جريدة الفداء- المرأة عنصر بارز من عناصر الخطاب الروائي, ولشخصية المرأة حضور مميز في العمل الروائي, والرواية بعامة رجل وامرأة, وفن الرواية هو فن الحوار, فن العلاقات البشرية بين الرجل والمرأة, مع الطبيعة والأشياء عبر الخيال الذي يستمد مقوماته من تجارب الحياة.
وفي الرواية العربية هناك من صور المرأة المتناقضة مع واقعها, وهناك من صور المرأة المستقيمة, صور الخصائص الجوهرية التي تحمل معاني حضور المرأة الإنساني وتفردها الأنثوي, وبنية الرواية تقوم على هذا الحضور, فالمرأة ذات معطيات جمالية واجتماعية, لذا فهي تمد الكاتب بمادة غزيرة.
وعبّرت الروايات العربية في السنوات العشر الأخيرة عن تجربة مواجهة الغرب بقيمة المغايرة وطرائق العيش والتفكير, عبّرت عن التحولات الحاصلة في الساحة الاجتماعية العربية, وانعكاساتها على الوعي, جاءت صورة المرأة فيها لتفصح عن توقها إلى الحرية والتحرر وفق الأنموذج الغربي أحياناً, وفي الأحيان الأخرى نجد لها تعلقاً بروحانية غائمة السمات, منحدرة من روح الشرق. فكانت روايات تحاول أن تضع قدماً على الضفة العربية وقدماً أخرى على الضفة الغربية.
وفي هذا الإطار بدأت الرواية السورية تشق طريقها مبكراً في رومانسية عالية أولاً, ثم انجرفت إلى معظم أشكال التجريب, وسايرت أحدث المعطيات الروائية العربية والعالمية.
ظهرت في الرواية السورية نماذج متعددة لشخصية المرأة, الريفية والمدنية, التقليدية والتقدمية بالمعنى الاجتماعي, وليس الأيديولوجي. ظهرت صورة المرأة بارزة الملامح في مجتمع المدينة المعاصرة, في الجامعة, في مواقع العمل (روايات هاني الراهب, حنا مينه, حيدر حيدر)، كم ظهرت صورتها المثالية والأصيلة في روايات فاضل السباعي (ثم أزهر الحزن), وفي روايات عبد الكريم ناصيف, وخيري الذهبي, ونبيل سليمان, واختفت المرأة التقليدية النمطية لصالح المرأة العصرية المثقفة التي تمارس حقها الطبيعي بعيداً عن هيمنة الذكور على الرغم من أن المجتمع القائم لم يعترف بنجاحها!!.
واستطاعت الرواية السورية في السنوات القليلة الماضية أن تغطي الأبعاد الجمالية والاجتماعية للمرأة, صورتها أماً كادحة, وأختاً صابرة, وبنتاً متوثبة للحياة, وزوجة واهبة للزوج والأبناء بعد أن انصرفت عن الرومانسية الأولى, ثم أمسك الروائي السوري مبضع الجراح وبدأ يرتاد أدق الأماكن بجرأة, بدأ يصعّد ذلك في تصوير دقيق, للمجتمع الذي أخذت تحولاته تتأثر بما يجري في العالم, من نهوض أنثوي, وانعتاق من ربقة العادات البالية.
لم تعد المرأة تقبع طائعة أوامر الذكر, تمردت على أوضاعها الاجتماعية, ثارت على التقاليد, سافرت, وقفت إلى جانب الرجل, شاركت في العمل, سهرت, رقصت, سكرت, خانت (روايات حميدة نعنع , وهاني الراهب, ومطاع صفدي , وخيري الذهبي). وكثرت الشخصيات الأنثوية في كل رواية, تقاطعت نزواتها العاطفية, كشف الروائيون السوريون المناطق المحرمة والمعتمة من جسدها, صرحوا بالمسكوت عنه, صوروا شخصيات شاذة ومتحللة, نقلوا الواقع الاجتماعي بدقة, كسروا حواجز الصمت, صارت صورة المرأة تتقدم الخطاب الروائي بصوتها العالي, وحضورها البهي, غدت صورة المثقفة الواعية, بعيدة عن التهميش, تملك حرية التعبير, حرية المشاركة, حرية التنقل, حرية الممارسات الجسدية. وتنحى الخطاب الروائي عن ملامسة ظواهر الأشياء, دخل في العمق, رصد أدق الرغبات الأنثوية الطاغية (رواية بنات بلدنا, ورواية ألف ليلة وليلتان, لمحمد قرانيا وهاني الراهب).
ومع هذا وذاك فقد قصرت الرواية السورية في رسم شخصيات أنثوية خالدة, لها إيقاعها المميز, وتأثيرها النوعي مثل (آنا كارنينا, لتولستوي, وجريتا لأرسكين كالدويل, ومدام بوفاري لغوستاف فلوبير, والأم لمكسيم جوركي)، لكنها لم تقصر في رصد شخصيات متمردة, تحمل أنوثتها, وفنون إثارتها, تحمل رؤية بنات جنسها للتعبير عن ضمير واقعها.