تركيا تدرس الانسحاب من ‘اتفاقية إسطنبول’ الدولية لحماية النساء من العنف
غضب من محاولة التكتم عن حالات اغتيال النساء، احتجاج مجموعات نسائية في أنقرة

تركيا/ وكالات- قال مسؤولون في حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء 05 أغسطس 2020 إن الحزب يدرس انسحاب تركيا من اتفاقية دولية تهدف لحماية النساء. ولم يقتصر الخلاف حول الاتفاقية على حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، بل امتد إلى عائلته مع مشاركة اثنين من أبنائه في جماعتين على طرفي نقيض من الجدل بشأن اتفاقية اسطنبول. وقال مسؤول حزبي كبير لرويترز إن حزب العدالة والتنمية سيقرر الأسبوع المقبل ما إذا كان سيتخذ خطوات أولية للانسحاب من الاتفاقية.

وقد أثارت هذه التصريحات قلق الناشطين الذين يعتبرون المعاهدة أداة أساسية لمكافحة العنف المنزلي المتزايد. ويأتي ذلك بعد أسابيع فقط من جدلٍ أثارته جريمة قتل امرأة على يد صديقها السابق بشأن كيفية مكافحة العنف ضدّ النساء.

ورغم توقيعها على اتفاقية المجلس الأوروبي في 2011 التي تعهّدت بموجبها بمنع العنف المنزلي والتصدّي له قضائياّ والحدّ منه وتعزيز المساواة، شهدت تركيا مقتل 474 امرأة في العام الماضي، وهو ضعف العدد في 2011، بحسب جماعة تراقب جرائم قتل النساء.

وتنقسم الآراء في تركيا حول الاتفاقية إلى طرفين يرى أحدهم أن الاتفاقية، التي صيغت في اسطنبول، تشجع على العنف من خلال تقويض الهيكل الأسري. ويجادل معارضوهم بأن الاتفاقية والتشريع الذي أقر بعدها في حاجة إلى تطبيق أكثر صرامة.

وينتقد المدافعون عن حقوق المرأة، ميل حكومة حزب العدالة والتنمية إلى دفع المرأة نحو الاضطلاع بدورها التقليدي كأم وزوجة لتقوم على خدمة أسرتها، ويظهر ذلك عبر التراخي في تطبيق القوانين ضدّ مرتكبي العنف ضدّ المرأة.

من جهته؛ دعا زعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، وميرال أكشينار، رئيسة حزب الجيد، الثلاثاء الماضي، الحكومة التركية إلى تنفيذ اتفاقية إسطنبول بالكامل. وكتبت أكشينار في تغريدةٍ على تويتر: “كم عدد النساء اللواتي يجب أن نخسرهنّ حتى يتم التنفيذ الكامل لاتفاقية إسطنبول”.

كما انتقدت جماعات نسوية وتقدّمية الرئيس التركي أردوغان بسبب تشجيعه النساء على إنجاب ثلاثة أطفال والقيام بواجبهنّ الوطني، دون حمايتهنّ من العنف وعدم تطبيق القوانين الرادعة للمُجرِمين.

ولا تتوقف المشكلة على عدم تطبيق الاتفاقية على أرض الواقع، بل يعود السبب أيضاً إلى أن القوى الدينية الصارمة ترى في الاتفاقية خطراً على التقاليد والعادات التركية، فقد تمّ مهاجمة الاتفاقية بشكلٍ متكرر وعلناً. ففي شهر أيار/مايو، وصفت ممثلة المرأة في حزب السعادة الإسلامي المحافظ، إبرو أسيلتورك، الاتفاقية في مقالٍ صحفي بأنها “قنبلة تهدّد كيان الأسرة”.

كما عبّر تقرير أصدرته لجنة المرأة في جمعية حقوق الإنسان التركية أنّ “أحد الأسباب التي تجعل مثل هذا العدد الكبير من النساء تقعن ضحايا للعنف هو التراخي، بل ومنع المؤسسات المعنية من إنفاذ القوانين السارية”. حيث ما زالت هناك ثغرات قانونية وقوانين مُحافِظة تجعل الكثير من النساء عرضةً للعنف. على سبيل المثال، كان هناك مشروع قانون في عام 2016 يهدف إلى العفو عن مرتكب جريمة الاغتصاب إذا تزوّج ضحيته، حتى وإن كانت الضحية قاصراً.

