دراسة عالميّة: قتل النساء والفتيات المُتَعَلّق بالجندر
مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة

ترجمة وإعداد: ضحوك رقية/ شبكة المرأة السورية- نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بحثًا عالميًا حول قتل النساء والفتيات المتعلق بالجندر في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، لعام  2018، بهدف رفع الوعي وتعميق الفهم واتخاذ التدابير، ولدعوة الحكومات إلى المساعدة في إلقاء مزيد من الضوء على هذه التحديات عن طريق جمع البيانات اللازمة والإبلاغ عن جميع أشكال العنف المرتبط بالجندر.

المقدمة

تشكل عمليات قتل النساء والفتيات المتعلقة بالجندر مشكلة خطيرة في جميع بلدان العالم، الغنية منها والفقيرة. يبين البحث أنه في حين يقتل الرجال على أيدي غرباء، فإن النساء يقتلن على أيدي أشخاص يعرفنهم ويثقن بهم عادة، ويفترضن تلقي الرعاية والاهتمام منهم.

شكلت نسبة النساء اللواتي قُتلن على أيدي شركاء حميميين أو أحد أفراد الأسرة الآخرين 58 في المائة من مجمل ضحايا جرائم قتل النساء المبلغ عنها عالميًا في العام الماضي، ولم يحرز  تقدم يذكر  في منع مثل هذه الجرائم. وثمة حاجة واضحة لاتخاذ تدابير موجهة.

تعرض هذه الدراسة لمحة عامة عن نطاق قتل النساء والفتيات المتعلق بالجندر؛ فتقدم تحليلًا متعمقًا لعمليات القتل المتعلقة بالجندر التي ترتكب داخل نطاق الأسرة وخارجه. وتستكشف نطاق جرائم قتل النساء والفتيات الناجم عن قتل الشريك الحميم/ أو أحد أفراد الأسرة الآخرين، وتصف أشكاله المختلفة. وتبحث أيضًا في خصائص مرتكبي جرائم القتل الحميم، والصلة بين العنف المميت وغير المميت ضد النساء، واستجابات العدالة الجنائية.

تدل وفرة البيانات المتعلقة بقتل الشريك الحميم/ الأسرة على أن البحث يركز على تحليل عمليات القتل هذه أكثر من غيرها، وعلى كيفية تأثر النساء والفتيات بأعراف معينة وممارسات تقليدية ضارة وأدوار جندرية نمطية.

تستند البيانات المقدمة في هذه الدراسة إلى احصاءات جرائم القتل التي تصدرها النظم الإحصائية الوطنية التي يبلغ فيها عن العلاقة بين الضحية والجاني.

نتائج البحث الرئيسة

قُتِلت (87000) امرأة عمدًا في عام 2017. (50000) امرأة منهن، أي أكثر من النصف (58 في المائة)، قتلن على يد الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة الآخرين. وهذا يعني أن 137 امرأة قتلت يوميًا عبر العالم على يد فرد من أفراد أسرتها. وقتل أكثر من ثلثهن (30.000)، أي 82 امرأة يوميًا على يد شريكها الحميم الحالي أو السابق، أي شخص تثق به عادة.

استنادًا إلى بيانات منقحة، كان العدد التقديري للنساء اللاتي قُتلن على يد شركاء حميميين أو أحد  أفراد الأسرة الآخرين في عام  2012، 000 48 امرأة (47 في المائة من مجموع ضحايا جرائم قتل النساء). ما يعني أن العدد السنوي لوفيات النساء الناجمة عن القتل العمد من قبل الشريك الحميم أو الأسرة في ازدياد في جميع أنحاء العالم.

من حيث الأرقام المطلقة قتل أكبر عدد من النساء على يد الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة الآخرين في عام 2017، في آسيا (20000)، تلتها أفريقيا (19000)، الأمريكيتين (8000)، أوروبا (3000) وأوقيانوسيا (300). لكن من حيث معدل القتل لكل 100 ألف امرأة من السكان تختلف النتائج تمامًا؛ حيث بلغ المعدل في أفريقيا (3.1) لكل 100000 امرأة، الأمريكيتين (1.6)، أوقيانوسيا (1.3)، آسيا (0.9)، وفي أوروربا (0.7). وبذلك تكون أفريقيا هي المكان الأكثر خطورة بالنسبة للنساء، والمكان الأقل خطورة هو أوروبا فيما يتعلق بقتل الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة الآخرين.

بلغ عدد الضحايا نتيجة قتل الشريك الحميم فقط (لا يشمل ذلك أحد أفراد الأسرة) في عام 2017، في آسيا وأفريقيا (11000 امرأة لكل منهما)، الأمريكيتين (6000)، أوروبا (2000)، أوقيانوسيا (200). أما من حيث المعدل لكل 100 ألف امرأة، كان أعلى معدل في أفريقيا (1.7)، الأمريكيتين (1.2)، أوقيانوسيا (0.9)، أوروبا (0.6)، آسيا (0.5).

قدر معدل القتل الكلي للنساء في العالم في عام 2017 بـ 2.3 لكل 000 100 امرأة، ومعدل القتل على يد الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة بـ 1.3، ومعدل القتل على يد الشريك الحميم فقط بـ 0.8.

قتل أكثر من ثلثي مجموع النساء في أفريقيا (69 في المائة) في عام 2017، على يد الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة الآخرين، وأكثر من الثلث (38 في المائة) في أوروبا. ومن حيث نسبة القتل الخاصة  بالشريك الحميم فقط، كانت أعلى نسبة في أوقيانوسيا ( 42 في المائة)، وأقل نسبة في أوروبا ( 29 في المائة).

على الرغم من أن الرجال معرضين لفقد حياتهم نتيجة القتل العمد أكثر بأربعة أضعاف من النساء، حيث تقدر نسبة القتل العام في العالم 80 في المائة للذكور مقابل 20 في المائة للإناث، لكن النساء يتحملن العبء الأكبر من حيث القتل المتعلق بالجندر. حيث كشفت عمليات تصنيف الضحايا/ الجناة عن تفاوت كبير في النسب العائدة إلى مجموع ضحايا جرائم قتل الذكور والإناث من قبل الشركاء الحميميين أو أحد أفراد الأسرة الآخرين: 36 في المائة من الذكور مقابل 64 في المائة من الإناث. والتفاوت أكبر بكثير في نسب ضحايا جرائم القتل التي ارتكبها شريك حميم فقط: 82 في المائة من الضحايا الإناث مقابل 18 في المائة من الضحايا الذكور.

تظهر هذه النتائج أن النساء يتجشمن أفدح الأثمان نتيجة القوالب الجندرية النمطية وعدم المساواة. وتقتل الكثيرات منهن على يد شركائهن الحاليين والسابقين، وكذلك على يد آبائهن وإخوتهن وأخواتهن وأفراد الأسرة الآخرين بسبب دورهن ووضعهن بوصفهن نساء. لا تنجم عادة وفاة اللاتي يقتلن على يد شركائهن الحميميين عن أفعال عشوائية أو عفوية، بل ذروة للعنف السابق المتعلق بالجندر. والغيرة والخوف من الهجر من بين الدوافع.

مفهوم قتل النساء والفتيات المُتَعَلّق بالجندر

تستخدم بعض الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية والأكاديميين والمدافعين عن حقوق المرأة مصطلح “قتل النساء المتعلق بالجندر” (femicide)[1] للإشارة إلى هذه المشكلة. ويعود تاريخ هذا الاصطلاح إلى السبعينيات، حيث استخدم حينها بهدف رفع الوعي بحجم وفيات النساء الناتجة عن العنف، وأشار إلى قتل النساء من قبل الرجال لأنهن نساء. فيما بعد، عُرّف مصطلح “قتل النساء” في أول دراسة أدبية نشرت في عام 1992 على أنه “القتل الوحشي للنساء من قبل الرجال بدافع الكراهية أو الاحتقار أو المتعة أو الشعور بالتملك المتجذر في علاقات القوة غير المتكافئة تاريخيًا بين النساء والرجال”. ثم حظي المصطلح والمشكلة المرتبطة به، في العقود القليلة الماضية، باعتراف الأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي؛ على سبيل المثال، أشار تقرير للأمين العام للأمم المتحدة في عام 2006 إلى مصطلح “قتل النساء” على أنه “قتل النساء القائم على الجندر” و”قتل النساء لأنهن نساء”. وركز التقرير على بعض الظروف والسياقات المجتمعية التي ترتكب فيها تلك الجرائم، مثل عنف الشريك الحميم، والنزاع المسلح، والنزاع حول المهر. كما سلط الضوء على خصائص معينة لمثل هذه الجرائم، وعلى عدم المساواة الجندرية بين الرجال والنساء التي تغذيها، مما يفسر الترابط بين الأعراف الثقافية واستخدام العنف في خضوع المرأة. وأطلق الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2018، برنامجًا مشتركًا يهدف إلى معالجة “قتل النساء” في أمريكا اللاتينية.

