اللاذقية/ جهينة نيوز- أقامت فرقةٌ مسرحية من البيت العربي للموسيقى، ورشة عمل مسرح تفاعلي تحت عنوان “حقّ المرأة في العمل” على مدى أكثر من شهرين وبدعمٍ من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “UNDP”، وبالتعاون مع كنيسة سيدة اللاذقية المارونية. وتُوّجَت الورشة بعرض العمل مؤخراً خلال شهر آب الماضي في ثلاث مناطق من اللاذقية وهي: شريفا، الحفة وعرامو.
حقّ المرأة
وقبل العرض بأكثر من شهرين، ذهب فريق العمل إلى المناطق الثلاث المذكورة آنفاً، وأجرى لقاءاتٍ مع مجموعاتٍ من السيدات وتمّ الاستماع إلى حكايتهِنّ، كما تمّ تقديم مشاهد حيّة تحريضية، تتمحور حول حقّ المرأة في العمل، مما شجّع السيدات على البوح برغباتهِنّ حول مشاريعِهنّ، سواء أكانت فاشلة أو ناجحة، وكذلك عن مشاريع لم تُولد أصلاً.
المستوى الأول من التجربة كان إعطاء السيدات الفرصة للحديث عن أنفسهِنّ في رواية حكاياتٍ لم يعتَدن روايتها، أو لم يتح لهُنّ الفرصة للتعبير عنها، فكانت البروفات كما يقول مخرج العمل الفنان ياسر دريباتي: “أنّ البروفات الأولى شكّلت حافزاً للسيدات للتواصل والتعبير عن أنفسهِنّ ومشاريعهِنّ بجرأةٍ وقوّة، واللافت على المستوى أنّ السيدات المشاركات امتلكن الجرأة والقوة والخبرة في مهنٍ مختلفة.”
حكايات
أما المستوى الثاني، فقد تضمّن توثيق تلك الحكايات عبر الفيديو وتسليط الضوء على أماكن العمل والمهن المختلفة لدى النساء، ويقول دريباتي: “أردنا من ذلك إعطاء قيمةٍ لهذه المهن، التي تملك قيمةً حقيقية.. لكن بحاجة إلى تظهيرها عبر الأدوات الفنية المختلفة، واللافت في هذه الخطوة تفاعل السيدات مع كاميرا الفيديو وجرأتِهنّ في التعبير عن أنفسهنّ على المستويين الشخصي والمهني.”
أما المستوى الثالث، فكانت له علاقةٌ بغربلة تلك الحكايات التي سمعناها والاستفادة منها لبناء نصّ مسرحي تفاعلي مفتوح؛ بمعنى أنّ الحكاية ليست مُنجَزة، وهناك خطوطٌ لحكاياتٍ مختلفة حيث تتقاطع هذه الحكايات مع ما روته السيدات في المناطق الثلاث.
المسرح البديل
وفي نهاية المطاف، وهو المميّز في هذه التجربة، كان هناك نصٌّ تشاركي مُنجز من الممثلين والسيدات العاملات اللواتي شاركن في اللقاءات على مدى شهرين. ويمكن توصيفه بأنّه نصٌّ “ركحي” أي نصّ مكتوب للأداء المسرحي، وقد كُتِب هذا النص على مراحل الورشة الثلاث والتي أُقيمت في المناطق الثلاث. وجرى تقديم هذا النص في المناطق الثلاث ضمن صيغة المسرح التفاعلي؛ أي بمعنى تقديم مشهديات مسرحية يتخلّلها حوارٌ مع الجمهور، حيث تتداخل آراء الجمهور العفوية في تقديم الحكاية وفي التعاطف أو عدم التعاطف مع ما يُقدّم على المسرح.
ويقول المخرج دريباتي “أنّ العرض التفاعلي هو جزءٌ من البحث الفني عن المسرح البديل، أي أنّ كلّ مكانٍ يمكن أن يصبح خشبة مسرح، وبذلك نحقّق حضور اجتماعي أكثر للمسرح، وهو أمرٌ يطمح إليه المسرح عبر تاريخه، أي عندما تذهب إلى الجمهور حيث هو، هذا يعني خلق علاقة طازجة مع الجمهور، وهذا يعني كسر الجدار الرابع.”
