موقع (irfaasawtak) الإلكتروني- تُطرح قضية تزويج القاصرات “زواج القاصرات” في أوساط اللاجئين واللاجئات السوريين والسوريات منذ بداية موجة النزوح واللجوء التي رافقت الصراع في سوريا، وتبدو تداعياتها القانونية غير واضحة، خاصةً لدى أولئك الذين فرّوا من الحرب وهم متزوّجين من قاصِرات. وبالرغم من غياب الدراسات والإحصاءات الحقيقية عن الأعداد المسجّلة بشأن تزويج/زواج القاصرات، إلا أنّ الأرقام والتفاصيل التي ظهرت في التقارير الاعلامية والأممية خلال السنوات الأخيرة، تعتبر مؤشراً خطيراً على تفاقم هذه الظاهرة.
كما تؤكّد تقارير أخرى انتشار ظواهر سلبية أخرى مرتبطة بها نسبياً، مثل أعداد حالات الإنجاب المبكر؛ فقد سجّلت السوريّات فيها نسبة 45% من مجمل النساء التي وَلدن مبكراً في تركيا تحت سنّ التاسعة عشرة، وفق تقرير صحيفة “مليت” التركية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي.
ولم تتوقف ظاهرة زواج القاصرات في سوريا، لأسباب عديدة، أهمها الفقر المتفاقم، والعادات في بعض المناطق، عدا عن الخلل في قانون ضبط هذه الظاهرة رغم وجود نصوص قانونية تمنع ذلك. وفاقمت حركة اللجوء إلى الخارج هذه الإشكالية، حيث واجه كثيرٌ من الأفراد قضايا قانونية واستدعاء أمني للتحقيق عن حقيقة زواج الشخص بقاصر.
تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تركيا، إن القانون التركي ينطبق على جميع إجراءات الزواج لطالبي اللجوء واللاجئين وعديمي الجنسية التي تجري في تركيا.
في تركيا
بموجب القانون التركي، يمكن للسلطات التركية أن تزوّج مواطناً تركياً وطالبي اللجوء أو لاجئين أو عديمي الجنسية أو اثنين من طالبي اللجوء أو لاجئين من جنسيات مختلفة. وتخضع جميع الزيجات التي تقوم بها السلطات التركية للقانون المدني التركي والأنظمة ذات الصلة. كما تبدو القوانين في الدول الأوروبية صارمة في مسألة زواج القاصرات.
ولمعرفة الأبعاد القانونية ومزيد من الحقائق المتعلقة بتداعيات زواج القاصرات، تواصل موقع “ارفع صوتك” مع المحامي عمار عز الدين، وهو مدير مكتب “رابطة المحامين السوريين الأحرار” في ولاية هاتاي التركية.
يشرح عز الدين: “تنصّ المادة رقم (124) من القانون المدني- قسم قانون العائلة التركي، وبدلالة المادة (103- 104)، من قانون العقوبات التركي- قسم الجرائم ضد الحصانة الجنسية، على أنّ زواج أي فتاة لم تتجاوز 15 عاماً جريمة في كلّ الأحوال ويعّد ذلك (استثماراً جنسياً، حيث تُصنّف جميع حالات الحمل دون سن 15 عاماً على أنها اعتداء على الأطفال، كونها تشجّع على الاستغلال الجنسي للأطفال.)”.
وتشمل العقوبة والد الأنثى والزوج وكاتب العقد، وتصل العقوبة في مثل هذه الحالة وفق القانون بالسجن من 10 سنوات حتى 15 سنة، في حين ينصّ القانون أنه بعد سن 16 عاماً، يتوجّب الحصول على موافقة ولي الأمر والمحكمة، أما في سنّ 17 سنة فيجب موافقة ولي الأمر فقط، وفي سن 18 سنة تكفي موافقة الفتاة فقط لإتمام عملية الزواج، بحسب المحامي.
ويضيف عز الدين: “وفي حال كان الزواج في سوريا و أتى الشخص إلى تركيا وما زالت زوجته دون السنّ القانوني للزواج، فمن الممكن ملاحقته قضائياً و خاصةً في الحالات التي تكون فيها الزوجة حاملاً وتضطر لدخول المستشفيات التركية للمراجعة الطبية أو إتمام عملية الوالدة، هنا يقوم كادر المشفى بالتبليغ عن الحالة لقسم الشرطة، التي تستدعي الزوج و الزوجة للقسم والتحقيق معهما وإحالتهما للقضاء المختص”.
وعن الحالات التي لا يمكن للقانون التركي تجاوزها في مسألة زواج القاصرات، يبيّن عز الدين: “أن تكون الزوجة دون سنّ 15، حيث يشدّد القانون الإجراءات بحقّ مرتكبي هذه الجريمة. وفي حال وافقت الزوجة على إتمام الزواج بالإكراه من قبل والدها أو وليها، ففي هذه الحالة يكون الزواج بقاصر بمثابة اعتداء جنسي على قاصر”.