سياق قتل النساء والفتيات المُتَعلّق بالجندر

على الرغم من أن التصنيف الدولي للجريمة للأغراض الإحصائية يوفر إطارًا لتسجيل بيانات جرائم القتل، والجرائم الأخرى وفقًا لسياق الظرف والموقع الجغرافي والتاريخ والوقت والدافع، بيد أن عددًا قليلًا للغاية من البلدان ينشر بيانات وطنية عن الظروف المحيطة بعمليات قتل النساء والفتيات المتعلقة بالجندر. وما يتوفر هو معلومات منقولة غير رسمية لعدد قليل جدًا من البلدان. تشير التقارير الواردة من الأرجنتين والبيرو إلى أن غالبية عمليات قتل النساء والفتيات على أساس الجندر، أو جرائم قتل النساء عمومًا في هذين البلدين ترتكب في المدن الكبرى، وعادة ما تكون العاصمة. وفي حالة البيرو، غالبًا ما تكون آلية قتل النساء الخنق أو الطعن أو الضرب أو بواسطة سلاح ناري. وخلال الفترة مابين 2011 إلى 2014، وقعت غالبية عمليات القتل المرتبطة بالجندر في البيرو ضمن المجال الخاص، سواء في المنزل الذي يشغله الجاني والضحية، أو في منزل الضحية أو في منزل الجاني.

أشكال قتل النساء المُتَعلّق بالجندر

فيما يلي توصيف للأشكال المعروفة لقتل النساء المتعلق بالجندر استنادًا إلى تعريف “قتل النساء” الذي قدمه مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالعنف ضد المرأة.

 

  1. قتل النساء والفتيات الناجم عن عنف الشريك الحميم والعنف المنزلي

تشمل جرائم القتل العائلي، والمعروفة أيضًا باسم جرائم القتل المنزلي، جرائم القتل التي يرتكبها الشريك الحميم أو أحد أفراد العائلة الآخرين: الأشقاء، الآباء الأمهات، الأطفال، وغيرهم من الأقارب بالدم.

وثّق انتشار عنف الشريك الحميم بشكل جيد في العقود الأخيرة. وتشير دراسات سابقة إلى أن الإناث، دون استثناء، يواجهن مخاطر الوقوع ضحايا قتل الشريك الحميم أكثر من الرجال.

يتجذر عنف الشريك الحميم ضد النساء والفتيات في المعايير الجندرية المقبولة على نطاق واسع، والتي تتعلق بسلطة الرجل داخل المجتمع بشكل عام، والأسرة بوجه خاص، وفي استخدام الرجال العنف للسيطرة على النساء. تظهر الأبحاث أنه من المرجح أن يستخدم الرجال والشباب ذوي الآراء المتشددة حول الأدوار الجندرية. على سبيل المثال، الاعتقاد بأن الرجال بحاجة إلى ممارسة الجنس أكثر من النساء، أو أن الرجال يجب أن يهيمنوا على النساء، بما في ذلك الجنس، والعنف ضد الشريك، من بين نتائج سلبية أخرى. وتشير النتائج الرئيسية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية إلى أن الرجال أكثر عرضة لارتكاب العنف إذا كانوا من ذوي التعليم المحدود، أو لديهم تاريخ من اساءة المعاملة في مرحلة الطفولة، أو شهدوا ممارسة العنف المنزلي ضد أمهاتهم، أو يتعاطون الكحول، أو يؤمنون بمعايير عدم المساواة الجندرية، بما فيها السلوكيات التي تعتبر استخدام العنف أمر طبيعي، والشعور بالاستحقاق على النساء.

تحدث الغالبية العظمى من حالات قتل الشريك الحميم بين الأزواج من جنسين مختلفين، أي جاني ذكر وشريكة أنثى. وتحدث هذه الجرائم أيضًا بين الأزواج من نفس الجنس، والأزواج ثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًا، لكن بنسب قليلة جدًا. وجدت أبحاث في الولايات المتحدة أن حالات قتل الشريك الحميم تحدث بين المثليين الذكور أكثر ب 12 ضعفًا من المثليات. وأكدت هذه الدراسة دراسة أخرى استخدمت مجموعة بيانات عن جرائم القتل في شيكاغو في الفترة من 1965 إلى 1990، حيث وجدت أن 41 جريمة قتل ارتكبت بين المثليين، و5 جرائم بين المثليات.

ووجد تحليل حديث في ثلاث دول أوروبية، أن نسبة 2 في المائة من جميع حالات القتل المرتبطة بالشريك الحميم شملت أزواج مثليين في كل من فنلندا والسويد، و7 في المائة في هولندا. ولم تحدث أي من حالات القتل هذه بين المثليات في الإطار الزمني المدروس.

  1. قتل النساء والفتيات المُتَعلّق بالشرف

ترتكب عادة جرائم قتل النساء والفتيات المتعلقة بالشرف من قبل أفراد الأسرة عندما يرون أن سلوك النساء جلب العار لهم ويحتاج إلى عقوبة. ينجم هذا النوع من القتل عن علاقات الرجل الاستبدادية مع النساء. تتضمن أنماط السلوك النموذجية التي تعتبر أنها تنتهك الأدوار الأبوية الجندرية الصارمة، امرأة شابة تهرب مع رجل آخر غير الزوج الذي تختاره أسرتها، والانخراط في علاقات قبل الزواج.

البيانات المتوفرة بشأن جرائم الشرف نادرة، بسبب عدم الإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، وعدم تسجيلها في معظم الأحيان. لكن الدراسات الحالية تشير إلى أن جرائم الشرف لا تزال موجودة  وتمارس في أجزاء من آسيا على وجه الخصوص. يصعب تسجيل هذه الجرائم عندما ترتكب في المناطق الريفية خاصة، ومع ذلك، بذلت جهود للكشف عن نطاق هذه المشكلة في بعض البلدان. في أفغانستان، على سبيل المثال، قدّر تقرير التحقيق الوطني الذي نشرته لجنة حقوق الإنسان الحكومية أن 243 جريمة شرف ارتكبت في الفترة بين نيسان/ أبريل 2011 وآب/ أغسطس 2013. ارتفع خطر الوقوع ضحية مثل هذه الجرائم بين الشابات ومتوسطات الأعمار، وعندما كانت الضحية فتاة غير متزوجة، اتركب الجريمة أحد أفراد الأسرة الذكور غالبًا؛ وقد ترتكبها نساء من الأسرة، لكن بدرجة أقل.

بينت الأدلة القصصية التي قدمتها وكالات الأنباء ومجالس حقوق الإنسان، في بعض البلدان الآسيوية، أن الكثير من ضحايا جرائم الشرف نساء متزوجات، والجاني، في أغلب الأحيان، هو الزوج. وكثيرًا ما يرتبط الدافع وراء القتل بعلاقات غير شرعية للضحية أو باختيارها للزواج. وفي حالات معينة، كان أفراد آخرين من الأسرة، مثل الوالدين، أو الأشقاء، أو الأعمام، أو الأقارب البعيدين، أو حتى الجيران والمعارف مسؤولين عن الجرائم. وكثيرًا ما كانت الآليات المستخدمة في ارتكاب جرائم الشرف الأسلحة النارية، وبدرجة أقل الأدوات الحادة والخنق والضرب والحرق؛ غالبية الضحايا لم يكن عاملات.

