إيناس حقي/ womenofsyria- احتلت المرأة السورية مكانة متقدمة في سردية الثورة السورية الإعلامية في سنواتها الأولى، خاصة في وسائل الإعلام البديل السورية التي ظهرت مع انطلاقة الثورة. وكان الهدف من إظهار دور المرأة في الثورة الأساسي هو مواجهة سردية النظام التي اتهمت الثورة بشتى الاتهامات ومنها أنها ثورة إسلامية طائفية. ظهرت المرأة في هذه السنوات في وسائل الإعلام كشريكة في الثورة وكمشاركة فاعلة في المشهد السياسي والثوري.
في السنوات الأربع الأخيرة، اختلفت السردية الإعلامية تمامًا في المواقع الثورية، إذ تراجعت سردية الثورة لصالح السردية الحربية، واحتل الرجال الموقع المتقدم في التغطيات الإعلامية باعتبار التغطية أصبحت تركز بشكل أساسي على المقاتلين وجبهات القتال. انحصر دور المرأة في هذه المرحلة بدور الضحية، وتمت نمذجة دور المرأة بكونها الأم والزوجة. واقترن ذكر المرأة إعلاميًا بفئة “الأطفال والنساء” في إشارة لاستهداف النظام وحلفائه “للفئات المستضعفة”.
تعامل النظام مع النساء اللواتي شاركن بالثورة كما تعامل مع الناشطين من الرجال، ونكل بهن كما نكل بالجنس الآخر، إلا أنه أضاف على ذلك استخدام النساء كوسيلة ضغط على الرجال، سواء باعتقالهن كرهائن أو إحضارهن إلى المعتقلات لعرضهن أمام أزواجهن أو أبائهن، كما استخدم النظام الاغتصاب كوسيلة لإلحاق العار بالمعتقل أما في حالة المعتقلة الأنثى فقد استخدم الاغتصاب كوسيلة لإلحاق العار بالمعتقلة وعائلتها لمعرفته بنظرة المجتمع وتعامله مع “شرف المرأة” على أنه ملكية عائلية وليس شخصية أو فردية.
لم يتعامل الإعلام مع المرأة الخارجة مع المعتقل كما تعامل مع الذكور، إذ نمطت المرأة الخارجة من المعتقل في صورة الضحية مجددًا بينما تم تناول تجربة الرجل الخارج من المعتقل بتمجيد واحتفاء، رغم أن الظرف المشترك لكليهما خلال تجربة الاعتقال لا يختلف، ولكن الاختلاف الأساسي كان في زاوية التناول الإعلامي وفي تعامل المجتمع المحيط مع الناجين والناجيات. وبذلك نجد أنفسنا أمام سؤال لا بد من طرحه: ما الذي علينا فعله لتغيير هذا الواقع؟
أعتقد أن الإجابة تبدأ من المؤسسات الإعلامية البديلة التي تستطيع رفض سردية الضحية بشكل كامل، وتبني سردية جديدة تركز على المرأة مجددًا كشريكة في التغيير السياسي، وتعيد ترتيب قضية المعتقلات لا بصفتهن ناجيات فقط بقدر ما هن بطلات، انتصرن على جلاد متوحش، وواجهن ومازلن يواجهن قهرًا مجتمعيًا طاحنًا.
يستطيع الإعلام البديل تمكين هؤلاء النساء في معركتهن القاسية بمنحهن رواية جديدة، تخرج عن تأطيرهن في دور المستضعفات، وتذكر بحقهن في المشاركة في كل العملية الثورية بما فيها الأثمان الغالية التي دفعت وتدفع في سبيل الحرية المأمولة.
يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تساهم بدورها بتمكين النساء الخارجات من المعتقل من خلال دعمهن وتشجيعهن على مشاركة تجاربهن ومواجهة التحيز المجتمعي ضدهن ولا سيما من خلال تنظيم الحملات التي تهدف إلى تغيير السردية بالكامل وتعمل بالتوازي مع مجتمع المعتقلات من أجل مواجهة الظلم المضاعف الذي يتعرضن له بعد خروجهن.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن تغيير السردية وتغيير نظرة المجتمع للمعتقلة لا يمكن أن يتم بحملات تقوم بها منظمة هنا وأخرى هناك، ويتطلب أن تتضافر الجمهود وأن تعمل كل المنظمات بشكل جماعي وعلى المدى الطويل من أجل التغيير، كتخصيص عام كامل على مستوى كل المنظمات للموضوع والعمل بشكل منظم وممنهج لمواجهة كل أشكال الحيف التي تقع على المعتقلة وخلق مساحات آمنة للمعتقلات يستطعن فيها مشاركة تجاربهن، ويمكن في تلك الحالة تغيير آلية تناول القضية حتى في وسائل الإعلام التقليدية التي أقلعت عن تناول موضوعات تخص المرأة السورية خارج إطار صورة الضحية منذ زمن.
قد يبدو كل ما سبق تنظيرًا غير قابل للتحقيق في ظل الظروف الصعبة داخل سوريا وماتواجهه المعتقلات من تحديات يومية، إلا أن التجربة أثبتت قدرة التضامن المذهلة على التغيير وتحقيق المستحيل، ولنا في قيام الثورة السورية ومظاهراتها الكبرى خير مثال على قدرتنا الكامنة والهائلة على إحداث التغيير.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.