نور عويتي/ العربي الجديد- عبر تاريخها، طرحت الدراما السورية العديد من القضايا الهامة، مثل قضايا التمييز على أسس جندرية والعنف ضدّ المرأة. إلا أن النسبة الكبرى من المسلسلات السورية عملت على تكريس القيم المتخلّفة في المجتمع؛ فهناك عددٌ كبير من الأعمال التي تبرّر وصاية الرجل على المرأة، وتبرّر العنف ضدّها بقوالب درامية جذّابة، لتساهم في توجيه وتربية أجيالٍ كاملة على قيمٍ تمييزية ضدّ المرأة.
في عام 1992، أنتجت سورية أول عملٍ درامي مخصّص للأطفال، “كان يا مكان”. أثار العمل الضجّة حينها لما استخدم فيه من تقنياتٍ لإبهار الأطفال، ولما احتواه من خيالٍ في تصويره الحكايات، إلا أنّ العمل الذي يحمل طابعاً تربوياً، تضمّن مشاكل كارثية في تقسيم الأدوار الاجتماعية على أسسٍ جندرية.
تبدأ جميع حلقات المسلسل بمشاهد لعائلةٍ سورية، يجتمع أحفادها عند جدّهم ليسرد لهم الحكايات الخيالية، التي غالباً ما يقوم فيها البطل (الذكر) بخوض المغامرات والمعارك لإنقاذ البطلة، ليستخلص أفراد العائلة العبر والحكم من هذه الحكايات. في مشاهد العائلة، التي من المفترض أنها تصوّر عائلة مثالية، يتمّ تصوير الحفيد الصغير يلعب مع أصدقائه في الطريق، أما الفتاة الصغيرة فيتم تصويرها وهي تساعد والدتها في الأعمال المنزلية. وفي إحدى الحلقات، تسأل الفتاة أمها عن سبب عدم مشاركة أخيها في الأعمال المنزلية، لتردّ بعبارةٍ تستخلص المحتوى التوجيهي، وتقول: “البنت يجب أن تساعد أمها لأنّ العمل في البيت من واجبات المرأة، أما الولد فعندما يكبر سيذهب إلى العمل مثل أبيه”.
كذلك، قدمت الدراما السورية حججاً وتبريراتٍ جاهزة للعنف الذي يمارسه الرجل ضدّ المرأة. فأحياناً تبرّر الدراما عنف الرجل بدافع الحب الجنوني والتمسّك بشريكته أوالغيرة عليها. ففي إحدى حلقات الجزء الأول من مسلسل “أهل الغرام”، تتعرّض نورا رحال، التي تجسّد دور فنانةٍ تبدأ مسيرتها الفنية بمساعدة زوجها (بسام كوسا)، للضرب منه بسبب تذمّره من إهمالها له بعد أن اشتهرت. فتبرّر نورا ضرب زوجها لها أمام منتقدي فعلته بأنه مجروح ومقهور، وتشيد بحبه لها، ويتلو مشهد الضرب، مشهدٌ آخر تطلب فيه السماح والمغفرة من زوجها لإهمالها له، وعلى وجهها علامات التعنيف!
في بعض الأحيان، يكون مبرر العنف هو الخوف الأبوي على الفتيات. ففي مسلسل “كسر الخواطر”، تتعرّض مسرّة (سوسن أرشيد) للضرب بشكلٍ مستمر من قِبَل أبيها. وفي إحدى المرات تزيد الجرعة فيضربها ويقيّدها لأيامٍ إثر خروجها من المنزل من دون علمه، وعندها تتدخّل الشرطة. لكن “مسرّة” تتنازل عن حقّها في رفع دعوى ضده رغم أنها كانت على وشك الموت، مبررةً ذلك بأنّه والدها، وما قام به هو حقٌّ طبيعي له، ويبرّره خوفه على سمعتها!