  1. قتل النساء المُتَعلّق بالمهر

يشير إلى حالات قتل العرائس أو دفعهن للانتحار بعد تعرضهن لمضايقات مستمرة واستغلال من قبل أسرة العريس في محاولة لابتزاز المهر أو زيادته نقدًا أو عينًا. تنتشر عمليات قتل النساء المتعلقة بالمهور كثيرًا في بلدان جنوب آسيا. ومن المظاهر الشائعة لهذه الممارسة إحراق الزوجة، وكثيرًا ما تُعرض مثل هذه الحوادث على سلطات العدالة الجنائية على أنها حوادث ناجمة عن انفجار موقد الغاز في المطبخ. وعلى الرغم من حقيقة اعتماد العديد من البلدان التي تنتشر فيها وفيات المهور تشريعات تحظر ممارسة المهر، لكنه يبقى جزءًا لا يتجزأ من التقاليد الدينية والثقافية في بلدان جنوب آسيا.

  1. قتل النساء في سياق النزاع المسلح

وُثّقت ممارسات استهداف النساء في النزاعات المسلحة، واستخدام العنف الجنسي ضدهن بوصفه أحد أسلحة الحروب في عدة تقارير نشرتها الأمم المتحدة. حيث يستخدم الاستخدام المنهجي للاغتصاب ضد النساء لتدمير نسيج المجتمعات، لأن النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب في أثناء النزاعات غالبًا ما تنبذهن مجتمعاتهن. وثقت حالات اغتصاب وقتل جماعي للنساء والفتيات في الصراعات في رواندا في عام 1994، ومؤخرًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتشير التقارير إلى حدوث عمليات قتل جماعي للنساء اليزيديات من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في السنوات الأخيرة في محافظة سنجار بالعراق، بعد اكتشاف عدة مقابر جماعية.

  1. قتل نساء الشعوب الأصلية القائم على الجندر

صنف تقرير المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة، الذي يتناول حالات قتل النساء المتعلقة بالجندر، قتل نساء الشعوب الأصلية على أنه شكل من أشكال “قتل النساء”. ويُطرح هذا التصنيف ضمن سياق التهميش الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي الذي تواجهه تلك النساء، مما يزيد من ضعفهن. والبيانات المتعلقة بعمليات القتل هذه شحيحة للغاية، مما يجعل من الصعب تحليل هذه الظاهرة على نحو شامل. تظهر بيانات من كندا أن نساء السكان الأصليين يتعرضن لمستويات عنف أعلى بكثير من النساء من غير السكان الأصليين، سواء من حيث العنف غير المميت أو المميت. على الرغم من أن هذه البيانات ليست مصنفة حسب الدافع، ومن غير الممكن تحديد العنف المرتبط بالجندر، فإنها تشير إلى مشكلة كبيرة تتطلب المزيد من البحث.

  1. الأشكال المُتَطرّفة لحالات قتل النساء باستخدام العنف

تحدث أعمال القتل العنيفة المتطرفة بحق النساء في سياق ظواهر مثل الجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، والعصابات، والهجرة الجماعية، وسلاسل الاتجار بالبشر والمخدرات. يؤثر الاتجار بالبشر في النساء أكثر من الرجال، إذ غالبًا ما يتجر بهن لأغراض الاستغلال الجنسي. وبالتالي من المرجح أن تؤثر عمليات القتل الخاصة الاتجار بالبشر في النساء، وأن تنطوي على دافع يتعلق بالجندر.

  1. القتل نتيجة الميول الجنسية والهويّة الجندريّة

يمثل القتل المرتبط بالجندر نتيجة الميل الجنسي والهوية الجندرية شكلًا آخر من أشكال “قتل النساء”، والذي لم يوثق أو يحلل بشكل كافٍ. وصفت عمليات القتل هذه بأنها “جرائم تحيز جندري”، إذ تعكس السلوكيات المسيطرة التي يحاسب فيها الآخرون عن المغايرة الجنسية.

  1. قتل النساء الناجم عن الاتهام بالشعوذة أو السحر

أُبلغ عن حالات قتل عمد للنساء نتيجة اتهامات تتعلق بالشعوذة أو السحر في أفريقيا وآسيا وجزر المحيط الهادئ. وتشير الدراسات المتوفرة التي تحلل عمليات القتل المتعلقة بالسحر في بلدان في أفريقيا إلى أنه على الرغم من أن الشابات يستهدفن بالاتهام العمل بالسحر ويقتلن، غير أن هذه المخاطر تزداد مع تقدم النساء بالعمر. وتتعرض النساء اللواتي يعشن بمفردهن، خاصة في المناطق الريفية، وغالبًا في حالات الأرامل، لهذا النوع من القتل بسبب اعتمادهن المالي المتزايد على أفراد  الأسرة الذكور.

  1. أشكال أخرى من قتل النساء والفتيات المُتَعلّق بالجندر

على الرغم من أن بعض العادات والأعراف الثقافية يمكن أن تساهم في تمكين المرأة وتعزيز حقوقها الإنسانية، لكن يمكن أن تستخدم بعض التقاليد والقيم الدينية ذريعة لممارسة العنف ضد المرأة. استغلت بعض الأعراف والمعتقدات الثقافية، في جميع أنحاء العالم، لتبرير الممارسات المؤذية، مثل الختان، وزواج الأطفال، وتفضيل الأبناء الذكور، التي نتج عنها ممارسة العنف ضد النساء والفتيات. تمثل هذه الممارسات المؤذية التي ترتكب ضد النساء والفتيات، والتي قد تؤدي إلى وفاتهن، شكلًا آخر من أشكال القتل المتعلق بالجندر. وهذا يشمل أيضًا، وأد البنات، إذ ترتبط هذه ممارسة بالإجهاض  الانتقائي بسبب جنس الجنين. وعلى الرغم من أن الإجهاض قد لا يعتبر جريمة في ظل العديد من النظم القانونية، صنفت عمليات الإجهاض الانتقائي بسبب جنس الجنين التي تفضل الأطفال الذكور تحت جريمة “قتل النساء” في بعض السياقات.

قتل العاملات في مجال الجنس

يعتبر قتل العاملات في مجال الجنس مثالًا آخر على “قتل النساء”، حيث يمكن أن تلعب ذهنية التملك والتفوق الذكوري دورًا. ولدى العاملات في مجال الجنس أعلى معدل من الضحايا المتعلقة بجرائم القتل من أي مجموعة أخرى من النساء دُرست على الإطلاق. تشير الدراسات الوبائية المستندة إلى بيانات الولايات المتحدة إلى أن احتمال تعرض العاملات في الجنس لجرائم القتل يزيد بمقدار 18 ضعفًا عن النساء اللاتي لهن نفس العمر والعرق من غير المنخرطات في أعمال الجنس. وتشير تقديرات أخرى أقل تحفظًا إلى أن العاملات بالجنس يتعرضن لمخاطر القتل أكثر من 60 إلى 120 مرة مقارنة بغيرهن من غير العاملات في هذا المجال.

ونظرًا إلى تهميش المشتغلات بالجنس في المجتمع، ربما يجد بعض الرجال أنه من الأسهل تبرير العنف ضدهن. علاوة على ذلك، من وجهة نظر مرتكب جريمة القتل، قد يؤدي افتقار العاملة في مجال الجنس إلى الوضع الاجتماعي، إلى التقليل من أهمية قتلها والتقليل من انسانيتها.

