تأمّلات حول فرص النساء في صياغة الدستور
حقّ النساء في المشاركة في صياغة الدستور

مدوّنة (جافيا علي chaviaali)- في القرن الماضي، لا يكاد يخلو أي دستور مكتوب في مختلف بلدان العالم من ذكر أو تضمين صريح لحقوق المرأة وذلك بفضل جهود الحركات النسائية المتعاقبة في تلك الفترة إلا أن الأهداف المنصوص عليها في تلك الدساتير، حتى الدساتير التي تعتبر أكثر تقدمية، لم يتم الإيفاء بها وما زال لا يُسمح للنساء بممارسة حقوقهن الكاملة.

فعلى سبيل المثال، يمكنكم الاطلاع وملاحظة واقع الظروف المجتمعية التي تمر بها النساء اليوم في المجتمعات الغربية والتي يظهر فيها حجم الصعوبات المستمرة التي تواجهها النساء في محاولتهن للحصول على أدنى حقوقهن المدنية والانسانية، ودليل ذلك ظهور الحركات النسائية الجديدة مثل حركة “وأنا أيضاً” إضافةً إلى الكفاح المستمر من أجل حصولهن على أساسيات الرعاية الصحية في البلدان الأوروبية.

وفيما يتعلّق بالنساء في سوريا، فإن العمليات السابقة التي تمت لصياغة الدستور قد قامت بوضع حقوق المرأة على الورق؛ ولكن عملياً لم تتمكّن المرأة من الممارسة الكاملة للكثير من هذه الحقوق، وكما يعلم الجميع فإن مجتمع النساء في سوريا يواجه الأعباء الاضافية الناجمة عن النزاع الهمجي الدائر في سوريا منذ عقدٍ من الزمن.

ما الذي يمنع المرأة إذن من تحصيل حقوقها الكاملة ونحن نعلم أن هذه الحقوق مكتوبة في الدستور؟!

يتطلّب هذا السؤال الاستنكاري إجابةً صادقةً تعبر عن ما نحن أمامه اليوم، نحن نناضل ضد المنظومات والاتجاهات الاجتماعية الأصولية التي تحول دون ممارسة النساء لحقوقهن المدنية وحقوقهن الانسانية والتي تعمل على تقييد شؤونهن الحياتية؛ من خلال امتهان فرصهنّ الاقتصادية والتعليمية وحتى الأسرية. فهذه المنظومات والاتجاهات المنافية للديمقراطية يمكن لمسها وإيجادها على المستويات المختلفة؛ مثل السياسة الاقتصادية العالمية والسياسة الاقتصادية المحلية والهيكليات العنصرية والمجتمعات الذكورية، كما يمكن إيجادها في العقائد الدينية والعلاقات الأسرية أيضاً.

لذلك فإن القانون والدستور ما هي إلا واحدة من هذه المنظومات التي تستوجب التغيير، ففي سوريا مثلاً إن الترابط الملحوظ ما بين الاتجاه الذكوري والعقيدة يلعب دوراً مؤثراً في الحيلولة دون تحصيل المرأة لحقوقها، مما يستوجب المواجهة والنضال.

وبناءً على ذلك فإنه عند صياغة مسوّدة الدستور أو مراجعة صيغة القانون الدستوري الموجود من المهمّ أن لا نركّز فقط على الحقوق من الناحية النظرية، بل على صياغة قوانين دستورية تضمن صراحةً وبشكل تفصيلي السماح للمرأة بممارسة حقوقها المدنية والانسانية الكاملة في جميع مجالات المجتمع.

وفي العصر الحالي من القرن الواحد والعشرين يتعيّن أن تتسم صياغة هذه الحقوق بالشمولية والوضوح بحيث تشتمل على حقّ النساء بالتمتّع بالفرص الاقتصادية وتولّي المناصب السياسية، وحقهنّ في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم؛ نظراً لأن هذه هي الأركان الرئيسية والعملية التي تضمن حياةً آمنة وكريمة ويسودها التطور والازدهار. كما ويتعيّن أيضاً أن تُصاغ هذه القوانين مرفقةً بآليات مدعومة مالياً تضمن العمل بها وبآليات أخرى مُلزمة كي تضمن التنفيذ.

ورغم العقبات التي تواجهنا، فإنني شخصياً أعتقد أنّه من خلال توطيد استقلالية المرأة اقتصادياً وسياسياً وتعليمياً يمكننا اكتساب الأدوات الضرورية من أجل البدء في تحدّي العقبات الأكثر صعوبة كالعقبات الدينية والأسرية التي تقف في وجه حقوق المرأة.

وفي أية عملية سلام أو مصالحة يمكن التوصّل إليها في سوريا، يجب العمل على حماية النساء من ذوات الإمكانيات الاقتصادية المتدنّية وكبار السن والأرامل والمطلّقات وزوجات المفقودين، وذلك من خلال موارد صلبة من خدمات الرفاه الاجتماعي يموّلها القطاع العام للدولة. ويُشار هنا إلى الحالات الملحّة جداً للنساء زوجات المفقودين؛ وذلك نظراً لوجود قانون من الزمن العثماني ينصّ على أنّه يجب على المرأة الانتظار خمس سنوات بعد اختفاء زوجها للبتّ في قضايا مثل حكم الوصاية على الاطفال أو الحكم لتلقّي معاش النساء الأرامل.

