نغم سلمان/ موقع (هنا صوتك)- لم أستطع بدايةً إخفاء دهشتي عندما رأيتها للمرة الأولى، فمن يسمع “ديانا” على الهاتف يُجزم من لكنتها الجدّية ونغمتها الحاسمة أنها في العقد الرابع من العمر، إلا أنّ ديانا لم تكن في الحقيقة تتجاوز الثلاثة وعشرين عاماً.
قررت ديانا أن تستلم مفاتيح سيارة “الفان” لتوزيع البضائع بعد أن افتتح والداها ورشة صناعة منظفات في اللاذقية، وبوجود سيارة توزيع واحدة لم تكن الورشة قادرةً على تغطية تكاليف الموزّعين؛ فكان قرار ديانا هو الحل ولم تكن تتجاوز حينها الثامنة عشر من عمرها.
“كنت خجولةً جداً، ولم أعرف كيف أتصرّف في بعض المواقف. فضلاً عن المعاكسات الكثيرة كوني فتاة” تقول ديانا وهي تحدّثني عن بداية عملها مع التجار وأصحاب المحلات. ثم تكمل قائلةً: “مضت فترة حتى استطعت إثبات نفسي، أما الآن لدي معارف كثر وأناس أقصدهم، تعوّدوا علي وحفظوني”.
لم تكن ديانا محظوظةً جداً في رحلاتها خلال سنواتها الأولى، تقول: “الجهد كان سيد الموقف، ولُزم عليّ أن أشرح كثيراً للتجّار لأقنعهم بالبضائع التي لديّ، منتظرين العروض وحسومات الأسعار، وفي النهاية لا يشترون شيئاً، فيذهب وقتي سدىً، أما الآن فأصحبت أعرف منذ البداية إن كان الزبون يريد أن يشتري أم لا”.
تقود ديانا “الفان” المُحمّل بالبضائع بين أرياف طرطوس وجبلة واللاذقية، والتجربة التي خاضتها خلال ست سنوات جعلتها أدرى بالأماكن التي يجب أن تقصدها. تقول: “أقصد الأرياف دون المدن لأنّ التعامل معهم أكثر بساطة. دائماً ما يقولون لي كلمات الإطراء التي ترفع من معنوياتي كثيراً، وينظرون إليّ بعين الإعجاب والندّية أيضاً”.
إلا أن ذلك لا ينطبق على الجميع وخاصةً بعض المقربين من ديانا فمنهم من يرى أنها غير مُجبَرة على العمل “فتحصيل الرزق عبء الرجال” على حدّ قولهم، بينما بعضهم الآخر لا يتقبل قيادتها لفانٍ مغلق، وآخرون يرفضون طبيعة عملها وسط تجارٍ جميعهم رجال.
بين أعباء الحياة ورأي المجتمع تتحدّى ديانا الجميع: “من بيده مصلحة لا يخاف من شيء. في الكثير من الأحيان أقود السيارة دون وجهةٍ معيّنة، ومع ذلك أعود بعد بيع كامل البضائع أو على الأقل معظمها”.
بُعد المسافات وسيارتها القديمة أمرٌ يشكّل تحدّياً أيضاً بالنسبة لديانا، فترافقها صديقتها زينة، تساعدها في عدّ ما تبقى من البضائع، تتشاوران أيّ المناطق التي يجب أن تقصداها، وفي الكثير من الأحيان تبقى بجانبها إن أصاب السيارة عطلٌ طارئ.
في سنٍ مُبكرة بدأت ديانا عملها وهذا ما منعها من إكمال دراستها، إلا أنّ ذلك لم يشكّل حاجزاً بينها وبين الطموح، تقول: “الخبرة التي اكتسبتها من الحياة أعطتني طموحاً كبيراً، وعلّمتني أنّ المرأة تستطيع بل قادرةٌ على العمل مثلها مثل الرجل. وليس بالضرورة أن تعتمد على أخيها أو أبيها لتحقيق طموحها، بل هي قادرةٌ على أن تحلم وتعمل وتحقّق ما تريد، كأن تشتري سيارةً لنفسها إن أرادت مثلاً”.