الجناة في جرائم قتل النساء والفتيات المُتَعلّقة بالشريك الحميم

سمات الضحيّة والجاني

تبين الأبحاث أن قتل النساء والفتيات على يد الشريك الحميم لا يأت نتيجة أفعال عشوائية أو عفوية. لذلك من المفيد تحديد العوامل التي تسبق عمليات القتل هذه وتحليلها، إلى جانب سمات الجناة وخصائصهم. على سبيل المثال، يبدو أن مرتكبي جرائم القتل الخاصة بالشريك الحميم، من الذكور والإناث، ينتمون إلى مجموعات متمايزة، ليس من حيث معدلات الانتشار فحسب، بل ومن حيث الدوافع الكامنة وراء الجريمة؛ حيث تشمل الدوافع التي ذكرها الرجال، التملك والغيرة والخوف من الهجر، بينما ارتبطت الدوافع التي ذكرتها  النساء بالفترات الطويلة من المعاناة الخاصة بالعنف الجسدي. وخلصت دراسة أسترالية حديثة حول جريمة قتل الشريك الحميم إلى أن غالبية جرائم القتل هذه (80 في المائة) تضمنت رجلًا قتل شريكته الحميمة الحالية أو السابقة. وكشفت السلطات أن ما يقرب من ربع الرجال الذين قتلوا شريكتهم الحميمة كانوا عنيفين تجاههن مسبقًا. وتبين أيضًا أن نصف الرجال تقريبًا قتلوا شريكتهم في غضون ثلاثة أشهر من انتهاء العلاقة.

بيّنت بعض الدراسات أن ضحايا جرائم قتل الشريك الحميم ومرتكبيها يكونون، وسطيًا، أكبر من ضحايا جرائم قتل غير الشريك الحميم. وأشارت دراسات أجريت في الولايات المتحدة إلى أنه في معظم الأحيان تكون المرأة الضحية أصغر سنًا من المعتدي. وتبين أن الأزواج ذوي الفوارق العمرية الكبيرة معرضون لهذا النوع من القتل بشكل كبير، خاصة عندما يكون عمر الشريك أكبر بنحو 15 سنة من عمر الشريكة.

وأشارت دراسات سابقة إلى أنه غالبًا ما يكون مرتكبو جرائم قتل الشريك الحميم الذكور في الولايات المتحدة  فقراء، وشباب، وينتمون إلى مجموعات إثنية أقلية، ولهم تاريخ من العنف وتعاطي المخدرات.

استنتجت الدراسات التي أجرت مقارنات بين مرتكبي جرائم قتل الشريك الحميم وبقية أنواع مرتكبي الجرائم، أنه غالبًا ما يكون الجناة في الحالة الأولى أكثر تقليدية من الجناة الذين يقتلون رجالًا آخرين، ومن مرتكبي الأنواع الأخرى من الجرائم. ووجدت دراسة في المملكة المتحدة، أجرت مقارنة بين 100 من مرتكبي جرائم قتل الشريك الحميم و400 من مرتكبي جرائم قتل الذكور/الذكور، أن مرتكبي جرائم قتل الشريك الحميم حققوا مستوى أعلى في التعليم المدرسي، ويشغلون وظائف أفضل من مرتكبي الأنواع الأخرى من الجرائم. كما وجدت أن معدل ارتكابهم لعمليات إجرامية سابقة أقل من غيرهم. وتشير دراسات أخرى، استندت إلى بيانات من فنلندا والسويد والمملكة المتحدة، إلى أن مرتكبي جرائم قتل الشريك الحميم أقل معاناة من مرتكبي جرائم القتل الأخرى فيما يتعلق بالعمل والسكن والتاريخ الإجرامي.

لم تتمكن دراسة حديثة أجريت حول السجناء الذكور في تركيا، حاولت تحديد خصائص نفسية اجتماعية لمرتكبي جرائم “قتل النساء”، من الكشف عن أمراض نفسية معينة يمكن خصهم بها. ومع ذلك، اعتبرت أن الهجرة ومفهوم الأدوار الجندرية عوامل تساعد على التمييز بين الرجال الذين يرتكبون العنف ضد النساء وأولئك الذين لا يفعلون. تؤكد هذه الاستنتاجات على أهمية فهم “قتل النساء” بوصفه ظاهرة مجتمعية بالدرجة الأولى، وليس فعلًا ناجمًا عن الفرد.

أشارت دراسة أجريت في غانا حول مرتكبي جرائم قتل الشريك الحميم الذين انتحروا بعد قتل الشريكة، إلى أن الجناة كانوا من خلفية اجتماعية واقتصادية دنيا، وأكبر من الضحايا عمومًا. وكشفت الدراسة، التي حللت 35 حالة من حالات “قتل النساء” التي وقعت بين عامي 1990 و 2009، وأعقبها انتحار،  أن الآليات التي استخدمت في قتل الشريكة الحميمة هي الأسلحة النارية والسواطير غالبًا، في حين استخدم الجناة الرصاص والشنق في الانتحار. وكان دافعهم للقتل الاشتباه في الخيانة والغيرة الجنسية. واعتبر إنهاء العلاقة، والطلاق والنفور عوامل أخرى أدت إلى قتل الشريكة الحميمة.

دوافع مرتكبي جرائم قتل الشريك الحميم

كما هو الحال في عمليات القتل المتعلقة بالعنف المنزلي، يمكن فهم الديناميكيات الكامنة وراء ارتكاب جرائم قتل الشريك الحميم بشكل أفضل تبعًا للدافع. حددت دراسات سابقة، اعتمادًا على طبيعة العينات، تصنيفات من قبيل الغيرة، والخوف من الهجر، والنساء اللاتي يتعرضن للضرب، والمرض العقلي الشديد. واتضح من خلال دراسة متعمقة لـ 105 رجال قتلوا شريكاتهم، أن غالبية الجناة كانوا على خلاف مستمر مع شريكاتهم، وأخضعهن للعنف قبل القتل. نزعت نسبة كبيرة من هؤلاء الرجال إلى إلقاء اللوم على إدمان الكحول، ونسبة قليلة إلى تعاطي المخدرات. وفيما يتعلق برد الفعل على القتل، كان العديد من الرجال المدانين في حالة إنكار تام بعد وقوع الحدث مباشرة، وقدم بعضهم مستويات مختلفة من تقبل القتل مع مرور الوقت. ونحو نصف الرجال لم يبدوا أي تعاطف تجاه الضحية، وحوالي الثلث لم يعبروا عن أي ندم. رفض البعض الاعتراف بأعمال العنف الجسدي المتكررة التي وقعت في أثناء حادث القتل، وادعوا أن المرأة سقطت ببساطة على السكين، أو أن الجاني لم يدرك أنه أمسك بحنجرة الضحية بتلك القوة حتى ماتت اختناقًا. وعلاوة على ذلك، نزع الجناة إلى تقديم أنفسهم على أنهم ضحايا لشريكاتهم، ما يعني أن القتل جاء في الواقع نتيجة للإساءات التي تعرضوا لها.

العلاقة بين العنف المميت وغير المميت ضدّ النساء

على اعتبار أن جرائم “قتل النساء” غالبًا ما تكون ذروة لعنف سابق قائم على الجندر، وعند النظر إلى البلدان ذات الخطورة العالية أو المنخفضة في حالات قتل النساء على يد الشركاء الحميميين أو أحد أفراد الأسرة الآخرين، ثمة سؤال مهم يطرح نفسه، ما علاقة جرائم القتل بأعمال العنف الأخرى غير المميتة ضد النساء.

من أكثر أشكال العنف شيوعًا ضد المرأة، العنف الذي يرتكبه الشريك الحميم. ويتخذ هذا العنف- الذي غالبًا ما يطلق عليه العنف المنزلي – أشكالًا مختلفة، بما فيها العنف الجسدي. ويمكن اعتبار العنف ضد المرأة سلسلة متواصلة، تتراوح بين الصفعات واللكمات والركلات، والاعتداء بالسلاح، وفي النهاية القتل.

تظهر البيانات الاستقصائية حول مستوى العنف ضد المرأة المذكور في تقرير الأمم المتحدة المرأة في العالم 2015 تباينًا كبيرًا. ولا يمكن عزو هذا التباين إلى الاختلافات في مستوى العنف بين البيئات فحسب، بل أيضًا إلى الاختلافات في مستوى تدريب المحاورين ومهاراتهم، والاختلافات الثقافية التي تؤثر في رغبة المستجيبين في الكشف عن التجارب الحميمة، والتعريفات الثقافية للعنف. وتكشف البيانات أن مستوى العنف الجسدي والجنسي الذي تعانيه النساء يبلغ أعلى معدلاته في أفريقيا، الأمر الذي يتوافق مع ارتفاع معدلات “قتل النساء” الكلية فيها. ولكن معدلات “قتل النساء” مرتفعة أيضًا في الأمريكتين، لا سيما في أمريكا اللاتينية ومنطقة  البحر الكاريبي، مع أن مستوى العنف الممارس ضدهن، كما قيس في البيانات الاستقصائية، يبدو منخفضًا نسبيًا بالمقارنة مع مثيله في مناطق أخرى.

