عن التحرّش الجنسي في سوريا.. هكذا يتحدّث الذكور في مجالسهم
اللوحة للفنانة جاذبية سري/مصدر الصورة: ميديوم

عمار عكاش/ayyamsyria- يختلف التحرّش الجنسي في أسبابه وشكله من دولة إلى أخرى، لكن ما يوحّده أنه عنف قائم على أساس النوع الاجتماعي، وعلى أساس سيادة مفهوم القوة في المجتمع سواء أكانت القوة بشكلها العاري الفيزيائي الفحولي، أو القوة القائمة على هرمية علاقات السلطة والمال، إنه مشكلة عالمية تكاد تعاني منها جميع المجتمعات.

تميل المجتمعات المحافظة عموماً إلى التستّر على الظاهرة، والتقليل من شأنها، ومنها المجتمع السوري، حيث تميل العقلية السائدة اجتماعياً إلى رسم صورة للذات تقول بأننا مجتمع مسلم متعاضد، خوفنا من الله يجعلنا في حصانة من الكثير من المفاسد الموجودة في المجتمعات الأوربية.

التقليل من شأن الظاهرة

بمجرد أن يُطرح موضوع التحرّش الجنسي للنقاش في حلقاتٍ اجتماعية وثقافية مختلفة، يميل عدد ضخم من الذكور السوريين إلى التقليل من شأن الظاهرة دون محاولة حتى للتساؤل: هل تتفق معنا النساء فيما نقول؟، عدا عن أنّ هناك عادة نابعة من عقد مقارنات دائمة بين سوريا وبين بعض دول المنطقة المختلفة في تاريخها وعاداتها الاجتماعية التي قد تكون أوضاع المرأة فيها أسوأ من سوريا، لكي نشعر بأننا بخير.

وفيما يتعلّق بالنساء فقسم كبير منهنّ يخشَين عن الحديث في الأمر، لأنهنّ تدركن أنه ستكنّ الملومات. وهنالك جملة شهيرة تُقال عند وقوع مثل هذه الحوادث: “ليش هي تحرّشوا فيها؟ وغيرها ما حدا تحرّش فيه؟.” حتى أن بعضاً من النساء تتشرّبن هذه العقلية وتكنّ أول من ينتقدن من تعرّضت للتحرّش. فحين نقول عقليّة ذكورية، فهي تشمل النساء أيضاً لأنهنّ تتربَين في ضوء العادات ذاتها والثقافة ذاتها، وإن كانت النساء هنّ الضحايا.

تفسير أسباب التحرش

حين يتعلّق الأمر بتفسير أسباب التحرّش، تذهب التفسيرات المحافظة عادةً إلى الإشارة إلى أنّ زيادة الاختلاط بين الجنسين وارتفاع عدد النساء العاملات، وحرية المرأة في التجوال في الشوارع هي من تسبّب التحرّش. حقيقةً هذا الطرح يدين نفسه بنفسه؛ فهو يقول عن غير قصد إن ثقافتنا الاجتماعية ترى المنزل مكان المرأة الطبيعي، أو المساحة الآمنة الوحيدة لها، ومتى تخطّت حدوده ستعرّض نفسها لكلّ أنواع الانتهاك الجنسي، ناهيك عن أنّ هذه العقلية تتجاهل وجود حالات تحرّش واغتصاب داخل المنزل نفسه من الأقارب ومن أفراد العائلة نفسها.

إن خروج المرأة من المنزل، ودخولها مساحاتٍ كانت ذكوريّة، لم يترافق مع تطور في البنية القانونية يوفّر حمايةً لها، ولا حتى في عقلية الذكور القائمين على تطبيق القانون من رجالات شرطة وقضاة ومحامين مما يخلق إشكالات سنّ قوانين جديدة وفي تطبيق القوانين الموجودة. كما أنّنا لم نشهد تغييراً عميقاً في أنماط التربية التقليدية، ووعياً كافياً يُواكب هذه التغييرات الاجتماعية في حضور المرأة الاجتماعي والاقتصادي، ودعونا لا ننسى هنا أن العامل الاقتصادي لعب دوراً كبيراً في قبول الكثير من الأسر بعمل المرأة، مما يفسر جزئياً هذه الفجوة.