في سوريا، هناك قيود مفروضة على قدرة المرأة على مزاولة العمل ومتابعة التعليم وذلك ليس فقط بسبب المخاطر التي يشكّلها النزاع هناك، بل بسبب المخاوف المستمرة للعائلات والازواج من إمكانية تعرّض “شرف” المرأة للانتهاك خارج البيت. وفي نفس الوقت فإن هناك الكثير من النساء من تجد نفسها مجبرةً على ممارسة العمل الجنسي بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة، وفي النهاية فإنه في ظلّ التحرّشات والاعتداءات الجنسية المستمرة على النساء، فإنه يجب تضمين الدستور بقوانين جنائية واضحة وصريحة ضدّ جميع أشكال العنف الجنسي والتمييز.

من الواضح أنه يجب إشراك النساء في أية عملية من عمليات صياغة الدستور، وفي الوقت ذاته فإنه يجب على كل من تتبنّى الدفاع عن حقوق المرأة، الحذر من إمكانية تقويض دورها بطريقتين؛ وهما إما من خلال استخدامها كممثّلة شكلية بهدف منح عملية صياغة الدستور الشرعية فيما يتعلّق بحقوق المرأة، وإما في الوقت ذاته من خلال إقصار دورها على تقديم المشورة فيما يتعلّق بقضايا تخصّ حقوق المرأة، الأمر الذي لن تقبل به أي ممثّلة تُدافع عن حقوق النساء، ومن هنا يجب السماح لهؤلاء الممثّلات بالمشاركة الكاملة في جميع مراحل عملية صياغة الدستور.

على كلّ أولئك الذين يشاركون في صياغة مسوّدة الدستور السوري الجديد الأخد بعين الاعتبار كيفية ضمان المشاركة الواسعة للنساء في المجتمع المدني، وعلى وجه الخصوص ضمان حقوقهنّ المدنية والاقتصادية والسياسية، كما ويمكن لهؤلاء الاطلاع على كيفيات صياغة الدستور في دول غرب آسيا ودول الجنوب، حيث تتشابه العقبات الموجودة هناك مع الحالة السورية. كما وهناك العديد من الأمثلة الأخرى للاطلاع عليها والاستفادة منها، وفي الثلاثين سنة الأخيرة قامت خمس وسبعون دولة بعمليات صياغة دستورها الخاص بها، وفي تلك العمليات كان من بين كل خمسة ممن صاغوا الدستور واحدة من النساء.

هناك خبرات كثيرة تنقص الرجال، حتى وإن كانت عن حسن نيّة، فإنها ستؤدّي إلى التحيّز ورسم نقاط عمياء، وفي ضوء ذلك فإنه من الضروري زيادة مشاركة النساء في صياغة القانون الدستوري من أجل صيانة حقّهنّ في التمثيل في المجتمع المدني والسلك السياسي، ولهذا يجب مخاطبة ما يسمّى نسب التمثيل المقطوعة وهو الموضوع الذي لديّ ما فيه الكفاية من الخبرة فيه، وكشريكة في إحدى عمليات صياغة الدستور حديثاً؛ قمتُ باقتراح مجموعة قوانين من شأنها أن تضمن نسبة تمثيل خمسين بالمئة للنساء في البرلمان السوري في المستقبل، ومما لم يدهشني أنه تم إبلاغي بالصعوبات السياسية التي يمكن أن تُواجه مثل هذا المقترح، كما وتم تحذيري من إمكانية إكساب النساء المتديّنات السلطة والنفوذ من خلال مجموعة هذه القوانين المقترحة.

لم يكن ذلك دليلاً على إصابة الهدف وفهم معنى التمثيل، فليس المقصود من التمثيل هو إعطاء أولوية لمجموعة أو أخرى بل هو ضمان أنه بإمكان الحكومات أن تمثّل أولئك الناس الذين تنوي حكمهم سواءً أكانوا أغنياء أو فقراء، قرويين أو مدنيين، أو من المتديّنين أو من غير المتديّنين، علينا أن نكون مستعدين لقبول إرادة الشعب من خلال عمليات ديمقراطية تماماً. كما نحن بحاجة إلى توفير أدوات السلامة والأمان من أجل حماية وتمثيل الأقليات ومن أجل ضمان سماع صوت الجماعات المستَضعَفة وغير الممثَّلة بشفافية.

كان من دواعي دهشتي في أحد الاجتماعات أن تم إخباري أنه ليس هناك العدد الكافي من النساء اللواتي على استعداد للقيام بهذه المهام..!

يُشكّل مجتمع النساء نصف هذا العالم، وفي سوريا تشكّل النساء ما يقارب نصف عدد السكان السوريين، مع أنه قد تختلف النّسب في بعض الأماكن جرّاء التهجير والهجرة. من الواضح تماماً إذن أنّ ما وراء تلك الملاحظة (التي تدّعي عدم وجود العدد الكافي من النساء “اللواتي على استعداد”) تكمن الفكرة؛ وهي أنه من أجل الانخراط سياسياً فإنه على المرأة أن تلبي خلفية شخصية معينة، ومن وجهة نظري فإنّ ما يُطلب من المرأة هو أن تتمتّع بالشعور بالمسؤولية وأن تكون على استعداد لاستشارة الخبراء أو ذوي الاختصاص عند الحاجة وأن تُظهِر إرادة حقيقية لخدمة الشعب، الأمر الذي على ما يتضح ينقص كلّاً من الرجال والنساء على حدّ سواء.

حقّ النساء في المشاركة في صياغة الدستور
حقّ النساء في المشاركة في صياغة الدستور

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015