الأردن/ وكالات- بعد تعرّضها لاعتداء جسدي عنيف من جانب شقيقها، تحوّلت قصة فتاة إلى قضية رأي عام في الأردن، أعادت إلى الأذهان جرائم سابقة ضد النساء والقُصّر.
تعود قصة الفتاة الأردنية المعنَّفة، أو كما وصفت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بـ”فتاة مستشفى الجامعة الأردنية”، إلى الشهر الماضي، حسب بيان رسمي لمديرية الأمن العام الأردنية. لكن تفاصيلها لم تعرف سوى مؤخراً حيث انتشر عبر الانترنت وسم #فتاة_مستشفى_الجامعة.
فقد أصدرت مديرية الأمن العام، يوم الخميس، بياناً يُفيد بأنها ألقت القبض على شقيق الفتاة. وبحسب ما جاء في البيان، فإن الشابة تعرّضت لضرب وحشي من قبل أخيها إثر خلاف بينها. وأصرّ بعدها على ربطها وحبسها في حمام المنزل حتى لا تتمكن من الهرب. ولم تُجدِ توسّلات شقيقتها ووالدتها نفعاً في إقناع الأخ المعنّف بإسعافها، بل إنّ عنفه طالهما أيضاً.
وبعد أيام على حبسها “بطريقة وحشية”، وافق شقيق الضحية على نقلها للمستشفى، شريطة أن تتفق الأسرة على رواية واحدة، وهي أنها سقطت في الحمام.
وبحسب البيان فإنّ إدارة حماية الأسرة تعاملت مع القضية منذ شهر تقريباً، وأحالت شقيق الفتاة للقضاء والحاكم الإداري، والفتاة ما زالت قيد العلاج “في 24 كانون الأول، وردت معلومات إلى حماية الأسرة تفيد بتعرض فتاة للضرب من قبل شقيقها إثر خلافات بينهما، حيث جرى التحقيق في القضية وتم إلقاء القبض على المتهم وإحالته إلى القضاء، وبعد الإفراج عنه أحيل للحاكم الإداري.”
ولا تزال الفتاة في غيبوبة حتى هذه اللحظة. وهي تعاني من إصابات متعددة، إضافة إلى نزيف دماغي استلزم وضعها على جهاز التنفس الاصطناعي. فقد نقلت وسائل إعلام محلية عن اختصاصي الدماغ والأعصاب طارق كنعان، الطبيب المشرف على حالة الفتاة في مستشفى الجامعة الأردنية في عمّان حيث ترقد منذ أسابيع، قوله إن “حالة الفتاة حرجة ولا تزال بالعناية المركزة”.
ونقلت تقارير إعلامية محلية في وقت سابق أنّ الفتاة تعرّضت لعنف وحشي من جانب شقيقها، الذي ضربها وحبسها في الحمام وربطها بجنازير. وبعدما حاولت والدة الضحية وشقيقتها إنقاذها، تعرضتا إلى الضرب بدورهما، وأصر شقيق الضحية على إبقائها محبوسة، حيث ظلت أسيرة لمدة يومين، قبل أن يتم نقلها إلى المستشفى.
الصحف الأردنية حجبت اسم الفتاة وعمرها، كما لم تذكر المدينة التي شهدت الواقعة المأساوية. فيما دخلت لجنة المرأة في مجلس الأعيان على خط الأزمة، وقالت في بيان إنها تتابع باهتمام بالغ وقائع ومجريات الجريمة الأليمة التي تعرّضت لها الفتاة الجامعية.
دائرة مفرغة
أعادت الواقعة إلى الأذهان قضية الفتاة الأردنية أحلام التي “قتلها والدها أمام الملأ” وقصة الفتاة الفلسطينية إسراء غريب، التي توفيت بعد “تعرّضها للضرب على يد أشقائها”.
وعبّر وسم ” #بنت_مستشفى_الجامعة ” طالب نشطاء بـ”تطبيق أشد العقوبات على الجاني وعلى كل من تستر عليه”. حيث تعدّدت الروايات حول مصير المعنّف، إذ ذكر نشطاء بأن الأخ لا يزال حرّاً طليقاً بعد أن كفله والده، في حين أشارت مواقع إخبارية شبه رسمية إلى أنّه سيُحاكم خارج السجن.
وتأثّراً بما حصل للفتاة، سردت نساء كثيرات في الأردن والمنطقة العربية، معاناتهنّ اليومية مع العنف في بيوتهنّ، التي من المفترض أن تكون آمنة وتوفّر لهنّ السَنَد. كما تحدّثت أُخريات عن تجاربهنّ مع ما وصفنها بـ”سلطة الأخ التي تُمنح لذكر الأسرة باعتبارها مقياساً للرجولة، وحقاً يكفل له ممارسة دور الرقيب على أخته باستعمال كافة الأساليب”، حسب قولهن.