الذكر.. العنصر المسيطر في المجتمع

لم تزل التربية تغرس في عقل الذكر أنه العنصر المسيطر في المجتمع ووظيفة المرأة إرضاؤه، يبدو الرجل وفقاً للمفاهيم السائدة شخصاً شهوانياً، لا يمكنه ضبط رغباته، ويمكن استثارته بأسهل الطرق، وهذه العقلية تظهر في التوجّه نحو لوم ضحايا الاغتصاب والتحرّش، دعونا نتذكّر جملاً شائعة نسمعها عند وقوع مثل هذه الحوادث:

” هي شو مشاها بهيك ساعة لحالها بهيك شارع، إذا أنا شفتها يمكن حسّبها فلتانة مو كل الناس بتفهم”.
” يعني شلون أجا لزق فيها هيك خبط لزق، لو مو هي عاطيته وش ما كان تجرّأ”.
” هي شو أخدها عندو للبيت لحالها”.

تواطؤ اجتماعي

بعبارة أخرى هناك تواطؤ اجتماعي، وهذا التواطؤ يشمل بعضاً من المثقفين وحتى ذكوراً يفترض أنهم محسوبون على تيارات تنادي بتحرّر المرأة، أذكر حادثة بسيطة مررت بها حين كنت طالباً جامعياً، كنت واقفاً أمام كلية الآداب في جامعة حلب مع أحد معارفي من حاملي شهادة الماجستير، مرّت طالبة ترتدي تنورة قصيرة بعض الشيء، فما كان منه إلا أن قال بعصبية: “شو هاللبس اللي جاية فيو عالجامعة، يعني بدها تحقّق حالها بهيك شغلات تافهة، ماذا يُفترض أن أفعل الآن؟ هل أذهب إلى بيتي وأُمارس العادة السرية”.

حينها دُهِشتُ من تصرّف هذا الرجل الذي هو مُدرِّس أيضاً، هو بكلامه كان يوجز العقلية الاجتماعية التي تقول متى تجاوزت المرأة الحدود التي تفرضها العقلية التقليدية عليها فهي مستباحة، وبعد انتقادي لسلوكه غير اللائق، دافع عنه أصدقاؤه من العلمانيين ذكوراً وإناثاً لأنه شخص “أكابر”. علماً أن الشخص المتحرّش لا يكون من نمط الأزعر بالضرورة كما يظنّ البعض ويمكن أن يبدو “أكابراً” أو أباً حنوناً وصديقاً مخلصاً.

ورغم أنّ هذا الشخص في مثالي ليس متحرّشاً، لكنه يعبّر عن العقلية التي تؤدي إلى انتهاك المرأة، وإلى كل أشكال العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، كما يعبّر عن مدى عزلة المرأة التي تقع ضحيةً للتحرّش طالما أن العقلية الاجتماعية تتجه للتبرير للرجل، أما الذكور المذكورين في مثالي الذين لم يتحسسوا من كلامه فهم يطبّقون مثال دونالد ترامب الذي حين برّر طريقة حديثه الوضيعة عن النساء قال: “انا أحترم المرأة، لكن هكذا يتحدّث الذكور إلى بعضهم البعض.”

ويبدو أن تبرير ترامب هذا يؤمن به الكثير من الرجال والنساء في كثيرٍ من المجتمعات، فالرجال حسب هذا الطرح يتحوّلون في مجالسهم الخاصة إلى بهائم، لكن ماذا لو أن هذه البهيمية خرجت من مجالسهم الخاصة؟

اللوحة للفنانة جاذبية سري/مصدر الصورة: ميديوم

اللوحة للفنانة جاذبية سري/مصدر الصورة: ميديوم 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015