زهراء المنصور تستعرض كتاب «شهرزاد ترحل إلى الغرب» للمرنيسي
كتاب «شهرزاد ترحل إلى الغرب» للمرنيسي

موقع (الأيام)- «حتى اليوم وفي هذا السن، أستشعر الرعب حين تراودني فكرة مغادرة المغرب واجتياز الحدود، لأنني أخشى تضييع الهدف الأسمى من السفر، أي فهم الأجانب الذين سأصادفهم في طريقي»، هكذا تشرع عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي حديثها في كتابها «شهرزاد ترحل إلى الغرب»، موضوع جلسة «منتدى البحرين للكتاب» التي أقيمت مساء الاثنين (3 سبتمبر)، بـ«مركز عيسى الثقافي»، قدمتها، قراءة ونقدًا، الكاتبة زهراء المنصور.

في مستهل حديثها، بيّنت المنصور أن منطلق كتاب المرنيسي جاء إثر سفر الأخيرة إلى عدد من المدن الغربية بقصد التقديم لكتابها الصادر آنذاك «نساء على أجنحة الحلم» الذي ترجم إلى ثمانٍ وعشرين لغة، بيد كتابها -موضوع الجلسة- كشف عن منشأ الحس النسوي الذي تتمتعُ به المرنيسي، المستمد من جدتها التي قالت لها ذات يوم: «عليك أن تركزي انتباهك على الأجنبي العابر وتحاولي فهمه. كلما فهمت أجنبيًا عرفت ذاتك أكثر، وكلما عرفت ذاتك بشكل أفضل تقوت قدرتك على تحصينها، وازدادت حظوظك في الدفاع عن نفسك وإقناع الآخرين بقدراتك واكتساب حبهم»، على الرغم من أن هذه الجدة لا تعرف القراءة والكتابة، وأمضت حياتها في «حريم».
ومن هذا المنطلق، تلفتُ المنصور إلى أن كتاب المرنيسي «يطرح سيرة المرأة الشرقية» من وجهة نظرٍ مختلفة عما يعتقدهُ الرجل الغربي عنها، إذ تؤكد المنصور أن (الحريم) الذي يرادف كلمة (السجن)، فيه نساء كن يتمتعن بالسلطة والسيطرة، مبينة «أن صورة المرأة الشرقية في ذهنية الرجل الغربي، هي الصورة النمطية التي عكسها الاستشراق في أعماله الغنية، وتناوله المسرحي لشهرزاد ولقصص (ألف ليلة وليلة)»، إذ كانت تعكسُ في مجملها صور نساء عاريات، أو نساء معروضات للبيع جواري لأهداف متعية.

وفي سبيل إظهار صورة مخالفة لهذه الصورة الأحادية أو النمطية، تقول المنصور إن المرنيسي، خصصت فصلين، الأول للأميرة (شيرين) التي «تعد من أكثر البطلات اللائي صورهن الفنانون الشرقيون على اختلاف جنسياتهم»، وكانت شأنها شأن (شهرزاد) تحمل اسمًا فارسيًا، وقد غادرت «الحريم الذي ولدت فيه للبحث عن الأمير (خسرويه)» إلى أن وجدتهُ، وتتجلى بطولتها في محاكات الأفعال البطولية التي قام بها (خسرويه).

أما الأميرة الثانية التي خصص لها فصلاً من الكتاب، فهي الأميرة (نورجاهان) التي «أدركت أن الاستيلاء على السلطة يمر عبر سحر الكلمات، ولذلك فإن أول عمل قامت به بعد أن أصبحت امبراطورة هي تغيير اسمها. كانت قبل زواجها من الامبراطور المغولي جاهانجير سنة 1611 تدعى نور المحل (أي نور القمر)، أما فيما بعد فقد أصبحت نورجاهان (أي نور العالم)»، واشتهرت هذه الأميرة بقنصها للنمور، ضاربة مثلاً في القوة والشجاعة.
هذان النموذجان -كما تقول المنصور- مكنا فخر المرنيسي من التدليل على أن الصورة لدى الغرب عن المرأة الشرقية صورة نمطية خاطئة، مبينة أن المرنيسي لجأت إلى استحضار صورة المرأة الغربية لدى الرجل الغربي، وكيف كانت صورة تجردها من كل حقوقها الإنسانية الطبيعية، كتوصيفها بعدم الذكاء، أو تلك التي ترى أن مكانة المرأة تختلف عن مكانة الرجل.
لهذا فإن المرنيسي، كما تؤكد المنصور، تذهب إلى تحليل وجهات النظر تلك، مستدلة على قصة وقعت لها (للمرنيسي) في إحدى متاجر بيع الملابس، إذ أخبرتها البائعة أن المحل يفتقرُ إلى مقاس يناسب حجمها، فتفاجأت المرنيسي من هذا المعيار الذي يرى أن مقاسها خارج عن إطار المعتاد، لتذهب في تحليل كيف يستغل الرجل الغربي المرأة، إذ تقول المرنيسي: «إن الأسلحة التي يستعملها الرجال الغربيون لخداع النساء لا مرئية بشكل كامل، إذ إنهم يتحكمون في الزمن. تشكل الصورة وقتًا مكثفًا، وهم يجبرون أي امرأة على التلائم مع الصورة المثالثة أو ارتداء (مقاس 36) بالإكراه، كما تفعل الشرطة الإيرانية حين تطارد النساء اللائي يتساهلن في شد (التشادور)».

