امرأة متمكّنة…اقتصاد متين
التمكين الاقتصادي للمرأة

وفاء علّوش\brocarpress- “من يملك الاقتصاد يملك السلطة” عبارة لا ينحصر معناها على الصعيد العام فحسب، بل يمكن أن تكون مؤثرة على الصعيد الشخصي حتى.

وحتى لا يُساء فهم الفكرة في هذا السياق فالسلطة هنا لا تعني السيطرة على المحيط مثلما يروّج لها البعض، وإنما تعني القدرة على إعادة امتلاك النفس وامتلاك القرارات بعد أن ظلّت الأنثى ملكاً لمجتمع يعمل على تشييئها وعدم احترام أبعادها وحدودها.

لم يكن للنساء في القرن الثامن عشر حقّ التصويت أو المُقاضاة، وأخذت الفروقات بين الرجال والنساء حيّزاً كبيراً في أثناء هذه الحقبة لذا أعطت الرجال استقراراً أكثر وحالةً ماليّةً أعلى، وسلطةً أكبر على منازلهم ونسائهم.

سمحت الثورة الصناعية في ما بعد في بداياتها بمشاركة المرأة في العمل وبدأت الأفكار النسوية تنتشر بين الطبقات الوسطى المتعلّمة، فكان لهم الفضل في إلغاء القوانين التمييزية، وأخذت المنظمات النسائية بالنشاط بشكل متزايد، فناضلن من أجل المساواة وحقّقنها في بعض النواحي.

كذلك ساهم العامل الاقتصادي بشكلٍ كبير في هذا التحوّل فالسلطة التي حرَّمت عليهن العمل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، سمحت لهنّ في منتصف القرن التاسع عشر إبّان الحرب العالمية الأولى بتلك الخروقات، بسبب التفاوت العددي بين الجنسين، وبسبب النقص الكبير في عدد الذكور الذين كانوا يقومون بتلك المهمات.

لم تكن النساء يكسبن مثل ما يكسبه الرجال من أجر، علاوةً على استغلال أرباب العمل للنساء وذلك بسبب إجبارهنّ على العمل في أعمال شديدة الإرهاق أكثر من الرجال، واضطررن للعمل حتى في حالات الحمل والولادة بسبب حاجتهنّ المادية، وعلى الرغم من صدور قوانين مُلزِمة بالاستفادة من إجازة الأمومة؛ إلا أن هذا القانون حاله حال غيره من القوانين، لم يكن قابلاً للتنفيذ بسبب حاجة النساء لعمل حتى في أيامهنّ المرضيّة.

يستخدم التمكّين بجوانبه المختلفة في أيامنا هذه “كلمة حقٍّ يُراد بها باطل”، إذ إن بعض المنادين بأحقيّة المرأة بالعمل يبطّنون في الحقيقة مُرَادهم بأن تصبح مساهمة في الإنفاق في المنزل وفي الأسرة، على الرغم من سلبها أبسط حقوقها بحريّة الإنفاق أولاً وبطريقته ثانياً، أو بحقّ تقرير المصير في ما يخص حياتها ومستقبلها العملي والاجتماعي، من دون أن يكون السبب وراء رغبتهم في إشراكها في الحياة الاقتصادية حبّهم للمساواة بين الجنسين أو إيمانهم بدور المرأة.

فالتمكين الاقتصادي لا يكون بتوفير فرص عمل مُكافِئة للرجل فقط، وإنما بجعلها متمكّنةً اقتصادياً أيضاً من إدارة شؤون حياتها من دون رقابة أو وصاية وبمساواة تامة من حيث تكافؤ الفرص ونوع العمل والأجور والإجازات والتعويضات، ومع مراعاة الفروق الجسدية بين الجنسين.

وهذه المشكلة ليست محصورةً في المجتمع العربي فحسب، إذ ما زال العالم المتحضّر مثلما يدّعي في أوروبا يعاني حتى اللحظة الراهنة من فجوة الأجور، وما زالت تتعالى صيحات ومطالبات المنظمات الحقوقية والنسوية لسدّ هذه الفجوة نظراً لانعكاس آثارها السلبية على تفاصيل الحياة العامة والخاصة منها.

