عن التهمة الجاهزة “النسوية حركة متطرفة”
رسم كاريكاتوري للفنان سمير الخليلي مصدر الصورة طلعنا ع الحرية

عمار عكاش/ayyamsyria- تكاد تكون تهمة التطرف التهمة الأكبر التي تُلقى في وجه الحركة النسوية السورية، رغم صغر حجمها واقتصارها على بعض المثقفات السوريات، ومجموعات متفرقة من النساء، انبثقت في الفضاءات الجديدة التي وُلدت بعد الثورة السورية في المنافي.

منذ عام ٢٠١٢ بدأت بعض الأصوات النسوية تطالب بإدراج قضية النساء على جدول أعمال الثورة السورية، وكان الجواب التقليدي على هذا المطلب يشبه أجوبة معظم حركات التحرر من الاستعمار في القرن الماضي: “الأولوية الآن لإسقاط الدكتاتورية”، رغم أنه طرحت على جدول اعمال الثورة مسائل مثل مسوّدة الدستور، وآلية الانتخابات، وتمثيل الناس، وهذه المسائل ترتبط مباشرة بقضايا المرأة.

لم يعتد الرجال والمجتمع السوري التقليدي على أن ترفع النساء أصواتهن مطالباتٍ بالحصول على حقوقهن ومنحها أهمية توازي كل الحقوق الأخرى، ولم يعتد المجتمع السوري على مناقشة مسائل الشأن العام بحرية دون وصاية من أفراد وجماعات سياسية محددة.

وقد يقول البعض إن تهمة التطرف سببها سلوك بعض النسويات، وطروحاتهن إما على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في لقاءاتهن الشخصية مع الناس. لكن إن محّصنا معظم طروحات النسويات السوريات نجد أن أغلبها لم يرفع سقف مطالبه عالياً، لكن المشكلة تأتي من أن الطرح النسوي يواجه بصخور مجتمعية وثقافية صلبة عصيّة، فحين يتحدث عن حقوق المرأة ضمن العائلة وضمن العلاقات الزوجية يواجه فوراً بتهمة محاولة تدمير العائلة لأنه ببساطة يطمح لإعادة بناء الدور المنوط بالمرأة والتوقعات المتعلقة به، وهذا الأمر لا يروق لعدد كبير من السوريين، وفي محاولة لتجنب الصدام مع الدين تلجأ أغلبية النسويّات إلى القول بأن الرجل وظّف الخطاب الديني لصالحه، لكن حتى هذا الكلام يجابه بوابل من التهم أولها الدعوة إلى الإلحاد، وإن تمّ الحديث عن زيادة تمثيل النساء في المجالس المحلية والائتلاف المعارض وسواها، يتم تمييع الموضوع بالقول إن السوريين غير ممثلون أصلاً، أو إن عدد النساء الكفوءات قليل والمشكلة في الكفاءة لا عدم الرغبة في وجود نساء سوريات ممثلاتٍ للشعب، أو إن النساء أنفسهن لن تنتخبن نساءً بسبب العقلية التقليدية، كل هذا الهرج والمرج ونحن ما زلنا نتحدث عن تحسين للمؤسسات الاجتماعية القائمة وشروطها دون طرح جذري صادم.

أمام هذا الهجوم بدأت بعض النسويات بالانكفاء إلى مواقع دفاعية في محاولة لرد تهمة التطرف عنهنّ، وتقول الكاتبة رحاب منى شاكر في هذا الصدد: “أنا مع النِسوية، ولكني ضد التطرف النِسوي!” لطالما سمعت النسويات هذا التأييد الملحوق مباشرةً بذلك التحفظ. وطبعًا جميعنا نحاول ألا “نتطرف”. نحاول أن نتكلم بتروٍ قدر الإمكان، ونصلي على النبي قبل أن نكتب أي شيء على وسائل التواصل الاجتماعي، ونعيد ترتيب أفكارنا قبل نشرها، كي لا نظهر بمظهر البائسات والكارهات للرجال، ونخسر أكثر مما نحن خاسرات” (١).

