لبنى سالم/ العربي الجديد- بالرغم من دخول المرأة السورية إلى سوق العمل كعنصر منتج في المجتمع منذ سنوات طويلة، إلاّ أن أعمال المنزل ما زالت في معظمها حكراً على النساء وفقاً للثقافة التي تعيب على الرجل دخول المطبخ حتى. هذا الوضع يدفع كثيراً من الأزواج إلى التعاون مع زوجاتهم، مع إبقاء ذلك سراً عن محيطهم.
تقول جمانة (34 عاماً) وهي موظفة من حمص، إنّ مساعدة زوجها لها في أعمال المنزل “تطلبت ثورة”. توضح: “ليس من السهل أن تقنع شخصاً أنّ ما كان يعتقده حقاً من حقوقه هو في الواقع واجب عليه، كلانا يعمل ويعود إلى المنزل في الوقت نفسه، وطوال ثلاث سنوات كان يعود إلى المنزل ليرتاح بينما أبدأ دوامي الثاني في الأعمال المنزلية. بعد إنجابي طفلي الأول صارت مهامي مضاعفة، وبدا أنّ عليّ أن أترك عملي الذي أحب نهائياً لأتفرغ للمنزل والطفل. هنا قررت أن أثور على هذا الواقع”. وفي النتيجة “قبل زوجي أن يتقاسم معي أعمال المنزل بشرط وحيد هو ألاّ يعلم أحد بالأمر، وأنا لا ألومه على هذا. حين تكون لدينا عزومة على سبيل المثال نتساعد في تحضيرها وحين يأتي الزوار لا يتحرك هو من مكانه أثناء وجودهم. في إحدى المرات أعجبت حماتي بالطبق الذي أعدّه زوجي وهنأته عليّ… لو علمت أنّه هو من أعدّه لطلبت منه أن يطلقني ربما”.
يعترف نضال (32 عاماً) وهو مهندس اتصالات، أنّه يؤدي واجبه من أعمال المنزل: “لا أدري ما الذي يعيب إنساناً يعدّ طعامه أو يغسل ثيابه بنفسه! العيب هو أن تكون عاجزاً عن الاعتماد على نفسك وتوكل هذه المهام لامرأة، لكنّ معظم الناس لا ينظرون إلى الأمور بهذه الطريقة. تربيت منذ صغري على ألاّ أقوم بشيء من أعمال المنزل، وكانت أختي هي من ترتب غرفتي، وأمي من تعدّ الطعام وتجلبه إليّ. أفنت أمي حياتها في خدمتي وخدمة أبي الذي لا أذكر أنّه كان عاجزاً عن جلب كأس ماء لنفسه… هو تقاعد في عمر الستين وأمي أكملت عملها الذي كان من دون أجر أو تقاعد حتى توفيت. اليوم، أنا وزوجتي نعمل خارج المنزل، وليس من المنصف أن تفعل كلّ شيء بنفسها، لكنّي في المقابل، لا أحتمل أن أسمع كلاماً مسيئاً من والدي أو أحد أقاربي، لذلك، نحرص على إبقاء الأمر سراً بيننا”.
بدورها، تروي لمى (32 عاماً) وهي معلّمة من حلب: “اتفقت مع خالد على أن تكون حياتنا شركة في كلّ شيء، خصوصاً أنّه على خلاف معظم الشبان اعتاد أن يساعد والدته في أعمال المنزل لأنّ والده متوفى منذ زمن. لكنّي تنبهت إلى أمر مهم قبل زواجي بعدة أسابيع، فقد جاءت إحدى قريباتي التي تعيش مع زوجها في أميركا إلى سورية زيارة، وبدأ الجميع يتهامسون حول تصرفات زوجها ساخرين من كونه يطبخ ويجلي ويمسح، ويطلقون عليه النكات كأنّه يقوم بأمر معيب. الرجال يقولون إنّه ليس رجلاً والنساء يقلن إنّه خسر هيبته. لذلك، حين تزوجت لم أرد أن أضع زوجي في الموقف نفسه وسط عائلتي، حتى أنّي صرت أتذمر من طلباته الكثيرة أمام أمي وأخوتي بين الحين والآخر من باب التسلية، فأسمع عبارات من قبيل أنّ كلّ الرجال على هذه الحال”.
في كثير من العائلات التي يتشارك فيها الزوجان أعمال المنزل، يميل الرجال إلى تنفيذ أعمال معينة من دون أخرى. وبالرغم من التعاون الذي يبديه مروان مع زوجته سمر في تأدية أعمال المنزل إلاّ أنه لا يقبل إلاّ بمهام محددة. تقول سمر (27 عاماً) وهي من إدلب: “يساعدني في تحضير الطعام والترتيب وشراء الحاجيات، لكنّه يرفض أن يرتدي قفازات التنظيف أو أن يمسك الممسحة، يقول لي: أساعدك لكن لا تطلبي مني أن أكون امرأة… لا أدري حقاً لما توصم أعمال المنزل بالأنوثة!”.
أما هنادي (30 عاماً) من حلب، فتقول: “زوجي يساعدني في كلّ شيء تقريباً إلاّ في الاعتناء بالأطفال. لديه حدود لا يمكن أن أفهمها حقاً بين ما يمكن أن يفعله وما هو من المستحيل أن يؤديه، لكنّي أقدّر جداً ما يفعله خصوصاً أنّ أيّاً من أفراد عائلته الذكور لا يساعدون زوجاتهم”. وتلفت هنادي إلى أنّ مساعدة الزوج في أعمال المنزل قد تخلق خلافات عائلية: “في إحدى المرات رأت حماتي ابنها يعدّ الطعام فيما كنت نائمة، فجنّ جنونها، وبدأت في توجيه اتهامات لي بالتقصير تجاه عائلتي وأطفالي. لا أعرف بأيّ منطق يفكرون علماً أنّي أعمل خارج المنزل وأساهم في تسديد النفقات. منذ ذلك اليوم لم نسلم من تعليقات أشقائه وشقيقاته، وهو ما جعل حياتنا أكثر تعقيداً. كثير من الرجال يتأرجحون بين قناعاتهم بمساعدة زوجاتهم في المنزل وبين محيطهم الذي يحثهم على الاعتماد التام على زوجاتهم”.
أما بيان (28 عاماً) وهي صيدلانية، فتشير إلى أنّ مشاركة زوجها في العمل المنزلي أنقذ زواجهما: “لم أفكر يوماً في أنّي سأطلب من زوجي مساعدتي في أعمال المنزل. وبالرغم من أنّه اعتاد على الاستقلال عن أهله سنوات طويلة، لكنّه ادعى حين تزوجنا أنّه لا يتقن فعل شيء في المنزل. بعد سنة واحدة من الزواج والعمل في المنزل وخارجه انقلبت حياتي جحيماً وأثر هذا في علاقتنا كثيراً، وشيئاً فشيئاً صار يساعدني في أعمال المنزل. أعتقد أنّ هذه الخطوة أنقذتني من الاكتئاب وأنقذت علاقتنا من الفشل”.