يتحفّظ كثيرٌ من الرجال على استقلال المرأة اقتصادياً ويخشون بذلك أن ينسحب استقلالها على بقية تفاصيل حياتها، وربما يُثير لدى بعضٍ منهم مصطلح الاستقلال الاقتصادي تخوّفاً من فقدان السيطرة على كائنٍ كان واقعاً تحت سيطرته وسلطته الكاملة.

بناءً على إحصاءات الأمم المتحدة؛ فقد احتلت المنطقة العربية المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين في عام 2017 مقارنةً بعام 2006، فيما لُوحِظت أعلى التحسّنات في المؤشر الفرعي للتحصيل التعليمي، بينما حظيت المؤشرات الفرعية للمشاركة والفرص الاقتصادية والتمكين السياسي بأدنى التحسّنات.

فوفقاً للإحصاءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يُشارك سوى 20.5 % من النساء في القوى العاملة، وتُشير التقديرات إلى أنّ 33 % من النساء في المنطقة يُشارِكن في العمالة الهشّة مقارنةً بنسبة 23 %للرجال، وتُمثَّل المرأة تمثيلًا زائدًا في المهن ذات الأجور المتدنية، بينما يوجد عدد قليل جداً من النساء في المناصب العليا في المنطقة.

مما لا شك فيه أنّ تجاهل كائنٍ قادرٍ على الإسهام في العمل وتعطيل إمكانياته يؤدّي إلى نتائج سلبية على الاقتصاد برمّته، وعلى الرغم من توقيع معظم الدول على اتفاقية سيداو لإلغاء جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة؛ إلا أن عدداً من الدول العربية تحفّظ على بعض مبادئها، فقد سجّلت 7 بلدان تحفّظات على المادة 15 (المتعلّقة بالمساواة في حقوق المرأة في إبرام العقود وإدارة الممتلكات) و11 بلداً على المادة 16 (المتعلّقة بحقّ المرأة المتزوّجة في حيازة الممتلكات وإدارتها والتصرّف فيها على قدم المساواة مع الرجل)، لينعكس ذلك سلباً على التمكين الاقتصادي للمرأة في المنطقة لأنه يؤثّر على وصول المرأة على قدم المساواة إلى الموارد.

ويعدّ تمكين المرأة من الناحية الاقتصادية إحدى الركائز الأساسية من أجل نهضة المجتمع وتمتّعه باقتصاد متين، وبناءّ عليه على الدول والسلطات المعنية أن تعمل على:

– كسر الصورة النمطية في المجتمع والأسر التي تنظر للمرأة على أنها كائن غير فاعل اقتصادياً.

– تشجيع المرأة على اكتشاف ملكاتها وقدراتها العلمية وحثّها على المشاركة الإيجابية الفعّالة في الأنشطة الاقتصادية.

– توفير فرص عمل متكافئة بين الجنسين وإزالة أشكال التمييز بينهما في بيئة العمل.

– تشجيع الحكومات للعمل على تعزيز دور المرأة وإشراكها في الحياة الاقتصادية.

في الأحوال كلها؛ فإن الهدف الأكثر أهمية في برامج التمكين الاقتصادي يجب أن يكون الوصول إلى النساء الأكثر احتياجاً، ليشمل الفئات المُهمَّشة النساء الريفيات وعاملات المنازل، وبعض النساء من المهاجرات وذوات المهارات المُتدنيّة، عن طريق اعتماد نهجٍ شاملٍ للبرامج يتضمّن تأمين مستويات أعلى من الدخل، وتحسين الوصول إلى الموارد والتحكّم فيها، وزيادة الأمن لجميع النساء بما في ذلك الحماية من العنف، من أجل الوصول إلى المرحلة الأساسية في عملية التمكين السياسي والمؤسساتي.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

التمكين الاقتصادي للمرأة

التمكين الاقتصادي للمرأة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015