وفي بعض الأحيان، يتمّ تبرير العنف ضدّ المرأة أيضاً إلى الأقارب، باستخدام تبرير الدفاع عن الشرف، ابتداءً من الإخوة ووصولاً إلى الأعمام وأبنائهم. ففي مسلسل “أشواك ناعمة”، تتعرّض غادة (لونا الحسن) للتعنيف من قبل خالها وعمها، ويرغمانها في النهاية على الزواج من قريبها المختل عقلياً، بسبب قيامها ببعض الممارسات التي يعتبرونها تمسّ بشرفهم!
وفي بعض الأحيان، يتم تبرير العنف ضدّ الشخصيات النسائية، من خلال إعطاء النساء المُعَنّفات صورة الشرّ المطلق، فترسم الخطوط الدرامية لتلك الشخصيات من دون إعطاء أي مبررٍ للتعاطف معها. ففي مسلسل “بنات العيلة” يتم تعنيف ميرفت (نظلي الرواس) بشكلٍ يومي من قبل زوجها (فادي صبيح)، إلا أنها في المقابل تقوم بالعديد من الأفعال الشريرة، ولا تتعاطف معها أي شخصيةٍ من شخصيات العمل، وإنما يتم التأكيد من قبل باقي الشخصيات أنها تستحق ما تتعرّض له من تعنيف!
والحال هو ذاته مع الشخصيات النسائية التي تسلك سلوكاً غير مقبول اجتماعياً، كالعمل في الملاهي الليلية أو خيانة الزوج، أو متعدّدة العلاقات العاطفية، فهنا يكون المبرّر هو الدفاع عن الشرف والكرامة، ويُعطَى الرجل كامل الحقّ لممارسة العنف. ففي مسلسل “بكرا أحلى” يتزوّج محيي الدين (وائل رمضان) من ليلاس (رندا مرعشلي)، التي لديها عددٌ كبير من الأصدقاء الذكور، وعندما لا ترضخ لرغبة زوجها في الابتعاد عنهم يقوم باقتلاع عينها، ولا تتعاطف معها شخصيات العمل، باعتبار ما قام به الزوج ردّ فعلٍ طبيعي.
وتبرّر بعض المسلسلات العنف ضدّ المرأة بطبيعة المرأة المازوخية وحبّها للعنف. ففي إحدى حلقات مسلسل “بقعة ضوء” والتي تحمل عنوان “مأساة امرأة”، تجسّد ديمة قندلفت دور امرأةٍ تُعَنَّف بشكلٍ يومي من قبل زوجها، الذي يقوم بتجسيده فارس الحلو، وتصف لجارتها مدى عشقها لتعنيف زوجها والشعور، وتعزيز الضرب لشعورها بأنوثتها، وعن سعادتها عندما يندم زوجها على تعنيفها ويقوم بمصالحتها، وينتابها الاستغراب والتعجّب لعدم تعنيف جارتها من زوجها، وكأنّ تعنيف المرأة هو شيءٌ سائدٌ في المجتمع، وتدفعها بالنهاية إلى استفزاز زوجها وخوض تجربة التعنيف لمعرفة مدى حبّه لها!
وحتى المسلسلات التي تبدو وكأنها تنتقد واقع ظاهرة العنف ضدّ المرأة، فإنها تحمّل النساء مسؤولية ما يتعرّضن له من عنف. ففي إحدى حلقات مسلسل “الفصول الأربعة” والتي تحمل عنوان “للنساء فقط”، تجسّد أمية ملص دور فتاةٍ تقوم برفع قضية على زوجها الذي قام بتعنيفها عند بطل العمل، المحامي عادل (جمال سليمان)، وخلال قيامها بالفحوص الطبية اللازمة لتقديمها للطبّ الشرعي، تكتشف من خلال تلك الفحوص أن لديها بدايات ورم خبيث، فتقوم بمسامحة زوجها باعتبار أن ضربه لها أنقذها من الورم، على مبدأ “ربّ ضارةٍ نافعة”، فتعامله بوصفه البطل المُنقِذ، بل إنها تُخبر زوجها بأنّ سبب المرض الذي أصابها هو قرارها بالادّعاء عليه، ويعاتبها على ادّعائها بقوله: “أي كل مرة كانت تنضرب وعادي؟!” ولتردّ عليه بقولها: “ضرب الحبيب زبيب”.