حسن عارفه/ المجلس الأطلنطي- في ظل سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب وريفها، والصراع بينها وبين جبهة تحرير سوريا، يصعب عمل المرأة بأي مهنة. القوانين مفصّلةٌ لتمنع المرأة من الخروج من بيتها للقيام بأيّ عمل، لأن المرأة طبقاً لرؤية هذه المجموعات التي تسيطر على المدينة مكانها المنزل فقط، وغير ذلك حرام، فكيف إن أرادت امرأةٌ من نساء المنطقة العمل في المجال الإعلامي؟
بعد انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد في عام 2011، وخروج مناطق كثيرة عن سيطرته، أصبحت مهنة الإعلام شائعة ومتاحة، لكن معظم المعروفين والناشطين الذين امتهنوا الصحافة كانوا ذكوراً. وفي الوقت نفسه، لعبت الكثير من الشابات والنساء، اللاتي عملن في مناطق المعارضة وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة متطرّفة، دوراً كبيراً في العمل الإعلامي.
ديما، مواطنة سورية كانت تعمل معلّمةً في إحدى مدارس ريف إدلب قبل عام 2011، وبسبب الثورة وما تبعها من تطورات دخلت خط الإعلام، تقول ديما “دخلت الإعلام لأنني أحبّ هذه المهنة، وأحبّ كوني ممن ينقلون الحقائق والوقائع في وقتنا الراهن والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد”.
رغم خطورة عملها، لم تتراجع ديما عن الاستمرار في التدريب والعمل في ريف إدلب والمناطق التي تستطيع الوصول إليها. استطاعت ديما النشر في العديد من المواقع والمجلات الالكترونية السورية والعربية. وتفنّد ديما أهم المخاطر التي تواجهها أثناء القيام بعملها الصحفي قائلةً “هنالك مخاطر متعددة، أهمها أن تكشف تجاوزات بعض المعنيين والمسيطرين عسكرياً في منطقتك، حيث تصبح المطلوب رقم واحد لهم، وهذا ما يجعلني حذرةً بجمع المعلومات وأخذ التصاريح، وأضطر للنشر بأسماءٍ مستعارة، مع أنني أحبّ أن تظهر تقاريري وموادي بإسمي الحقيقي”.
لكن المخاطر ليست هنا فقط، فمجرد كونها أنثى وتعمل فهذا خطر في حدّ ذاته. خلال عملها، تؤكّد ديما أنها دائماً تلاحظ علامات الاستغراب تجاه كل من تقوم بإجراء مقابلةٍ معه، بسبب كونها صحفية. حول ذلك تقول ديما “هنالك استغرابٌ من المجتمع بشكل عام حين يرون أنني أسجّل صوتاً لأحدهم في مكانٍ عام، ما يشعرني بالحرج، فاستعين أحياناً ببعض معارفي للحصول على معلوماتٍ من الأشخاص المعنيين، أو أنني أحصل على أرقامهم فأكلّمهم عن طريق الانترنت”.
في العام الماضي، أصدرت رابطة الصحفيين السوريين، تقريراً خاصاً بعنوان “الإعلاميات في سوريا… الواقع والتحديات“، تحدّث عن واقع الإعلاميات في سوريا وطبيعة الانتهاكات التي يتعرّضن لها، إضافةً إلى الصعوبات التي يواجهنها. ووفقاً للمركز السوري للحريات الصحفية في الرابطة، وهو الجهة التي أعدّت التقرير، فقد “تمّ توثيق وقوع 22 انتهاكاً بحق الإعلاميات في سوريا منذ انطلاق الثورة السورية، كان من بينها مقتل 4 إعلاميات، و12 حالة اعتقال وخطف، و6 انتهاكات أخرى من جرح واعتداء بالضرب والتهديد والتعنيف، وضغوط للمنع من العمل في المجال الإعلامي”.
تطرّق التقرير أيضاً لواقع عمل المرأة في الإعلام في سوريا قبل مارس/آذار 2011، مشيراً إلى أنه “لم يبتعد عن القاعدة المتبعة في عموم مجالات الحياة الأخرى، فقد كان كغيره من مفاصل الحياة المجتمعية وسيلةً من وسائل تكريس الاستبداد وسلاحاً هاماً لتطويع الشعب. وكانت المرأة وقتها تتعرض للاستغلال من أرباب العمل، ولا يُنظر إليها كصحفية كما يُنظر إلى الرجل، وكانت بحاجة لواسطة أو علاقات في كثير من الأحيان للوصول إلى العمل الصحفي، وللحماية من الآخرين.”
توضح سارة الحوراني، صحفية تعمل في مناطق درعا ودخلت في مجال الإعلام بعد الثورة، أن هذه الخطوة – انتقالها للعمل الصحفي – هي “نصرةٌ للمظلوم، ولتوثيق جرائم وانتهاكات قوات الأسد، كون الإعلام سلاحاً مهماً في نقل معاناة الأهالي، خاصةً الفئات التي لا صوت لها ولا قوة”.
خاضت سارة الكثير من التجارب خلال عملها، وواجهت مخاطر عديدة، تؤكّد أن أهمها كان الخوف من الاعتقال من قبل قوات النظام السوري، والقصف أثناء تغطيات العمليات العسكرية في درعا. ولكونها امرأة تعمل في الصحافة، فإن أحد المخاطر التي تواجهها هي التنقل من منطقةٍ لأخرى، والخوف من حواجز الجهات المتطرفة.
تؤكد سارة، أن بعد هذه السنوات رسالتها هي “إظهار الحقيقة، وأننا خرجنا للشارع ضد نظامٍ قاتل ارتكب أفظع الجرائم بحق الشعب، ونحن جزءٌ من هذا الشعب ومن أبناء الثورة. أنصح الإعلاميات بالداخل أن يكنّ بحجم الحمل الكبير والتحدّي الأكبر، وايجاد طريقةٍ للتأقلم مع الظروف المتغيّرة”.
رغم تعقيدات الأوضاع الميدانية حالياً في المدن السورية، توجد الكثير من النساء كديما وسارة، يواجهن الظروف الصعبة ويعملن في الإعلام، المهنة الأخطر عليهن. في حين يكتفي بعضهن بالعمل كناشطاتٍ لإيصال أصواتهن، مثل ناشطات وإعلاميات غوطة دمشق الشرقية المحاصرة. كـ “ورد مارديني”، التي عملت مراسلةً لوسائل إعلام سورية بعد الثورة أحد هذه الامثلة.
تعيش مارديني تفاصيل الحصار، وتنقل ما تشاهده وتعيشه هناك عبر صفحتها على الفيسبوك. حيث قامت بالتعبير عن حالة المحاصرين في الغوطة الشرقية التي تعرضت لقصفٍ عنيف منذ أسابيع، وأيضاً منتقدةً بصوتٍ عالٍ أطراف المعارضة والفصائل التي لم تستطع حماية المحاصرين هناك.
وإذ تعبّر ورد عن قوة المرأة في هذه الظروف، حيث تواجه الموت والحصار وتقوم بمهمة نقل الأخبار وإيصال الصوت، لخّصت وزميلاتها الإعلاميات، الكثير من الأوضاع في سوريا. وخاصةً وأنهن يخضن أكثر من ثورة، ثورةٌ ضد نظام جائر، وأخرى ضد مجتمعٍ، وثالثة ضد تقاليد تفرض صعوباتٍ على حقّها باختيار مهنتها.