وتلفتُ المنصور إلى أن كتاب «شهرزاد ترحل إلى الغرب» يضم بين جنباته أربعة ملامح، الملمحُ الأول «هو قراءة سريعة لأفكار المرنسيس منذُ تخرجها، مبينًا اعتناءها بقضايا النسوية، رغم إنكارها لهذا الزعم، إذ كانت حريصة على الوصول إلى كل الناس، وهذا ما تفصحُ عنها عناوين مؤلفاتها المختلفة»، وتضيف المنصور في التعليق على عدم إعلان المرنيسي عن نسويتها «لأن قناعتها أن الإعلان عن موضوع النسوية قد يثير الجانب الذكوري، ليكون في موضع دفاع»، وهذا ما جعل المرنيسي ترفض توصيفها بالكاتبة النسوية.
أما الململح الثاني الذي تبينهُ المنصور، فهو التشابهُ بين (شهرزاد) والمرنيسي، إذ «هناك جينات ممتدة بين الاثنتين، خاصة أن المرنيسي عنونت العديد من كتبها باسم (شهرزاد)، وهذا يدل على التقارب بينهما، فـ(شهرزاد) استطاعت تغيير فكرة (شهريار) عن المرأة، ما جعلهُ يعدل عن قتلها، وكذلك فعلت المرنيسي على المستوى السوسيولوجي، إذ إنها لم تسر على الطرق المعتادة، ما أفضى إلى نتائج مختلفة».
وتشيرُ المنصور إلى أن الملمح الثالث للكتاب هو تبيان ذلك التناقض الجوهري في العديد من الأمور، سواء أكانت على صعيد نظرة الرجل الغربي للمرأة الشرقية، متجاهلاً ما يجري للمرأة الغربية، أو تبيان التناقض المجتمعي المفروض على المرأة الذي يقلل من قيمتها، لتكون هي -في بعض الأحيان- المربية التي تفرض هذا النظام، فاصلة بين الذكورة والأنوثة، ما يخلق مجتمعًا مختلاً منذُ التنشئة الأولى.

وفي الملمح الرابع، ترى المنصور أن المرنيسي انطلقت من رسالة، ولم تكن تؤمن بالشعارات، «لم تؤيد المرنيسي استخدام الشعارات، وتأطير القضايا، ما يسبب فشلها»، مشيرة إلى رفع شعار النسوية الإسلامية الذي انطلق حركة للمساواة بين الرجل والمرأة، وأخذ صداهُ على مستوى العديد من الدول الإسلامية حول العالم، بيد أن هذا التأطير أفضى إلى فشل هذه الحركة.
وتختمُ المنصور في تسجيل بعض ملاحظاتها على قضايا المرأة، مبينة أن «هناك العديد من الأسباب التي تخلق التباسًا في قضايا النسوية، سواء لدى الرجال أو لدى المرأة نفسها تجاه قضاياها، ومن أبرز هذه العوامل الإعلام والدراما والسينما، سواء بخلق صورة نسوية متطرفة، أو ذكورية متطرفة على الجانب الآخر»، وتضيف «المجتمع المؤمن بأن الذكور قادرون على الاختيار، فيما تعجزُ المرأة عن ذلك يستدعي بعض المقولات التراثية التي تعززُ اعتقادهُ بذلك»، مؤكدة أن النسوية «فطرة إنسانية يجب أن يقف الجميع لدعمها؛ ذكورًا وإناثًا».
وفي مورد ردها على المداخلات، لفتت المنصور إلى أن «المجتمع تشكل على أن يكون ذكوريًا في العديد من مفاصل الحياة، وهذا ما أفضى إلى تفضيل الذكورة ونبذ المرأة، أو الاعتقاد بأنها تجلب العار».
وردًا على سؤال حول سبب تركيز الغرب على «شهرزاد»، قالت: «تمثلُ شخصية شهرزاد مدخلاً إلى عالم مجهول، هو عالم الشرق الخفي، خاصة أن حكايات (ألف ليلة وليلة) مليئة بالحكايا الجنسية والقصص التي تسردُ هذا العالم المستور، وهذا ما جعل الغربي يصاب بالفضول في استكشافها؛ للتعرف على الشرق من خلالها».

كتاب «شهرزاد ترحل إلى الغرب» للمرنيسي

كتاب «شهرزاد ترحل إلى الغرب» للمرنيسي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015