يمكن عزو الاختلافات جزئيًا إلى حقيقة أن العنف الممارس ضد النساء، والمذكور في الدراسات الاستقصائية يختلف باختلاف الثقافات. حيث يختلف فهم النساء لماهية “العنف ضد المرأة” باختلاف المجتمعات والبلدان، إذ قد تظهر بعض النساء تحملًا أكبر للإيذاء الجسدي واللفظي، أو ربما لا يدركن أن مثل هذه الأفعال تعتبر إساءة. لكن في البلدان التي أحرزت تقدمًا في ميدان حقوق المرأة وتعليمها، وفي تحقيق المساواة الجندرية، من المرجح أن تحدد النساء أفعالًا معينة بوصفها أعمال عنف ارتكبت ضدهن، وأن يبلغن عنها إلى سلطات العدالة الجنائية، أو في أثناء الاستقصاءات المتعلقة بضحايا الجرائم.

ربما يفسر العديد من العوامل العلاقة بين قتل النساء وغيره من أشكال العنف ضدهن، كالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، والمساواة الجندرية، ودور المرأة في المجتمع، بالإضافة إلى نوعية البيانات.

استجابات العدالة الجنائية والسياسة العامة على قتل النساء والفتيات المُتَعلّق بالجندر

اعترفت السلطات الدولية والوطنية في العقود القليلة الماضية بالانتشار الواسع للعنف ضد المرأة والأضرار التي لحقت بالضحايا والمجتمع. تناولت مجموعة من السياسات والبرامج التي تستخدم استجابات العدالة الاجتماعية والصحة العامة والعدالة الجنائية موضوع قتل النساء والعنف ضد المرأة بشكل عام. تضمنت استجابات العدالة الجنائية وضع القوانين التي تحظر جميع أشكال العنف ضد المرأة وإنفاذها، والقوانين التي تقضي على التمييز ضدها، وتنفيذ السياسات، وتعزيز قدرات المؤسسات. وفيما يلي شرح للتطورات في مجال السياسة العامة والتشريعات التي تتناول العنف ضد المرأة و “قتل النساء”.

الاستجابات الدوليّة 

على قتل النساء والفتيات المرتبط بالجندر

تناول المجتمع الدولي في مناسبات مختلفة مشكلة قتل النساء المرتبط بالجندر. إذ اعتمدت لجنة الخبراء لأول مرة إعلانًا بشأن “قتل النساء” في عام 2008، في لجنة المتابعة التابعة لاتفاقية بيليم دو بارا، ينص على أن “قتل النساء” يمثل أشد مظاهر العنف والتمييز ضد المرأة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين بشأن “قتل النساء” في عامي 2013 و 2015، تشجع فيهما الدول الأعضاء على اعتماد استراتيجيات وتدابير للتصدي للعنف ضد المرأة والحد من خطر عمليات القتل المتعلقة بالجندر، بما في ذلك تجريم العنف المرتبط بالجندر ومقاضاته، وضمان “وجود عقوبة مناسبة لمرتكبي جرائم قتل النساء والفتيات تتناسب مع خطورة الجريمة”.

على العنف ضدّ المرأة

فيما يتعلّق بالتحدي الأوسع المتمثل في العنف ضد المرأة ، اعتُمد عدد من المعاهدات الخاصة بحماية حق النساء والفتيات في عيش حياة خالية من جميع أشكال العنف. لا تغطي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وبروتوكولها الاختياري بشكل صريح الأمور المتعلقة بالعنف ضد المرأة، ولكن تذكر توصيتها العامة رقم 35 بشأن العنف القائم على الجندر ضد المرأة، التي حدّثت التوصية العامة رقم 19، أن تعريف التمييز ضد المرأة بموجب أحكام الاتفاقية “يشمل العنف القائم على أساس الجندر؛ أي العنف الموجه ضد المرأة بسبب كونها امرأة أو العنف الذي يمس المرأة على نحو جائر”. يفرض عدد من المعاهدات الإقليمية التزامات ملزمة قانونًا على الدول التي تصادق عليها بالالتزام بمجموعة من المعايير الدنيا، من أجل منع العنف ضد المرأة ومكافحته تحديدًا، تشمل: اتفاقية البلدان الأمريكية لمنع العنف ضد المرأة والمعاقبة عليه واستئصاله (اتفاقية بيليم دو بارا)؛ بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة في أفريقيا (بروتوكول مابوتو)؛ اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي (اتفاقية اسطنبول).

وإلى جانب المعاهدات، تعكس عدة وثائق ومعايير وقوانين حكومية دولية التزام المجتمع الدولي بمعالجة مشكلة العنف ضد المرأة، والعنف الجندري ضد الفتيات في سياق العنف ضد الأطفال: من إعلان وخطة عمل بيجين اللذين اعتمدهما المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة إلى سلسلة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي بدأت بإعلان القضاء على العنف ضد المرأة في عام 1993. كما اعتمدت لجنة الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية قرارات ومقررات بشأن العنف ضد المرأة، والتي غالبًا ما توجت بقرارات الجمعية العامة، مثل القرار 65/228، الذي اعتمد في عام 2010، الصيغ الحديثة من الاستراتيجيات والتدابير العملية بشأن القضاء على العنف ضد المرأة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية. تحتوي هذه الوثائق على أحكام تفصيلية وإرشادات عملية لنظم العدالة الجنائية، وتعتمد على المعاهدات المختلفة الملزمة قانونًا المذكورة أعلاه وتكملها.

الاستجابات الوطنيّة

استجابات العدالة الجنائيّة

نظرًا إلى  أن معظم أشكال “قتل النساء” التي نوقشت في هذه الدراسة تقع ضمن نطاق تعريف جريمة القتل العمد في معظم البلدان، تنهج استجابة العدالة الجنائية لمعظم هذه الجرائم نفس النهج المتبع في جرائم القتل العمد الأخرى. وتستخدم بعض الدول أحكام القانون الجنائي العام المتعلق بجرائم القتل العام، والقتل العمد والقتل الخطأ، وتطبق أقصى العقوبات عندما تكون هناك ظروف مشددة في قضايا مثل قتل الزوجة أو قتل امرأة حامل. ووضعت بلدان أخرى أحكامًا تشريعية إضافية لمقاضاة جرائم “قتل النساء” تحديدًا. يمكن تصنيف هذه الأحكام الإضافية في نهجين:

  1. إحداث جريمة محددة لـ “قتل النساء المرتبط بالجندر”. وتختلف العناصر التي تميز هذه الجريمة المحددة عبر التشريعات اختلافًا كبيرًا. اتخذ هذا النهج في بلدان أمريكا اللاتينية بشكل خاص، حيث ترتفع معدلات هذه الجرائم مقارنة بتلك الموجودة في مناطق أخرى، مثل أوروبا.
  2. إدراج عوامل مشددة في جرائم القتل، تتضمن الظروف الموضوعية مثل العلاقة بين الضحية والجاني، أو حمل الضحية، أو عناصر ذاتية، أي الكراهية أو التحامل أو الشرف.

اعتمدت ثماني عشرة دولة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي قوانين تجرم “قتل النساء” بوصفه جرمًا محددًا ضمن أطرها القانونية الوطنية. فاستحدثت غالبية هذه البلدان نوعًا جديدًا من الجرائم، أي “قتل النساء لأنهن نساء”، بينما اعتُبرت في بلدين، الأرجنتين وجمهورية فنزويلا البوليفارية، نوعًا من القتل العمد. في حين أن أغلب قوانين قتل النساء هذه قابلة للتطبيق داخل نطاق الأسرة وخارجه، فهي لا تنطبق في بلدان مثل تشيلي وكوستاريكا ، إلا على النساء اللواتي يقتلن من قبل الشريك الحميم الحالي أو السابق. فيما وسعت بلدان أخرى مثل السلفادور والمكسيك وبنما والبيرو تعاريفًا قانونية لتشمل مجموعة الظروف التي يطبق فيها القانون. وقامت كوستاريكا أيضًا بتعديل تشريعاتها في السنوات الأخيرة، ووسعت نطاق تعريفها الخاص بقتل النساء ليشمل المجال العام من خلال اعتماد مصطلح “قتل النساء الموسع”. وفيما يتعلق بقابلية تطبيق قوانين قتل النساء، فإن العناصر التي تناولتها معظم التعاريف القانونية هي النساء اللواتي يقتلن على يد الشركاء الحميميين الحاليين أو السابقين أو أحد أفراد الأسرة الآخرين.

