عشيرة أم دولة.. الدين مصدر التشريع
//عشيرة أم دولة.. الدين مصدر التشريع//

فاديا أبو زيد/ مجلة (مجلة الملتقى الأدبي العربي الاوروبي)- مازالت دولنا العربية الإسلامية لا تريد أن تخرج من مستنقع التراث والدين، كأساس لبناء دول الاستبداد. قوى الربيع العربي وبعد مرور هذه السنوات الكثيرة، أثبتت بالقول والفعل أنها تريد فقط أن تستبدل السلطة الديكتاتورية بسلطة ديكتاتورية أخرى. الجهل والتجهيل، الذي كان استراتيجية السلطات المتعاقبة منذ أن تشكلت الجمهورية السورية الاولى، كانت تحاججنا بالتقدّم والتطوّر بأن دستور الجمهورية هو دستور مستمد من الدستور الأوروبي الفرنسي، كون فرنسا كانت تحتل سوريا بالانتداب، بعد الاحتلال العثماني.

لكن السؤال الذي ظهر في زمن الحراك السوري: كيف دخلت مادة: الفقه الإسلامي مرجعية التشريع، إلى الدستور الأول، ومازالت موجودة إلى يومنا هذا، مع أنها غير موجودة في الدستور الفرنسي؟

كيف يُعقل أن توجد ذات المادة في دساتير بلدان عربية أخرى، كانت محتّلة بالانتداب البريطاني كالعراق مثلاً؟؟؟

كثيرون لا يدركون خطر هذه المواد في الدستور، الذي يعتبر الوثيقة التشريعية العليا في البلاد ومن الدستور تشتقّ كلّ القوانين الناظمة لحياة الدول والمجتمعات.

أين يكمن خطر مادة أن يكون الفقه الإسلامي مرجعية للتشريع في الدستور؟؟

أولاً- وكما جاء صراحةً في الدستور العراقي مثلاً، والذي يختصر هذا الخطر بوضوح في مادته الثانية:
لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام!!

وهو بالضبط ما أشار إليه الدستور السوري في مادته الثالثة: دين رئيس الدولة الإسلام. والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع. أي أن الدولة في هذه الحالة ووفقاً لما جاء في الدستور:

لا تستطيع تطبيق المواطنة، لأن المواطنة في هذا السياق، تتعارض مع الفقه الإسلامي. لأن المسيحيين في الفقه الإسلامي هم: أهل ذمّة. أي: مواطنون درجة ثانية.

أيضاً: المسيحيون وبقية الطوائف غير المسلمة أو من غير السنّة: هم مواطنون درجة ثانية أيضاً: لأنهم مستثنون من ممارسة حقّ المواطنة بالترشّح لمنصب رئيس الجمهورية؟!

ثانياً- مع وجود هذه المادة، لا يمكن المطالبة بالزواج المدني، لأن الزواج المدني يتعامل مع المواطنين بمساواة بغض النظر عن دينهم، بينما الفقه الإسلامي الذي تقرّ الجمهورية بأنه مرجعية تشريعاتها: يمنع زواج المسلمة من مسيحي. أو المسلم من مسيحية إلا بشروط تعجيزية، كتغيير دين الفرد غير المسلم إلى للإسلام، لأن الإسلام، وحسب ما يقرّه الدستور: هو الدين الذي يعلو فوق كل الأديان في الدولة العربية. وعلى كلّ مواطن ليس مسلم في هذه البلدان العربية أن ينطق الشهادتين ويتحوّل من مسيحي إلى مسلم في حال أراد أن يتزوّج بمسلمة، او العكس.

وهذا التغيير ليس تغييراً صورياً أو على الورق، بل يتبعه الكثير من التفاصيل المرهقة التي تجعل من الدولة والمجتمع بيئة طاردة للتعايش الطبيعي بين الأفراد. وبيئة طاردة لأي تحرّك مدني باتجاه التطوّر و بناء دولة المواطنة الحديثة التي تحترم خيارات الأفراد التابعين لها تماشياً مع ما جرى على المجتمعات الحديثة من تطوّرات انطلقت من احترام الفرد.

ثالثاً- ولأن الدول العربية أقرّت الفقه الإسلامي مرجعية للتشريع، كان لا بد من ارفاق هذه المادة بمواد تصنّف وتقسّم باقي أفراد الشعب حسب دياناتهم وطوائفهم؛ حسب ما جاء في الدستور السوري: الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مرعية ومصونة.