أواخر يوليو الماضي؛ صدمت جريمةٌ شنعاء الشارع التركي، قُتِلَت فيها طالبة. ودفعت هذه الجريمة آلاف النساء للخروج بمظاهراتٍ تُطالب بوقف العنف ضدّ المرأة وتوفير الحماية لها، سيما وأنّ هذه الجريمة ليست الأولى.

لقد فجّرت جريمة قتل الطالبة بينار غولتكين (27 عاماً) غضباً كبيراً في تركيا، نظراً للطريقة الوحشية التي قُتِلَت بها، كما تمّ أيضاً التنكيل بجثّتها. حيث تعرّضت الضحية للضرب في مقاطعة موغلا جنوب غرب البلاد من قبل صديقها السابق؛ بعد شجارٍ نشب بينهما أدى به إلى خَنقِها. وذكرت الشرطة أنّه حاول بعد ذلك حرق الجثة في غابةٍ قريبة.

وعندما فشل الجاني في القيام بذلك، أخفى الجثة في سلّة قمامة وصب الإسمنت عليها. بعدها قامت الشرطة بتتبعه من خلال صور كاميرات المراقبة بإحدى محطات الوقود، التي أظهرته وهو يحمل علب البنزين في سيارته. وخلال التحقيق معه ذكر للشرطة بأن الغيرة كانت الدافع وراء اقترافه للجريمة بحقّ صديقته.

وتظاهرت حينها النساء في عدّة مدنٍ تركية، تأكيداً لتمسكهنّ بمعاهدة إسطنبول، التي تهدف لتأمين حماية أفضل للمرأة من العنف، في حين دعا مسؤولون في الحزب الحاكم إلى انسحاب البلاد منها. وقد تجمّعت عشرات النساء في حديقة عامة في أنقرة وسط انتشارٍ أمني كثيف وقتها.

وصرّحت كانجو أرتاس من منصة نساء أنقرة، التي نظمت التظاهرة، لفرانس برس “في حال سحب المعاهدة ستجد المرأة نفسها وحيدةّ”.

وأيضاً في إسطنبول، قامت السلطات التركية بمنع متظاهرات من دخول حديقةٍ عامة، فقرّرت العشرات منهن السير في الشارع في منطقة بشكتاش وفقاً لتقارير الإعلام المحلي ولفيديو منشور على الإنترنت.

وفي إحدى المظاهرات بمدينة أزمير، تدخّلت الشرطة بشكل غير متوقّع، واعتقلت بعض المتظاهرين، مما أدى إلى اندلاع أعمال شغبٍ هناك.

وتحوّل العنف ضدّ النساء إلى جزءٍ مظلم من الحياة اليومية في تركيا، فوفقاً لمبادرة منظمة “سنوقف قتل النساء”، قُتِلَت 27 امرأة في تركيا خلال شهر حزيران الماضي وحده، بالإضافة إلى 23 حالة وفاة أخرى؛ يُشتَبه في أنها ناجمة عن القتل.

تأملُ مجموعات الدفاع عن حقوق المرأة أن يؤدّي الضغط العام الذي يحصل على إثر هذه الحوادث، إلى تحوّل اجتماعي لا يحمله فقط المجتمع المدني، بل أيضاً سياسيون. كما تُراهِنُ الكثير من النساء التركيّات على اتفاقية اسطنبول، وهي معاهدة للمجلس الأوروبي للوقاية ومحاربة العنف ضدّ النساء والعنف المنزلي تعود لعام 2004، حيث التزمت البلدان الموَقّعة بإيجاد الظروف المواتية لمحاربة العنف ضدّ النساء. وقد صادقت تركيا على الاتفاقية قبل خمس سنوات وتبنّتها كقانونٍ للوقاية من العنف ضدّ النساء ولحماية العائلة قانونياً.

غضب من محاولة التكتم عن حالات اغتيال النساء، احتجاج مجموعات نسائية في أنقرة

غضب من محاولة التكتم عن حالات اغتيال النساء، احتجاج مجموعات نسائية في أنقرة

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015