أدخلت بعض البلدان عوامل مشددة لجرائم القتل المتعلقة بالجندر. صيغت هذه الأحكام، في بعض الحالات، بطريقة محايدة جندريًا، بينما تنطبق أحكام أخرى على النساء حصريًا. يمكن أن تشمل العوامل المشددة دوافع محددة (مثل التحيز، والكراهية، والتمييز المتعلق بجنس الشخص، كما هو الحال في بلجيكا وكندا وأسبانيا، أو دوافع الشرف والعرف، كما هو الحال في تركيا)، والظروف الواقعية (مثل الحمل، كما هو الحال في روسيا الاتحادية وتركيا، أو كونها زوج الضحية، كما هو الحال في بلجيكا وإسبانيا وتركيا). قامت بعض الدول، مثل تركيا وفلسطين، بإلغاء الظروف المخففة من قانون العقوبات الخاص بها، والتي كانت تستخدم للحد من العقوبات المفروضة على الزنا أو الظروف الأسرية الأخرى. كما أدخلت أحكام محددة لتجريم قتل الأطفال، مثل وأد البنات (على سبيل المثال، في أنغولا وكندا وغواتيمالا).

يمكن أن تكون عقوبة جريمتي العنف الجنسي والاغتصاب اللتين توديان بحياة المرأة مساوية لعقوبة القتل العادي أو أقسى منها. إذ يعاقب على هاتين الجريمتين في بعض البلدان، مثل كرواتيا، بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وفي بلجيكا بالسجن لمدة تتراوح بين 20 و 30 سنة، وفي فرنسا بالسجن لمدة 30 سنة. وفي روسيا الاتحادية، يعاقب على الاغتصاب وأعمال العنف ذات الطبيعة الجنسية التي تؤدي إلى وفاة الضحية بالسجن لمدة تتراوح بين 12 و 20 سنة، في حين يعاقب على جرائم القتل الخطيرة بالسجن لمدة تتراوح بين 8 و 20 سنة.

ومن الأمثلة على استجابات العدالة الجنائية التي تركز على عمليات التدخل لإنفاذ القوانين، البروتوكول النموذجي لدول أمريكا اللاتينية للتحقيق في جرائم قتل النساء المتعلقة بالجندر، والذي أعدته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2014؛ يرمي إلى المساعدة في معالجة ارتفاع معدلات الإفلات من العقاب على مثل هذه الجرائم في العديد من بلدان المنطقة، ونفذ البروتوكول في الأرجنتين والبرازيل.

إدانة قتل النساء

لا تتوفر بيانات لتقييم استجابة العدالة الجنائية ل “قتل النساء” على المستوى الإقليمي أو العالمي. إذ قلما تصنف البلدان الإحصاءات المتعلقة بالإدانات أو الملاحقات القضائية حسب نوع القتل، ومن الصعب تحديد ما إذا كان مستوى الإدانات استجابة كافية لحجم المشكلة. مع ذلك، تشير البيانات في السلفادور إلى أن التنفيذ التدريجي لقانون “قتل النساء” جاء بعد ارتفاع تدريجي للإدانات المتعلقة بنفس الجرم. وعلى الرغم من أن تأثير تلك الإدانات غير واضح، لكن يبدو أن القانون وفر استجابة العدالة الجنائية للتصدي لهذه المشكلة.

ما وراء العدالة الجنائيّةسياسات وممارسات تهدف إلى الحدّ من العنف ضدّ المرأة

لا تشكل جريمة “قتل النساء” فئة قانونية منفصلة في نظام العدالة الجنائية في أوروبا عمومًا. وركزت التطورات السياساتية على الاعتراف بالعنف ضد المرأة وجريمة قتل الشريك الحميم بوصفها قضايا خطيرة في مجال حقوق الإنسان والصحة العامة بحاجة إلى الاهتمام. قيمت الأبحاث درجة تأثير تطوير السياسات في حدوث جريمة قتل الشريك الحميم في 10 بلدان أوروبية (فنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والبرتغال وسلوفينيا وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة). وصُنفت البلدان استنادًا إلى الفترة التي وضعت فيها حكوماتها إجراءات بشأن العنف المنزلي وعنف  الشريك الحميم، كالتالي: “بلدان الطيور المبكرة”، وهي التي تعمل على تطوير العمل الحكومي منذ منتصف السبعينيات/ أوائل الثمانينيات (هولندا، والسويد والمملكة المتحدة)؛ و”البلدان المتوسطة” التي تعمل على تطوير العمل الحكومي منذ أواخر الثمانينات/ أوائل التسعينات (فنلندا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا)؛ و”البلدان المبتدئة”، التي تعمل على تطوير الإجراءات الحكومية منذ منتصف التسعينات (إيطاليا والبرتغال وسلوفينيا). لم يعثر على رابط مباشر بين انتشار حالات جرائم قتل الشريك الحميم بين جرائم قتل النساء عمومًا وتطوير السياسات المتعلقة بعنف الشريك الحميم. ومع ذلك، وضع رابط بين الأحكام المتعلقة بالسياسة وتوافر الإحصاءات الروتينية عن القتل العمد المرتكب بحق الشريك الحميم للذكور والإناث.

يمكن تقسيم الأمثلة عن الممارسات الوطنية الرامية إلى الحد من العنف ضد المرأة إلى ثلاثة مجالات: تنفيذ التغييرات القانونية؛ التدخلات المبكرة؛ والجهود متعددة الوكالات (إنشاء وحدات خاصة أو خبرات متخصصة داخل الشرطة، والنيابة العامة والمحاكم، وتدريب موظفي العدالة الجنائية المسؤولين عن التحقيق والملاحقة القضائية).

التغييرات القانونيّة

أدخلت أرمينيا مؤخرًا (2017)، من بين دول كثيرة، تعديلات قانونية على قانونها الجنائي، لتغطية حالات العنف ضد المرأة بالتحديد. يسعى قانون منع العنف وإعادة الوئام داخل الأسرة إلى وضع آليات قانونية لمنع العنف داخل الأسرة، وضمان سلامة ضحايا العنف داخلها وحمايتهم، وضمان حقوقهم ومصالحهم المشروعة. وضح القانون بالتفصيل أن العنف المنزلي يشمل أعمال العنف الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي والإهمال. إضافة إلى ذلك، تنص هذه التغييرات القانونية على اتخاذ تدابير لحماية ضحايا العنف المنزلي، بما فيها إنذار الجاني، واتخاذ القرار بشأن التدخل في حالات الطوارئ، وتدابير الحماية.

ووضعت روسيا، في عام 2017، استراتيجية العمل الوطنية لمصلحة المرأة بغية منع الأذى الاجتماعي بين النساء والعنف ضدهن. وتضمن ذلك معلومات ومواد إرشادية بشأن منع العنف ضد المرأة، للاستفادة منها في تدريب موظفي إنفاذ القانون، والاختصاصيين الصحيين والنفسيين الذين يقدمون المساعدة إلى النساء في حالات الأزمات.