وقد اعترف الدستور السوري بثلاثة مكوّنات أساسية في الدستور: مسلمون، مسيحيون، دروز.

وفي حين دأبت السلطة السياسية على اعتبار أن هذا الإقرار الدستوري بهذه الفئات هي ميزة احترام وتكريم لمكوّنات الشعب السوري، إلا أنها في الحقيقة هي في الحقيقة أداة لتثبيت تقسيم المجتمع إلى طوائف وإثنيات وأديان. فهذه التقسيمات ليست على الورق فقط، بل أتت مصحوبةً بجدران تمنع الاختلاط بين هذه الفئات من الشعب الواحد، لأن كلّ قسم لديه عاداته وتقاليده التي أقر الدستور بملكية كلّ طائفة لها.

في الزواج على سيل المثال: المسلمون لديهم التعدّد، بينما لا يوجد ذلك في بقية أطياف الشعب السوري. المسيحيون في بعض تقسيماتهم لديهم منع للطلاق. أما الدروز فلديهم منع من زواج الدرزية من غير درزي. ولنا ان نتخيّل حجم المصائب الاجتماعية والقانونية المترتبة على هذه التقسيمات، وعواقب تجاوز هذه الحدود.

وقد وقفت الدولة منع تجاوز تلك الحدود ومنحت صلاحية مطلقة لكلّ طائفة من هذه الطوائف بحقّ استخدام قوانين التُراث في التصرّف بحقّ كلّ من يتجاوز هذه القوانين؛ ومن أهمها: حقّ قتل المرأة اذا تزوّجت بإرادتها المنفردة وتجاوزت رأي العائلة الرافضة لهذه الخطوة. فقد أقرّ قانون العقوبات السوري – وهذه المواد موجودة أيضاً في كلّ القوانين العربية باستثناء تونس- قوانين جرائم الشرف، كقوانين عابرة للطوائف والإثنيات، والأديان، والتي تُبيح لأي سوري قتل أي امرأة تخصّه: أمه، إبنته، أخته، زوجته، في حال أرادت المرأة الزواج من خارج التقسيمات المنصوص عليها في القانون!

رابعاً- هذه المادة تقف حجر عثرة في الانتقال من الدولة العشيرة إلى الدولة الحديثة، بما تحمله هذه التسمية من تطوّر في مكانة الفرد في الدولة وفي علاقة الأفراد مع الدولة: فهي علاقة سجون متعدّدة في داخل بعضها البعض. هي المادة التي تُبقي على التُراث الماضوي كحاكم شرعي لحياة ومصائر الناس. وتمنعنا من الانتقال إلى حالة أكثر تطوّراً من التي وصل إليها العالم الحديث والذي بات يفصلنا عنه اليوم قرنين من الزمن على الأقل، إذا ما اعتبرنا أن الثورة الفرنسية هي عنوان لما نتكلم عنه!

خلاصة: إن إلغاء المادة الثالثة من الدستور السوري هي أساس أي تغيير. إن بقيت، بقي الاستبداد، وإن أزيلت، انفتح أمامنا الأمل ببناء دولة المواطنة والدولة الحديثة.
إن مادة الفقه الإسلامي مرجعية للتشريع، هي الفخ الذي نُصِبَ للدول العربية ما بعد الاستقلال؛ كي تبقى في حالة تخلّف وحالة بدائية تمثّل مرحلة ما قبل بناء الدولة الحديثة. كي نبقى قبائل وعشائر ودولة لا يشكّل الأفراد فيها سوى مجاميع تابعة لشيخ دين أو شيخ عشيرة أو شيخ عائلة، ومن ثم الجميع يتبع لرئيس واحد مستبد.

من دون التخلّص من هذه المادة، لا إنجاز يُذكر من حراك الربيع العربي السوري، والربيع العربي.

لا أمل للخلاص سوى بفصل الدين عن السياسة. سيما وأن البشرية توصّلت لشكل أمثل من اشكال الحكم والعقد الاجتماعي الذي يضمن المساواة بين جميع أفراد الشعب، مع ضمان حرية الاعتقاد الديني لكلّ مكوّنات الشعب، تمثّلها الشرعة الدولية لحقوق الانسان.

//عشيرة أم دولة.. الدين مصدر التشريع//

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015