حياة المرأة.. بين سلطة القانون وسطوة المجتمع
لوحة: خالد خدور

رنا جاموس/ جيرون- في عام 2009، وتحديدًا في 29 تشرين الأول/ أكتوبر منه، تم إطلاق (اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف)، بهدف دعم النساء والفتيات المتضررات من ما يُسمى “جرائم الشرف” بكل أشكالها وأنواعها ومستوياتها، وليكون مناسبة سنوية للتذكير بأهمية حماية المرأة، وتوفير الشروط التي تضمن لها مشاركة فاعلة أمينة آمنة في المجتمع، ولدعم معركتها ضد هذه النوع من الجرائم التي ما زالت تنتشر في العالم الثالث عمومًا بشكل كبير، ولإيصال صوت المرأة إلى العالم، ليكون أكثر حزمًا مع كل من يسعى لانتهاك حقوق المرأة ويتذرع بالشرف كحجّة لتنفيذ مآرب خاصة ضيقة قاصرة، وغير صحيحة في أغلب الأحيان.

في سورية، ما زال الفكر التطرفي الذكوري يتصدر المشهد، على الرغم من مرور سبع سنوات ونيف على بدء ثورة أرادت تحرير الإنسان والعقل، ولم يحد الفكر المجتمعي السوري حتى اليوم عن فكرة أن “المرأة شرف”، وعلى الرغم من تعايش مئات الآلاف من السوريين في المجتمعات الأوروبية، وانخراطهم في تفاصيل حياتها وتقاليدها، فما يزال قصور الفكر تجاه المرأة يخلد في أذهان كثير منهم، متناسين أن الثورة ثورة فكر، قبل أن تكون ثورة ضد فساد وقهر وسلطة أمنية.

تعاني المرأة السورية من اضطهاد القانون والمجتمع كليهما، وخاصة في ما يُدعى بـ “جرائم الشرف”، وبالرغم من أنه لا يوجد في قانون العقوبات السوري ما يُدعى بـ “جريمة الشرف”، فإن المشرّع احتال على الأمر، وأطلق عليها مسمى “جرائم الاعتداء على العرض”، ولكن في الحقيقة لا فرق بين المُسمّيان إلا في كناية “الشرف”، فقد أسقطت المادة 508 من قانون العقوبات، عن المعتدي الذي اغتصب فتاة عازبة من دون إرادتها أو بالإكراه، الدعوى الجزائية؛ إذا ما عقد زواجًا صحيحًا بينه وبين المعتدَى عليها، ولكن القانون عاد ليتنصل من تهميشه للمرأة، بوضع شرط ليس له ذرائع ولا ركائز سوى اضطهاد المرأة؛ بأنه ليكون عقد الزواج صحيحًا، ولعدم مقاضاة الجاني الذكر مرة أخرى بسبب اعتدائه عليه، يجب أن يستمر الزواج بينه وبين الضحية مدة خمس سنوات، وإلا؛ فإنه سيُلاحق قضائيًا، في حال تمّ الطلاق من دون سبب مشروع.

يُساعد القانون السابق أهلَ الأنثى (التي تُعتبر “شرف العائلة”)، في أن يُغطّوا على جناية رجل غريب، فقط كي لا تُنعَت الفتاة بالمُغتصَبة أو المُعتدى عليها في المجتمع، وكان الجدير بالقانون أن يحمي الأنثى من ذويها، قبل الغريب، بنسف هذه المادة وعدم السماح للجاني بالزواج من المجني عليها، لتكون ضحية التخلف المطبق والعادات البالية، في آن معًا.

بالعودة زمنيًا إلى عدة أيام خلت، نستحضر مقطع الفيديو الذي تداوله ناشطون، على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي كان يفتخر فيه شاب سوري “يسكن في منطقة جرابلس” بقتل أخته، بطريقة وحشية، من أجل “غسل العار”! لتكون تلك الفتاة أيقونة لكثير من اللواتي ظُلمن في المجتمع، بسبب الفكر الذكوري المفرط، في مجتمع ذكوري يُنصّب المذكور كمُدّعٍ ومُدَّعى عليه وقاضي، فقط بسبب الاختلاف الفيزيولوجي بينه وبين الأنثى.

لم يكن القانون أفضل حالًا من المجتمع، حيث نصّ قانون العقوبات السوري في جريمة التزاني، على مادة تُخوّل الزوج أو وليّ الأمر رفع الدعوى، ضد الفتاة أو المرأة التي ارتكبت العلاقة غير الشرعية، فيما لم يمنح المرأة هذا الحق، والعبرة أنه يجوز للرجل أن يخون مرّة واثنتين وعشر مرات، من دون أن توجّه إليه أصابع الاتهام، فيما تبقى الأنثى تحت رحمة ولي الأمر في مقاضاتها، فإن كان المجتمع والقانون يخافان على اختلاط الأنساب، ويتخذان من هذا الأمر ذريعة لمقاضاة المرأة وتهميشها، فلِمَ لم يعدل في حقها فقط في السماح لها برفع الدعوى ضد زوجها الخائن أو أبيها الزاني، أم أن الفرق بينهما فيزيولوجي بالفعل؟ ولأجل ذلك يفرق القانون في حكمه؟

لا يوجد -للأسف- رادع لمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم، لأنه في حقيقة الأمر لا يمكن معالجة القصور في العقل والفكر والموروث الفكري، فمن يرتكب مثل هذه الجرائم؛ يرتكبها بدافع “الشرف”، من دون أن يُفكّر بعواقب جريمته، لا سيما أن الأسباب المخففة ترفع نسبة ارتكاب هذه الجرائم في المجتمع السوري.

وبالرغم من الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، فإن الإعلام والمنظمات النسائية والإنسانية تغضّ الطرف عن هذا الموضوع، وتتجنّب في حالات كثيرة مناقشته، أو يكون الحديث عنه بصوت منخفض وخجول، وبشكل ضئيل من دون تسليط الضوء على إحصاءات وأعداد الجرائم المرتكبة في سورية، وفي العالم العربي عمومًا حول هذا الموضوع، وما زالت المرأة تعيش في قوقعة الذكورية، وبين مُعلّقات الجاهلية، لا يسمح لها بالعبور إلى الشط، فإما أن تسبح عكس التيار أو تغرق وسط البحار، ولا مفرّ آخر.

لوحة: خالد خدور

لوحة: خالد خدور

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015