يمكن إيجاد أمثلة أخرى على التغييرات القانونية في تركيا، حيث أصبحت اتفاقية منع ومكافحة العنف الممارس على المرأة والعنف المنزلي جزءًا من القانون المحلي التركي. ومن تاريخ تنفيذ الاتفاقية في عام 2012، أبلغت تركيا عن زيادة منتظمة سنويًا في عدد حوادث العنف المبلغ عنها. علاوة على ذلك، ارتبطت ثلاثة إجراءات بتنفيذ قانون العنف المنزلي؛ يشمل الأول تطبيق استعمال السوار الإلكتروني للأفراد المعروفين باللجوء إلى العنف، من أجل منعهم من الاقتراب من الضحايا. ويتعلق الثاني بتدريب الموظفين المشاركين في مكافحة العنف المنزلي والعنف ضد المرأة. وتضمنت المبادرة الثالثة، التي أُطلقت في عام 2018، إنشاء تطبيق للهواتف الذكية يتيح للنساء اللاتي يواجهن خطر العنف بمشاركة معلومات مواقعهن مع مراكز الطوارئ والشرطة.

طبقت طاجكستان، في عام 2013، قانونًا محددًا للعنف الأسري، يهدف  إلى منع العنف ضد النساء والقاصرين. وتماشيًا مع التغييرات القانونية، اضطلعت الحكومة ببعض الاجراءات مثل عقد الندوات والتدريبات. وانطوت بعض النشاطات الإضافية على نشر الوعي بالعنف المنزلي من خلال البرامج التلفزيونية والمنشورات في المجلات والكتيبات.

أدخلت المغرب في عام  2014، تغييرات قانونية على القانون الجنائي لتشمل قوانين تهدف إلى معالجة العنف ضد المرأة. ورافق تنفيذ التغييرات عدة مبادرات، منها تدريب ضباط الشرطة على كيفية الحصول على شهادات من النساء المتأثرات بالعنف، وإنشاء وحدات لمساعدة النساء من خلال الإرشاد النفسي، وتفويض أشخاص محددين لاستجواب النساء.

كما نفذت تغييرات قانونية في تشيلي، حيث يحدد القانون الجنائي التشيلي الآن جرائم القتل في سياق العنف المنزلي، ويشمل – بالإضافة إلى قتل الآباء والأطفال – قتل النساء بوصفه فئة قانونية منفصلة. لا تتيح هذه التغييرات القانونية تحسين عمل المسؤولين والمدعين العامين في التحقيق وحماية ضحايا هذه الجرائم فحسب، بل في تحسين تسجيل جرائم القتل بسبب الجنس. عُزز تسجيل هذه الجرائم من خلال تأسيس مرصد حول العنف المرتبط الجندر (في 2017)، يسعى إلى تحليل مظاهر العنف القائم على الجندر والتوعية به من خلال التسجيل الأفضل لجرائم “قتل النساء”.

التدخّلات المبكّرة

يشمل النوع الثاني من المارسات التي تتصدى للعنف ضد المرأة، التدخل المبكر. يمكن إيجاد مثال عليه في جزر البهاما، حيث سعت حملة العلاقات السليمة للمراهقين إلى تثقيف الشباب بشأن العلاقات المسيئة. استهدفت الحملة في البداية طلاب المدارس الثانوية، ولكنها توسعت لتشمل طلاب المدارس الابتدائية. هدفت الحملة إلى مساعدة الشباب في التعرف على حب التملك والغيرة والتحكم في السلوك في العلاقات الحميمة، وخلق الوعي بالجنس القسري، والإساءات اللفظية والعاطفية، والعنف الجسدي في علاقات المراهقين. علاوة على ذلك، أتيح للمراهقين إمكانية الوصول إلى المعلمين، والمرشدين، وإلى خط المساعدة الهاتفية في حالات الطوارئ. وبفضل هذا الجهد المتعدد الوكالات (بالشراكة مع وزارتي الخدمات الاجتماعية والتعليم والأندية الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني)، كانت الحملة جزءًا من برنامج أكبر يهدف إلى الحد من انتشار العنف المنزلي.

الجهود المشتركة بين الوكالات

جمهورية مولدوفا من الدول التي تعتمد نهجًا متعددة الاتجاهات للتصدي للعنف ضد المرأة. حيث بدأت، بعد إقرار قانون لمنع العنف المنزلي ومكافحته في عام 2007، بعدة مبادرات في هذا المجال. شملت إمكانية تنفيذ أفراد الشرطة لأوامر زجرية في حالات الطوارئ كإجراءات مؤقتة لحماية ضحايا العنف المنزلي، وإنشاء خدمة دعم هاتفي مجاني لتقديم المشورة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع للمتصلين، وزيادة الوعي العام بالعنف المنزلي. وقد تحقق هذا الأخير من خلال حملة بعنوان “منع العنف من خلال الفن”، وتدريب ضباط الشرطة المجتمعية والمدعين العامين الجنائيين والاختصاصيين الاجتماعيين وأطباء الأسرة. وشملت المبادرات الأخرى التي أطلقت في وقت واحد: توزيع دليل عملي لضباط الشرطة حول تدخلات الشرطة الفعالة في حالات العنف المنزلي؛ وسلسلة حفلات تلفت الانتباه إلى العنف المنزلي؛ وتنظيم اجتماعات عامة لإطلاع المواطنين على ظاهرة العنف الأسري، والأطر القانونية القائمة لمنعه؛ والاتصال مع السلطات والمشورة القانونية. استُكملت هذه المبادرات في عام 2017، بإنشاء شبكة تواصل اجتماعية عبر الانترنت بعنوان “ماذا تفعل إذا كنت ضحية للعنف المنزلي”، توضح بالتفصيل التعليمات والإجراءات الخاصة بضحايا العنف المنزلي.

في ليتوانيا مثال آخر على الجهود متعددة الأطراف والوكالات. بعد تنفيذ قانون  الحماية من العنف المنزلي في عام 2011، نفذت ثلاثة تدابير محددة تهدف إلى الحد من العنف المنزلي. تضمن الأول إنشاء مراكز مساعدة متخصصة لتقديم مساعدة متكاملة لضحايا العنف، تعمل على تقديم المشورة للضحايا اللواتي يواجهن العنف المنزلي تحديدًا، وعلى تقديم المساعدة من خلال الوساطة والتمثيل في المؤسسات الأخرى، وتقديم الدعم النفسي والقانوني، والمساعدة في إعادة بناء العلاقات الشخصية مع أفراد الأسرة. تساعد الشرطة على وصل الضحية مع المراكز بعد  التبليغ على أنها ضحية للعنف المنزلي. شمل التدبير الثاني البرنامج الوطني لمنع العنف المنزلي، الذي ينطوي على بناء الكفاءات للمتخصصين من خلال تنظيم التدريب، وتحسين نظام فرض العقوبات لإدانة المنتهكين، ودعم المنظمات التي تعمل مع المعتدين، وتخزين البيانات وتنظيمها، بما في ذلك إدارة مسح سكاني للعنف المنزلي. وتمثل التدبير الثالث في رفع الوعي العام بالعنف الأسري من خلال حملة “16 يومًا بلا عنف”، حيث تم تعريف المواطنين بمختلف مظاهر العنف الأسري وعواقبه وتبعاته القانونية، وأطلع الضحايا على كيفية الحصول على المساعدة عند مواجهة العنف المنزلي.

إنشاء وحدات خاصة أو تعيين خبرات في الشرطة والنيابة العامة والمحاكم

أنشأت بعض الدول وحدات خاصة داخل الشرطة للتعامل حصريًا مع الجرائم التي تتعلق بالعنف المنزلي (البوسنة والهرسك)؛ جريمة الكراهية (كندا)؛ العنف وحماية الضحية (إيطاليا)؛ العنف ضد النساء والأطفال (اليابان ودولة فلسطين). توفر بعض الدول أيضًا خبرات خاصة داخل النيابة العامة، هذا هو الحال في السويد فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالعنف في العلاقات الحميمة. أنشأ الأردن وحدات خاصة في قضائه للتعامل مع القضايا المتعلقة بالجرائم المتعلقة بالشرف.

تدريب موظّفي العدالة الجنائيّة المسؤولين عن التحقيق والملاحقة القضائيّة

في فنلندا، تلقّت الشرطة ووكلاء النيابة تدريبًا على التحقيق التقني أو التكتيكي بشأن جرائم القتل أو جرائم العنف الأخرى. وقامت الشرطة الأنغولية (القيادة العامة للشرطة الوطنية) بجهود توعوية بين وحدات الشرطة لزيادة القدرات والمهارات المطلوبة للتعامل مع حالات العنف المنزلي والجندري. وشارك القضاة والمدّعون العامون في تركيا، في القيام بزيارات دراسية وورش عمل تدريبية حول العنف المنزلي والعنف ضد المرأة.

