إيمان ونوس/ مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي- ارتبط مفهوم المواطَنة ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الدولة، وبالتالي فالمواطنة هي رابطة قانونية بين الفرد والدولة من حيث الحقوق والواجبات، حيث يكون الفرد في الدولة مواطناً قبل أي شيء آخر، وانتماؤه يكون للدولة لا لغيرها من الانتماءات الأخرى، وفق مفهوم إنساني- حقوقي يتضمّن جملة من الحقوق والواجبات يكفلها الدستور لمواطنيه.
وبما أن المواطن هو الإنسان الذي يستقر داخل الدولة ويحمل جنسيتها، مشاركاً في الحكم عبر الهيئات المختلفة، خاضعاً للقوانين الصادرة عنها، متمتعاً بشكل متساوٍ مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق، ملتزماً بأداء ما عليه من الواجبات اتجاه الدولة، فإن ما يطمح إليه عموم السوريين مستقبلاً هو أن تغدو سورية دولة مدنية علمانية تقوم على تعزيز مبدأ المواطنة فعلاً وواقعاً يقتضي فيما يقتضيه بدايةً السعي باتجاه دستور ينتفي فيه التمييز على أيّ أساس كان، وبالتالي تنتفي الصبغة الدينية عنه والمُتمثّلة بدين رئيس الجمهورية واعتبار الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع، مثلما تنتفي منه الفقرة التي تنص على أن الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية، لأن في هذا التوصيف تمييز واضح وصريح بين الأديان والطوائف. إضافة إلى ضرورة عدم تحديد جنس زوج رئيس الجمهورية، بما يسمح للجنسين من حق الترشّح أو الوصول لهذا المنصب، ذلك أن دستور 2012 قد اشترط في الفقرة/4/ من المادة/84/ أن لا يكون المُرشّح لمنصب الرئاسة متزوجاً من غير سورية، في إشارة واضحة وجليّة أن الرئيس حكماً رجل، وبالتالي لا يحق للمرأة السورية الترشّح لهذا المنصب.
وانطلاقاً من هنا، تصبو عموم السوريات، وبشكل خاص رائدات الحركة النسوية والناشطات في مجال قضايا حقوق المرأة إلى دستور يُنصف المرأة في كل المجالات والقوانين والتشريعات، وأن يفسح أمامها الأفق رحباً لتكون على قدم المساواة مع الرجل في مختلف جوانب الحياة، لا أن يخصُّها بمادة(23 من دستور 2012) إنشائية حقوقية عامة لا معنى لها أمام القوانين والتشريعات التمييزية ضدّها سواء في الدولة أم المجتمع المُشبع حتى اللحظة بذهنية نمطية متخلّفة تجاه المرأة والخاضع بشكل عام لتشريعات دينية عمرها قرون لم تعد تتماشى ووضع المرأة في الألفية الثالثة.
ورغم أنه لا يمكننا نفي ما وصلت إليه المرأة السورية من تولي مناصب حكومية هامة، لكن بذات الوقت فإن هذه المكانة تفرضها وتُعززها إرادة سياسية بحتة، وليست إرادة اجتماعية أو قانونية أو حتى ثقافية، فذات المرأة التي تحتل موقعاً حكومياً رفيع المستوى، هي في قانون الأحوال الشخصية مثلاً تابع للرجل لا يحق لها لا الولاية ولا الوصاية، ولا تأخذ من ميراث أسرتها الذي ساهمت بتكوينه إلاّ نصف ما يأخذ الرجل الذي ربما كان مُتفرّغاً لعمله أو دراسته على حساب تعبها وكدّها.. كما أنها محكومة بالتسعير والتسليع المُسمّى مهراً بحجة الحفاظ على حقوقها بعد الزواج، في الوقت الذي لم تحفظ لها أسرتها حقها الطبيعي في الميراث وملكية الأسرة.