وعن فرضية الزواج بقاصر داخل تركيا وإنجابها طفلاً؛ كيف يتعامل القانون مع وضع الطفل؟ يؤكّد المحامي السوري أنه يمكن تسجيل الطفل قانوناً في تركيا، ويجب التمييز بين عدّة حالات، فإذا كانت الفتاة في سنّ الـ 16؛ تحضر الشرطة وتكتب ضبطاً وتأخذ موافقة الولي، وتُحيل الضبط للقاضي؛ الذي بدوره يعطي الموافقة على تسجيل الزواج، ثم تسجيل الطفل بموجب وثيقة الولادة الصادرة عن المستشفى التي تُثبت ولادته للأبوين. أما في حال كانت الفتاة فوق سنّ الـ17؛ تحضر الشرطة وتكتب الضبط و تاخذ موافقة الولي، ويثبّت الزواج ويسجّل الطفل بموجب وثيقة الولادة الصادرة عن المستشفى التي تثبت ولادته للأبوين”.
“أما إن كانت الفتاة لم تتجاوز سنّ الـ15؛ فتحضر الشرطة و تكتب الضبط، وتقوم النيابة العامة بتحريك الدعوى العامة على والد الطفل والولي، ويتم تسجيل الطفل بشكل قانوني، ولكن يُحبَس الأب والولي ومنظّم العقد؛ حسب ما تم ذكره وفق المادة (104-103) من قانون العقوبات التركي” يوضح المحامي عز الدين.
وبحسب المحامي؛ لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة عن حجم ظاهرة زواج القاصرات السوريّات في تركيا، لكنها تحوّلت في مجتمع اللجوء إلى ظاهرة أصيلة ومستمرة، تُلاحَظ خصوصاً في الأحياء المكتظة والفقيرة داخل المدن الأكثر ازدحاماً باللاجئين السوريين.
في الوقت ذاته؛ تقدّر الأمم المتحدة أنّ حوالي 26% إلى ثلث الفتيات السوريات يتزوّجن تحت سنّ 18 في تركيا، إلا أنّ هذه الإحصاءات عامّة ومتغيّرة؛ لأن الزواج يحدث خارج المنظومة القانونية، ولا يمكن لمركز الإحصاءات التركي أن يقدّم معلومات دقيقة عن الظاهرة، بسبب افتقاره إلى قاعدة البيانات التي تزوّده بها الحكومة.
وآخر دراسة رسمية حديثة كانت عام 2018؛ وهي دراسة أعدّتها جامعة حكومية تركية عام 2018 حول انتشار الزواج المبكر بين اللاجئين السوريين في تركيا، كشفت عن أرقام تدق ناقوس الخطر بشأن الظاهرة وانتشارها. أظهرت نتائج الدراسة أنّ 12% من السوريّات يتزوّجن قبل سنّ 15 عاماً و 39% من الفئة العمرية (15-19) عاماً لديهن أطفال أو يتهيأن لوضع مولودهنّ الأول.
في أوروبا
يقول المحامي والباحث القانوني في المركز الأميركي لدراسات الشرق الأوسط، المعتصم الكيلاني، إنّ القوانين في دول الاتحاد الأوروبي تمنع زواج القاصرات بشكلٍ قاطع.
على سبيل المثال في ألمانيا؛ يوضح الكيلاني، ينصّ القانون على ألا يقل الحد الأدنى للعمر عند الزواج عن 18 عاماً، ويقضي بإلغاء الزيجة التي كان عمر أحد طرفيها عند عقد الزواج 16 أو 17 عاماً، مع وجود استثناءات في بعض الحالات لدى هذه الفئة العمرية.
وتقوم محكمة الأسرة بالنظر في شأن هذا الزواج والبتّ فيه، وذلك بعد جلسة استماع إلى القاصرين ومكتب رعاية الشباب. وكل من ساهم مستقبلاً في زواج قاصرين دون سنّ الثامنة عشرة في ألمانيا، سواءً كان إمام مسجد أو أي شخص له سلطة دينية، سيُعاقب على مخالفته للقانون بغرامة مالية تصل إلى 5 آلاف يورو.
وفي الدنمارك، صوّتت أغلبية مجلس النوّاب، على منع الزواج لمن هو أقلّ من الثامنة عشرة، ابتداءً من فبراير ٢٠١٧.
وفي فرنسا، تحديداً نهاية عام ٢٠١١، قرّرت السلطات حظر زواج النساء تحت سنّ 18 عاماً، مع السماح ببعض الاستثناءات لأسباب قاهرة، وذلك لمكافحة الزيجات التي تتم في أوساط المهاجرين بالأخص. وينصّ القانون المدني الفرنسي في مادته (144)، على العُمر الشرعي للزواج، بينما تنصّ المادة (145) سارية المفعول بإمكان مدّعي عام الجمهورية أن يمنح “استثناءات بالنسبة للعمر لأسباب قاهرة”.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.