لا أريد أن أوجه نصحاً لأحد، لكن الحركة النسوية يفترض أن تشق طريقها وتدرك أن كل هذا الهجوم الشرس متوقّع وسبق أن تعرضت له كل الحركات النسوية الغربية في بدايات نشأتها، وفي كل مرحلة تنطلق فيها إلى طرح جديد بعد إنجاز سلم المهام السابق. لا شك أنّ أي حركة سياسية أو حركة حقوقية تحتاج إلى توازن دقيق بين عدم الاصطدام بالمجتمع في كل شي وكسر التابوات أيضاً على المدى الطويل، ومن النادر أن تحقق حركة ما تغييراً اجتماعياً دون صدامٍ مع فئات كثيرة من المجتمع، ما يهمّ هنا محاولة فهم ما هو موجود على الأرض، وما هي المطالب الملحة، والمطالب البعيدة المدى، وكيف يمكن إيجاد لغة مقبولة، ولغة تلامس قدر الإمكان هموم الناس، وفي النهاية التعلّم وتطوير الذات يأتي من التجربة والممارسة ولا وصفات جاهزة هنا، مثال ذلك أن الحركة النسوية الأمريكية في بدايات نشأتها كانت تطالب بحق المرأة في التصويت وكانت غالبية النساء الأمريكيات غير مكترثات بهذا المطلب وتعتبر النسويات متطرفات مريضات، ولكن مع الوقت حققت النسويات مطلبهنّ، وبات من يرفض حق المرأة في التصويت يعتبر قمةً في التطرف والتخلف، وحين كانت النسويات الأمريكيات تطالبن بحق المرأة في العمل والدراسة، كانت أعداد كبيرة من ربّات البيوت تعتبرهن معقّداتٍ تردن منهن ان تصبحن رجالاً، وتكسِرن الحلم الأمريكي في بناء عائلة مثالية تنجب فيها المرأة أطفالا وترعى زوجها المنتج باني الوطن، والآن يمكن أن نرى أين وصلت الحركة بهذا المطلب، فالجهد ينصب حالياً على المساواة في الأجور، ومحاربة التمييز في الارتقاء الوظيفي ومحاربة التحرش الجنسي، وقبل عقدين فقط كان العديد من الرجال والنساء يسخرون من تهمة التحرّش ويقولون إنّ النسويات تعتبرن أي رجل يتقرّب من المرأة متحرشاً (لاحظوا كم يشبه هذا الموقف موقف عدد كبير من المتحرشين الذكور السوريين والمتواطئين معهم من ذكور وإناث)، ولكن العقد الأخير شهد نجاحاً كبيراً في فضح المتحرشين وأثبتت النسويات أنهن كن محقاتٍ.

كل الاحترام للنساء اللاتي تدافعن عن آرائهن بصلابة دون فجاجة، فالخيار الأسهل هو المسايرة وكسب الشعبوية كما تفعل بعض النساء للأسف، ومن السهل جداً على الكثير من النساء أن تقلن نحن نسويّات ثم تهاجمن زميلاتهن النسويات الأكثر جذرية وشجاعة، والهدف يكون غالباً نيل الشعبوية والقبول مثل العلماني الذي ينافق في كثير من أفكاره ويهاجم العلمانيين الآخرين كي يقول عنه التيار السائد بإنه علماني حبّاب(٢) ويحترم الدين والعادات والتقاليد!، ومن حق كل شخص أن يتبنى وجهة نظر تناسبه ضمن النسوية، وليس مطلوباً أن تصبح الحركة كلها لوناً واحداً، لكن من الوصولية أن تهاجم امرأة تطالب بحقوق المرأة النساء نسوياتٍ أخريات لحصد الشعبوية، والتطرف حقيقة ليس في الحركة النسوية بل في مجتمع كان الرجل الذي لا يعنف جسديا زوجته يعتبر عملة نادرة، وكانت أم الزوجة تقول لابنتها في كل خلاف لها مع زوجها : ” احمدي ربك ما بضربك”.

رسم كاريكاتوري للفنان سمير الخليلي مصدر الصورة طلعنا ع الحرية

هوامش:

(١)https://www.aljumhuriya.net/ar/content/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%90%D8%B3%D9%88%D9%8A?fbclid=IwAR3RuhyjUwVkYxMkhWD_uKwU-EFMK6XVahB58hKu5sXi6XMiGq2LaFTA7jo
(٢) حباب: تعبير من العامية السورية ويعني الشخص الدمث، اللطيف.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015