وقال دريباتي بأنّ “العرض المسرحي التفاعلي قُدّم في ساحة البلدية في شريفا، وباحة كنيسة الحفّة، وأرض الديار في بيت حجري قديم في عراموا، لقد تحوّلت الأماكن الثلاث إلى مكانٍ مسرحي أقبل عليه الجمهور بشغفٍ وحبّ وتفاعل مع الحكايات المُقدّمة وكان شريكاً فعّالاً في بناءها، وربما تكون المرّة الأولى لهذا الجمهور الذي يُشاهد فيها عرضاً مسرحياً بهذا الشكل، وبذلك يحقّق العرض أحد أهداف المسرح النبيلة وهو توسيع ساحة التواصل الاجتماعي، وخلق فرصة فُرجة يحتاجها المجتمع في كلّ زمانٍ ومكان، إضافةً إلى أنّ العرض أعطى السيدات المُشارِكات فرصةً فنيّةً ثمينة لتقديم حكاياتِهنّ لجمهورٍ يعرفنه جيداً، وهو بدوره يعرف هذه الحكايات، وبالتالي نقل الحكاية من مهني يومي إلى مستوى فني.”
توريط الجمهور
ويتابع دريباتي بأنّ “المنظمة العالمية “UNDP” تُعنَى بالتنمية البشرية، والتي ربما يشكّل المسرح التفاعلي بالنسبة لها ركناً أساسياً في التنمية، والتجربة التي قدّمناها تُعَدُّ التجربة الأولى في هذا المجال، هذا المسرح التفاعلي والذي يمكن توصيفه بأنه مسرح المضطهدين؛ بمعنى أنّه يُعنَى بحكاياتٍ راهنة تأخذ من المشاكل اليومية، وبذلك يكتسب حرارة المشاكل اليومية للناس.”
وأضاف دريباتي “المسرح التفاعلي في بنيته الفنية يذهب إلى الجمهور حيث هو الجمهور، ليس عبر الصياغة المسرحية وإنما عبر إضافة عناصر تورّط الجمهور في المشاهدة والاستماع والمشاركة، ومن خلال توظيف المكان البديل والموسيقى والأغاني والاستخدام الشرطي للديكور.”
ويقول دريباتي “في العرض التفاعلي الذي عرضناه وظّفنا هذه العناصر في تقديم فرجةٍ فنية يألفها الجمهور، وهي ليست بعيدة عن زائقته الفكرية أو الفنية، ربّما كانت الصعوبة الكبرى في الفهم الخاص للمسرح التفاعلي الرائج الذي يُقَدّم المسرح التفاعلي بشكلٍ وعظي لا يحمل مقوّمات المسرح، ويتعاطى مع اللعبة الفنية بخفّةٍ.”
ويضيف دريباتي “فمهمّات الممثلين لم تكن تقليديةً؛ بمعنى لم تكن مجرّد أداءٍ مسرحي على خشبة مسرح، على أهمية خفّة الأداء، وإنّما كانت لهم مهمّاتٌ في جميع خطوات العمل من البروفة الأولى وحتى العرض الأخير.”
المرة الأولى
وبدوره قال الممثل نضال سليمان: “المسرح التفاعلي بدأ ينتشر بالبرازيل عام 1965 مع المخرج أوغوستو بوال، ومع عرضنا يمكن القول أنّه المرة الأولى التي يُقام فيها مسرح تفاعلي حقيقي في اللاذقية، ودوري كان أبٌ لإبنةٍ لديها طموح أن تقرأ الموسيقى والباليه بالمعهد العالي بدمشق، ولكن كرجلٍ موسيقي شرقي سابق وعازف عود تخيّلتُ أن ابنتي ستعيش تجربةً قاسية كالتجربة التي عشتها أنا كأب مع الفن، وكان همّي إبعاد نظرها عن الموسيقى والباليه، وكانت أنظارنا أنا وأمّها تتجه لتعليمها مهنةً أو مصلحةً بحيث تكون موجودةً أمام أعيننا، وتقوم على تربية أولادها الثلاثة وخاصةً أن زوجها اختفى وتركها بظروفٍ غامضة.”
ويتابع سليمان “طبعاً الأهل كان لهم دورٌ كبير في تعاسة البنت وظروفها الصعبة؛ كونهم أجبروها على الزواج بسنّ مبكرة وحرموها من طموحها، على أساس أنّ البنت ليس لها غير بيتها وزوجها.” وأضاف بأنّ “التجربة غنية وكسرت لديه حاجز الرهبة من الجمهور، و الشيء الجميل أنك تحصل مباشرةً على صدى العمل لدى الجمهور وتأثيرك كممثل مع المسرح التفاعلي.”
تألّف فريق العمل من الممثلين: نيرمين علي، شروق البني، نضال سليمان، وموسيقا مروان ديباتي مؤلّفاً ومغنياً.
والعازفين: بهاء فضّة على الدف، وأوس عثمان على الغيتار.
ودراما تورجيا وإخراج: الفنان ياسر دريباتي.