لكن يبدو أن حالة التضامن مع الفتاة، والدعوات للكشف عن قضايا العنف الأسري، أثارت حفيظة البعض من أنصار الحفاظ على “سُمعة البلد” أو الداعين إلى احترام خصوصية العائلة والتحقّق من دوافع الجاني، “فما يحدث داخل البيوت يجب ألا يظهر للعامة” بحسب هؤلاء. بل إن آخرين حاولوا تبرير جرائم العنف ضدّ المرأة، وكأنّ من حقّ العائلات معاملة النساء بينهنّ كما يرون. واتهموا الحركات النسوية بتهويل الموضوع.
لكن التعليقات المتضامنة مع فتاة المستشفى كانت طاغية على حملات التبرير.
ما السبيل للحد من هذه الجرائم؟
إن تكرار مثل تلك القضايا قد يشير إلى أن حملات التضامن الإلكترونية، والجهود التوعوية التي بذلت خلال السنوات الماضية لوقف العنف ضد المرأة، لم تحقق أهدافها بعد. فما السبيل للحدّ منها؟ وهل العقوبات الحالية كافية لردع الجُناة؟
ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنّ الحل يكمن في “زيادة الوعي المجتمعي”، يُنحي عديد من الناشطين باللائمة على مجلس النواب، باعتبارها الجهة المنوط بها تعديل القوانين، التي تخفّف العقوبات على الجاني في جرائم قتل النساء.
أبرز هذه النصوص القانونية، المادتين 98 و 99، اللتان تسمحان بتخفيض العقوبة على الجاني في حال ارتكاب جريمته في “ثورة غضب” أو في حال إسقاط الحق الشخصي.
هذا بالإضافة إلى المادة 340 التي تخفّض العقوبة عندما يقتل الرجل زوجته أو أيّاً من أقاربه الإناث، وهو ما يعتبره حقوقيون تشريعاً لجرائم قتل النساء ومساعدةً للجناة على الإفلات من العقاب.
وتقول سلمى نمس، الأمينة العامة للّجنة الأردنية لشؤون المرأة، إنّ “جريمة” فتاة مستشفى الجامعة “تعكس الأسباب الأساسية للعنف في مجتمعاتنا المرتبطة بالسيطرة الذكورية على النساء داخل الأسر”. وتقرّ سلمى في حديثها مع BBC، بأنّ جهود مكافحة العنف الأسري واجهت الكثير من الرفض والمقاومة والتقزيم، بسبب “الاتجاهات المجتمعية السلبية، التي تُشيطن أي حراك نسوي أو مدني”.
لكنها تستدرك بأنه “لا يمكننا انتظار المجتمع لكي يتغيّر، أو اتخاذ العادات والتقاليد كشماعة لعدم تغيير القوانين”.
وتضيف: “نحن بحاجة لإرادة سياسية قوية لإقرار قانون شامل يجرم العنف الواقع على أساس الجنس ويمنع إسقاط الحق الشخصي في الجرائم الأسرية، وإلا سنبقى ندور في فلك قوانين إجرائية تنمط الحلول وتضعها في قوالب لا تزال تحكمها اتجاهات مجتمعية سلبية”.
وعلى الرغم من صدور بضعة تعديلات قانونية لبعض النصوص المتعلّقة بحقوق النساء خلال السنوات الأخيرة في الأردن، إلا أن الطريق يبدو طويلاً أمام المرأة الأردنية لتحقيق كافة مطالبها، وعلى رأسها الحدّ من العنف المسلّط عليها.
العنف الأسري؛ عدّة تعريفات وجوانبه كثيرة
وترى سلمى نمس، مثل عدد من الناشطين في قضايا المرأة، أنّ العنف المسلّط ضد الإناث لن ينتهي، ما دام القمع ومنع المواطن من التعبير عن رأيه في قضايا حياتية مستمراً. فالعنف برأيهم، دائرة مفرغة ومستمرة؛ يفرض فيها الضعيف سلطته على الأضعف. لذا فإنّ “العنف الأسري هو نتاج سلسلة من العوامل التي تتفاعل مع بعضها، منها ما هو ثقافي كالنظام الأبوي الذي تتبنّاه بعض الأنظمة السياسية، والوضع الاقتصادي والعادات والقوانين التي تحصر كلا الجنسين ضمن أدوار محدّدة مسبقاً”.
والعنف ضدّ المرأة ظاهرة لا تقتصر على مجتمع بعينه، بل هي منتشرة في كلّ المجتمعات مع اختلاف أسبابها و عواملها. وثمة أسباب نفسية وذاتية قد تؤدّي إلى ارتكاب جرائم أُسرية، كالشعور بالنقص أو تعاطي المخدرات وغيرها من الأسباب الخارجية.
وسجّلت معدلات الجرائم الأسرية ارتفاعاً ملحوظاً عام 2020، بحسب التقرير الإحصائي الجنائي للأمن العام الأردني. فقد ارتفعت حالات العنف الأسري ضدّ المرأة خلال جائحة كورونا، وسجلت ارتفاعاً بنسبة 33%، خلال شهور الحظر الشامل من عام 2020، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2019.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.