فلورنس غزلان/ الحوار المتمدّن- لم يعد للكلمة مذاق ، ولا للرأس قدرةٌ على الاستيعاب، الضباب يغطي الواقع ، الظلمة تُغَلّف المستقبل، وكل منا يقف في مكانه متسمّراً .. لايعرف من أين يبدأ، ولا أي طريق يسلك، لايعرف بمن يثق .. كلّ ماحوله مخلوط البدايات، مخلوعٌ من العمق والمعنى، مجلودٌ بأسواط اللحظة، ومُهَدّد الخاتمة التي لانرى فيها إلا النهاية! .. نهاية حلم … نهاية وطن.
ماذا أكتب في صفحاتي البيضاء؟ .. أمحو أكثر، أبلع أكثر، وأفضي بالقليل .. فالمكاشفة باتت عدوةً، والوهم صديق!
لذا ألجأ للخرس، أو أرصُد يوميات ومواقف ثانوية .. أبحث عن هواءٍ أنقى، عن فضاءٍ أرحب، عن أيدي بلا قيود، عن ألسنةٍ بلا أقفال، فنحن خرقنا الصمت وحرقنا مخازنه .. فلماذا نعود للمواربة والتماهي في صغارٍ يريدون أن يكبروا؟
لماذا نصمت أمام أطفالنا، وندعوهم للصلّاة والتضرّع لآلهةٍ لم تأبه لموتنا؟
ألأن ثقتنا بالموجود معدومة، وبأنفسنا مفقودة ولم نحصد سوى الخسارة؟
لم نرمم جراحنا بعد، لم نسافر لننسى، لم نهاجر لنستقر، ولِمَ نبحث عن جنةٍ بعد أن فقدنا جنتنا؟
ولم نعترف بعد بأننا المساهم الأول في ضياعها، لم نحاسب أنفسنا بعد، لم نواجه ضعفنا بل نهرب منه، ومازالت جذوة القتل والعنف حاضرةً في ثنايا ميراثنا تشتعل تحت رماد حرائقَ رمينا فوقها زيوت الحقد، ثم غسلنا أفعالنا بالكلام وبماء الخُطَب وبروابط الوعود المثقوبة الخارجة علانيةً من مراكز الصرافة لباعة السياسة في المنطقة وفي مخازن السلاح الدولية.
افتح نافذةً في صدرك، ومزّق لحاء الستائر المتراكمة فوق طيات روحك، حاورها مُحَدّقاً بعيون الجرأة الثاقبة النازفة، عيون الصراحة المستيقظة بعد مواسم الحزن.
اكسر أبواب الأبراج وسلاسل القيود، واسمح لنفسك بزيارةٍ قصيرة تَعرُج فيها على معالم خطواتك منذ سبعة أعوام خَلت .. تحسس بأنفِ شقيٍ فقد محبوبته، بحاسّة الشمّ الأقوى في روحك الوطنيّة، وبرفقٍ شَمّر عن ساعديك واقتلع كلّ أشواكك، واطمر كلّ الحفر، التي حفرتها والمصائد والمكائد التي زرعتها، واحرق فوقها كلّ أموال الآبار السوداء.
هندس لروحك فردوسها، ولوطنك فردوسه الموعود، وعد لأخيك وجارك بعد أن تتعمّد وتتطهّر في ماء اليرموك مرةً وفي بردى أخرى، والعاصي ثالثة، والفرات أخيراً .. واخرج سالماً معافى لترتقي أول درجةٍ في سُلَم المواطنة.