من هذه النقطة بالذات يبدأ وجع وقهر نساء سورية الذي لن ينتهي ما لم تعمل الدولة بشكل حثيث صادق ومنطقي على تغيير واقع المرأة السورية التي وقفت في الحرب وحيدة تُصارع مختلف آلامها ومآسيها وفجائعها المتنوّعة سواء بالتهجير أو النزوح أو اللجوء إلى مخيّمات جعلت منها سلعة تُباع وتُشرى بأبخس الأثمان في أسواق النخاسة والدعارة وزواج القاصرات تحت مسميات مختلفة هي في حقيقتها دعارة شرعية واتجار بالنساء والأطفال، إضافة إلى ما عايشته بعض السوريات من اختطاف واغتصاب واعتقال في ظلّ غياب الرجل كسند ومُعيل، فحملت هي وبجدارة جميع المسؤوليات تجاه كل من بقي بعهدتها من أبناء وإخوة وأبوين بما فيهما أبوي الزوج غالباً. هذا الواقع دفعها وباقتدار لخوض غمار أعمال ومهن كانت حتى بدء الحرب حكراً على الرجال، خارقة كل الأعراف والتقاليد وحتى التشريعات التي تحدُّ من حريتها سواء في التنقّل أو السكن والإقامة.
لذا، وبناء على واقع المرأة السورية، نجد أن على الدولة اليوم وبعد الحرب اتخاذ جميع الإجراءات التي تُنصف المرأة، وتعمل فعلاً على تعزيز المُتغيّرات الجديدة والطارئة على المرأة السورية سواء قبل الحرب أو أثناءها أو بعدها، وذلك من خلال:
1- دستور مدني- قانوني يُساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات بعيداً عن كل التشريعات الدينية.
2- تغيير الصورة النمطية للمرأة سواء في المناهج التعليمية كافة، أو عبر مؤسسات الثقافة والإعلام بمختلف وسائلهما، والعمل على صناعة سينما ودراما تُعزز قيمة وحقوق ومكانة المرأة السورية في المجتمع.
3- إفساح المجال أمام التنظيمات النسائية المدنية للعمل في أوساط النساء(دون تخوين أو تشويه أو تقييد) من أجل رفع مستوى وعي المرأة بحقوقها وواجباتها في الأسرة والمجتمع، وتشجيع الفتيات على التعليم والعمل، والابتعاد عن زواج الطفلات، وبالتالي من أجل تقليص نسب الأمية في المجتمع عموماً، وفي أوساط النساء خصوصاً.
4- تعديل أو تغيير مختلف القوانين التي تحوي مواد تمييزية ضدّ المرأة( لاسيما قانون العقوبات والجنسية).
5- وضع قانون أسرة عصري يواكب مختلف المتغيّرات الطارئة على جميع أفرادها، وذلك حفاظاً على حقوق الجميع بما فيهم الرجل، بدل قانون الأحوال الشخصية الرث والقائم على أحكام سُنّت أيام الاحتلال العثماني وقدري باشا، لأنه حقيقة لا يُعطي للمواطن السوري(رجل وامرأة) ما يستحقانه من مكانة تليق بما وصلا إليه من وعي بالحقوق والواجبات والحياة العصرية.
6- تشريع الزواج المدني للراغبين به دون ضغط أو إكراه.
7- رفع التحفّظات السورية عن اتفاقية مناهضة العنف والتمييز ضدّ المرأة، والتي أفرغت تلك الاتفاقية من مضمونها وأهدافها القانونية والحقوقية.
8- تفعيل مختلف وعموم القرارات والبروتوكولات الدولية الداعية إلى ضرورة مشاركة المرأة في عمليات حفظ السلام، وحكومات ما بعد الحرب.
هذا ما تطمح إليه عموم نساء سورية، وما تُناضل من أجله الناشطات في مجال حقوق المرأة والحركة النسوية السورية منذ زمنٍ ليس بالقليل… فهلاّ نصل يوماً لسورية مدنية علمانية فعلاً…؟؟؟