لهن. ومازالت في العالم العربي نساءٌ يَمُتن أثناء الحمل والولادة. ويعدّ تنظيم الأسرة من أهم عوامل إزالة خطر وفيات الأمهات لأنه يمنح المرأة فرصة استعادة عافيتها قبل الخوض في حملٍ جديد يتطلّب جهداً بدنياً وعقلياً ونفسياً. كما يمنح المرأة فرصة أن تقرّر إن كانت حقاً ترغب، ولديها القدرة على الاعتناء بطفلٍ إضافي، دون أن يشكّل ذلك عبئاً كبيراً عليها مادياً وعملياً.
وباعتبار وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تعزيز الصحة والحقوق الإنجابية، فإن صندوق الأمم المتحدة للسكان يعمل في 20 بلداً عربياً للاستجابة لاحتياجات الصحة الإنجابية للسكان، بما في ذلك في أوضاع النزاعات أو الطوارئ الإنسانية.
وقال شبانة “كمنظمة تستند إلى حقوق الإنسان، يؤمن صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنّ لكلّ فردٍ الحقّ في اتخاذ خياراته الخاصة بشأن صحته الجنسية والإنجابية، وأنّ لكلّ أسرةٍ حقّ تقرير عدد أطفالها بحرية ودون ضغوط جلّها دينية وثقافية واجتماعية يمارسها المجتمع على النساء بشكلٍ خاص، بحيث يشعرن بأنهنّ لسن كفؤات إن لم ينجبن عدداً كبيراً من الأطفال، بغضّ النظر عن رغباتهِنّ أو إمكانياتِهن”.