الاستنتاجات والآثار المترتبة على السياسات العامة

تبيّن الأدلة المُقَدَّمة في هذه الدراسة، أنه على الرغم من أن الرجال هم الضحايا الرئيسيون للعنف المميت، غير أن المرأة تتحمل العبء الأكبر نتيجة القوالب الجندرية النمطية وعدم المساواة. حيث يقتل سنويًا حوالي 50 ألف امرأة في جميع أنحاء العالم، في البلدان الغنية والفقيرة، في المناطق  المتقدمة والنامية، من قبل شركائهن الحميميين الحاليين والسابقين، وآبائهن، وأشقائهن، وأمهاتهن، وأخواتهن، وأفراد الأسرة الآخرين بسبب دورهن ووضعهن بوصفهن نساء.

لم يحرز تقدّم ملموس في حماية حياة النساء وإنقاذهن من القتل المتعلّق بالشريك الحميم/ أو أحد أفراد الأسرة الآخرين في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من وضع العديد من البرامج والتشريعات للقضاء على العنف ضد المرأة، لا تزال الكثيرات يجدن أنفسهن وحدهن، ليس في مواجهة العنف في منازلهن فحسب، بل وأيضًا في مواجهة أنظمة العدالة الجنائية التي لا تستجيب بشكل كافٍ أو لا تملك القدرة والمعرفة للقيام بذلك.

غالبًا ما يكون قتل النساء من جانب شريكهن الحميم ذروة عنف طويل الأمد بالإمكان منعه. والمؤسسات المحلية والوطنية والدولية بحاجة إلى مضاعفة جهودها لمساعدة النساء اللاتي يقعن ضحايا لهذا العنف وحمايتهن. ومن شأن وضع استراتيجيات وطنية تكافح العنف القائم على نوع الجنس وتطبيقها، وتطوير التشريعات الرامية إلى التصدي للعنف المنزلي والتحرش الجنسي والاغتصاب الزوجي المساعدة في بناء نظام حماية، وضمان عدم الإفلات من العقاب على مثل هذه الجرائم.

تحتاج المرأة إلى الوصول إلى مجموعة شاملة من الخدمات التي تقدمها الشرطة ونظام العدالة، وإلى الخدمات الصحية والاجتماعية. كما تحتاج إلى الوصول إلى تدابير محددة تمكنها من ترك العلاقة العنيفة. ويجب أن تأخذ هذه التدابير في الحسبان حقيقة أن النساء غالبًا ما يعتمدن اقتصاديًا على شريكهن الحميم، وبالتالي يتعرضن لخطر الحرمان من مصدر دعمهن الاقتصادي الوحيد إذا انقلب الشريك ضدهن أو أُدين أو سُجن. وقد اتضح أن خدمات الدعم المخصصة للنساء، والتي تشمل تأمين المأوى ونظام الحماية والمشورة والمساعدة القانونية، فعالة في مساعدة النساء على ترك العلاقات المسيئة.

يتمثل جانب آخر مهم جدًا لمعالجة المشكلة في إشراك الرجال في مكافحة القتل المتعلق بعنف  الشريك الحميم/الأسرة، وتطوير معايير ثقافية تبتعد عن مفهوم الرجولة العنيفة والقوالب الجندرية النمطية. وبما أن الرجال يمثلون نصف سكان العالم، فالتدخلات الفعالة بحاجة إلى إشراكهم للتصدي للأعراف الاجتماعية التمييزية الكامنة وراء إضفاء الشرعية على سلطة الذكور وسيطرتهم واستخدامهم للعنف. وعلى النحو الذي أوصت به هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تشمل الممارسات الجيدة للعمل مع الرجال والفتيان لإنهاء العنف ضد المرأة ما يلي: تعزيز نهج يقوم على حقوق الإنسان ويراعي المنظور الجندري؛ وتبني برامج حول الإطار المفاهيمي للذكور والذكورة والعلاقات الجندرية؛ وبذل جهود واضحة ضمن البرامج لمناقشة الجندر والذكورة، ولتغيير المعايير الجندرية؛ وفهم تنوع تجارب الرجال والفتيان، ووضع المبادرات بشكل مناسب؛ وإشراك الرجال بوصفهم جزء من الحل؛ والتشكيك في الأدوار الجندرية الحالية دون فرض سلوك معين؛ وتشجيع التغيير الذي يتجاوز المستوى الفردي إلى مستوى المجتمع والمجتمع المحلي؛ وتحميل الرجال مسؤولية أفعالهم. كما يمثل التعليم المبكر للبنين والبنات الذي يعزز المساواة بين الجنسين ويساعد على الحد من الآثار السلبية للأدوار الجندرية النمطية سياسة وقائية فعالة.

من المهم أن تتضمن البرامج والاستراتيجيات الرامية إلى مكافحة العنف ضد المرأة أحكامًا تتعلق بأشكال العنف المتطرف مثل “قتل النساء المتعلق بالجندر”. كما ينبغي أن تشمل تقارير اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عمليات القتل المتعمدة في سياق العنف ضد المرأة. يزداد خطر تأثر النساء بالعنف الشديد القائم على الجندر في حالات النزاع وما بعده نتيجة البيئة العنيفة عمومًا، لذلك يجب أن تتضمن خطط العمل الوطنية الخاصة بقرار مجلس الأمن رقم 1325 حول برنامج أعمال المرأة والسلام والأمن أحكامًا محددة حول عمليات القتل المرتبطة بالجندر في الأقسام التي تغطي الوقاية والحماية من العنف.

لا تزال المعطيات القياسية المتعلقة بعمليات قتل النساء والفتيات القائم على الجندر منقوصة وغير كافية لرصد الاتجاهات وفهم حجم المشكلة. يساعد تنفيذ التصنيف الدولي للجريمة للأغراض الإحصائية البلدان على تطوير طريقة نموذجية ومستدامة لتسجيل البعد الجندري لجميع الجرائم وتسهيل قياس العنف ضد النساء والفتيات. يحدد التصنيف الدولي للجريمة للأغراض الإحصائية إطارًا معياريًا لتسجيل السمات الجندرية للضحايا والجناة فيما يتعلق بجميع الجرائم، بما فيها جريمة القتل. وبالتالي، يمكن أن يضيف قيمة  للبيانات المجمعة، مما يسمح بإجراء تحليل أكثر شمولًا وتفصيلًا، بالإضافة إلى نظام مماثل لجمع البيانات عبر البلدان لجرائم قتل النساء والفتيات المتعلقة بالجندر.

يرتكز المنع الناجع للجريمة واستجابة العدالة الجنائية للعنف ضد المرأة على حقوق الإنسان، وإدارة المخاطر وتعزيز أمن الضحايا وتمكينهن مع ضمان مساءلة الجاني. لا يشمل ذلك القوانين والسياسات الشاملة التي تلغي الأحكام التمييزية وتحظر جميع أشكال العنف ضد المرأة وتجرمها فحسب، بل أيضًا آليات التنسيق بين وكالات العدالة الجنائية والقطاعات الاجتماعية والصحية والقطاعات الأخرى. بالإضافة إلى الخبرة التخصصية والكفاءات اللازمة للشرطة والمدعين العامين والقضاة وغيرهم من موظفي العدالة، لزيادة احتمال النجاح في القبض على الجاني وملاحقته وإدانته، والمساهمة في رفاه النساء وسلامتهن ومنع الإيذاء الثانوي. من المرجح أن تزيد النُهج المراعية لمنظور الجندر التي تدعم النساء، بدلًا من اعتبارهن مجرد أشياء بحاجة إلى الحماية ومصادر للأدلة، من احتمال بناء الثقة والمصداقية في مؤسسات العدالة الجنائية، وأن تزيد عدد النساء اللواتي يبلغن عن العنف، وعدد الجناة المقدمين إلى العدالة.

مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة

مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015