بيروت برس- عنبرة سلام الخالدي (1897 ـ 1986) المولودة في المصيطبة (بيروت)، هي ابنة السياسي التقدّمي سليم سلام والسيدة المتعلّمة كلثوم البربير، وشقيقة الرئيس الراحل صائب سلام. رائدة من بيروت اسمها مرادف للنهضة النسائية الاجتماعية في العالم العربي، تتجسّد اليوم على خشبة المسرح لا لتتمّ الإضاءة على سيرتها فحسب، بل لتأريخ حقبة اجتماعية سياسية نهضوية كان عمادها كاتبة ومترجمة وناشطة نسوية ومناضلة ومؤسسة أول جمعية اجتماعية ثقافية في العالم العربي العام 1914 بعنوان «يقظة المرأة العربية» وأول امرأة خلعت النقاب بعد إلقائها محاضرة عامة في الجامعة الأميركية عام 1927.
تركت عنبرة أثراً كبيراً في كلّ من عرفها أو قرأها أو سمعها، فكيف بالحري بحفيدتها الأستاذة الجامعية والمخرجة عليّه الخالدي؟ قرّرت الخالدي أن تعيد كتابة قصّة جدّتها وتمسرحها لأنّها تجسّد نهضة نسائية بيروتية «استمر فعل الكتابة أشهراً طويلة وحتى اليوم الأخير من العرض الأول للمسرحية في محاولة للتركيز على أبرز الأحداث والمشاهد على مدى ساعة ونصف الساعة. أمضيتُ ليالي بلا نوم بحثاً عن معلومة موثقة حول الحقبة التاريخية كي تفهم بصورة صحيحة. وجدت أنّه من المهم أن يتعرّف الجيل الجديد وكلّ جيل على عنبرة، لأنّها مهّدت الطريق لكلّ الأجيال». بدأ عرض «عنبرة» تمثيل: نزهة حرب، سارة زين، فاديه التنير، هاني الهندي، دانا ضيا، عبد الرحيم العوجي، نجوى قندقجي، عمر الجباعي وزياد شكرون، في الرابع عشر من الشهر الحالي على خشبة مسرح «بابل» ويستمرّ عرضها إلى الخامس عشر من أيار من الأربعاء إلى الأحد عند الثامنة والنصف مساء.
جولة في الذكريات
تضيف الخالدي في حديث لـ «السفير» أنّ عنبرة كانت مثالاً يُحتذى لكلّ مَن عرفها، لا سيما من النساء، «كل فرد من أفراد العائلة يملك قصصاً عن تأثير عنبرة الإيجابي في تطوّر أفكاره وحياته. عنبرة كانت فخورة بالنساء العاملات ونجاح أي امرأة في مجال العمل كان يمنحها سعادة غامرة. كتبت عنبرة سيرة حياتها بعنوان «جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين» الذي اعتمدت عليه في كتابة المسرحية، مركّزة على عشرين سنة من حياتها من العام 1907 إلى العام 1927»، معتبرة أنّ استذكار جدّتها على خشبة المسرح اليوم نابع من النضج الذي وصلت إليه، «أفكّر بعنبرة منذ سنوات ولم أكن ناضجة كفاية لأظهر ما أريد إظهاره، ولكنني اليوم بتّ قادرة على أخذ المبادرة لإعطائها حقها. أردتها أن تكون فخورة». تعلّل الخالدي الأسباب الكامنة وراء عرض المسرحية اليوم بالقول «بتنا نسمع الكثير في السنوات الماضية عن العنف الأسري، ودور المرأة في الحياة السياسية، وفي الحراك المدني، ووجدتني جاهزة لأروي نضال عنبرة التي تركت أثراً كبيراً في بيئتها، وأردت أن أكون موازية لوضع المرأة في العالم العربي اليوم دون أن ألقّن المشاهد بالملعقة حول أهمية دور المرأة، بل من خلال إطلاق العنان لتحليله وربطه للأحداث».
تعلن الخالدي أنّ مسرحة القصة كانت عملية صعبة جداً لذا اعتمدت على نورا السقاف في الدراماتورجيا، «كنت مصرّة على إبراز نقاط عدّة من خلال المسرحية: إبراز قصة امرأة رائدة، والإضاءة على الوضع العام في بيروت، والحالة الاجتماعية التي عاشت فيها عنبرة، والحقبة التاريخية وما كان يحصل من أحداث سياسية في تلك الحقبة». لا تحبّ الخالدي المسرح الذي لا قصة له، «أحبّ أن أعمل على المسرح الجاد الذي يحكي قصة للناس، وأن تكون للقصة بداية ونص ونهاية، مع خلفية سياسية واجتماعية وبطل يعتمده الناس قدوة، وتندرج المسرحية في الإطار السردي الدراماتيكي لا بل هو المسرح الحقيقة، فمن الضروري أن نرى ماذا فعلت الأجيال السابقة لنستوحي منهم ونلحق بخطاهم التقدّمية».
تصرّ الخالدي على أنّ مشاهد بعينها لم تستطع الاستغناء عنها في سياق المسرحية لمدلولاتها وعمقها وربطها بالواقع اليوم، من هذه المشاهد إطفاء الكهرباء ثلاث مرات قبل انقطاع التيار الكهربائي بصورة تامّة، «في السابق كان هناك إشارة قبل انقطاع التيار بصورة تامة، واليوم لا إنذار ولا مَن يحزنون، توخيتُ الإضاءة على تفاصيل حياتية ووقائع اجتماعية وسياسية، إلى جانب التركيز على الصبية التي نادت بالعلم والتحرّر ودعمت علناً ومن دون خوف استقلال الأقطار العربية عن الاحتلال العثماني أيام جمال باشا».
عليّه الخالدي أستاذة «تاريخ المسرح العربي» في الجامعة اللبنانية الأميركية منذ العام 2010، وتعتبر مسرحية «الهلافيت» المستوحاة من نص للكاتب المصري محمود دياب باكورة أعمالها الإخراجية، عرضتها في العام 1995 في الجامعة اللبنانية الأميركية، وقدّمت في العام 2004 مسرحية «أيام بيروت» التي اقبستها من كتاب نازك سابا يارد الذي يحمل الاسم نفسه، أمّا عملها الثالث فهو «80 درْجة» من إخراجها وكتابة رندة الخالدي.